هل تواجه أوروبا مصير أوكرانيا؟
لا مفر من مواجهة ما بعد الحرب بين روسيا والغرب

ترجمات - السياق
مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من يومها الـ140، رأت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أنه لا مفر من مواجهة ما بعد الحرب، بين روسيا والغرب، مستبعدة أن تعيش أوروبا في سلام، طالما استمر الصراع في أوكرانيا.
ورجحت المجلة -في تحليل لمايكل كيماج، الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، المتخصص في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا- أن تستمر الحرب في أوكرانيا سنوات، وأن تنتهي بهزيمة روسية بشكل أو بآخر.
وبينت أن جوهر هذه الحرب، بصرف النظر عن المعاناة الهائلة التي تسببت فيها، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب خطأً استراتيجيًا فادحًا باتخاذه قرار شنها، مشيرة إلى أن النظام السياسي الروسي لا يتمتع بالمرونة الكافية لتغيير المسار.
وأشارت إلى أن خسارة موسكو للحرب، لا تعني إطاحة بوتين، أو بزوغ الديمقراطية في روسيا، إلا أن قرار شن الحرب لاشك سيفرض تكاليف طويلة الأجل عليها، ما يجعلها تواجه صعوبة كبيرة مستقبلًا.
نتائج الحرب
ومع توقعه بهزيمة موسكو نهاية الحرب، رأى كيماج أن هذه الهزيمة -شبه الحتمية- ستكون لها نتيجة إيجابية وأخرى سلبية للولايات المتحدة.
وأوضح أن النتيجة الإيجابية ستشمل العالم أجمع، مشيرًا إلى أنه قبل الحرب التي بدأتها روسيا في فبراير 2022، كانت الولايات المتحدة تكافح لإيجاد دور لها، حيث لم تعد القوة المهيمنة عالميًا بلا منازع.
وأشار إلى أن واشنطن -مع بداية الحرب- كانت لا تزال تتعافى من الانتقال المشحون من إدارة دونالد ترامب إلى إدارة جو بايدن، فضلًا عن تعثرها في إدارة عملية الانسحاب من أفغانستان في صيف 2021.
وبيّن أنه رغم أن تقسيم إدارة بايدن للعالم إلى أنظمة استبدادية وديمقراطيات كان تمييزًا واضحًا، إلا أنه يبدو أنه كان مجرد (حشو للخطب السياسية)، وليس شيئًا حاسمًا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.
وذكر الكاتب، أنه رغم أن إدارة بايدن أظهرت، من خلال الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا، قدرتها على الدبلوماسية الفعّالة، فإنها لم ترتقِ إلى مستوى بناء المؤسسات، الذي كان الرئيس هاري إس ترومان رائدًا فيه، أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، العصر الذي غالبًا ما يعد المعيار الذهبي للدبلوماسية الأمريكية.
ولكن -حسب الكاتب- فإن التنسيق بين الدول داخل أوروبا وخارجها، وبناء نظام عقوبات طموح ضد روسيا، وتقديم المساعدة العسكرية السريعة لأوكرانيا، كان أمرًا استثنائيًا للقيادة الأمريكية.
وبيّن الخبير المتخصص في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، أنه في الوقت الذي بدت فيه الصين مرتبكة، في ما يتعلق بالحرب الروسية، أظهرت الولايات المتحدة أنها تستطيع ضمان الأمن الإقليمي في أوروبا.
ورأى أن هذا الدور، سيترك الولايات المتحدة في موقعها التقليدي -منذ عام 1945- كنقطة محورية للأمن الأوروبي، كما أنه سيجعل منها منافسًا كبيرًا لبكين في آسيا، مشددًا على أنه عندما تنتهي الحرب في أوكرانيا، ستلوح مصداقية الولايات المتحدة في الأفق بشكل أكبر أمام العالم.
ديمقراطية أوكرانيا
وأشار كيماج إلى أن أوكرانيا تميزت منذ عام 1991 بأنها تعيش "ديمقراطية مضطربة"، وهو ما ورثه الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي، الذي يُعد أول زعيم حقيقي في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي هناك.
في المقابل -حسب الكاتب- تحول بوتين سريعًا -بشكل أكثر دراماتيكية - من زعيم منضبط في أسلوبه، إلى ديكتاتور قاسٍ ومتعثر، حيث أصبح العالم -بسبب قراره بالحرب- غير آمن.
ورأى أن اتخاذ بوتين لقرار الحرب يجسد عار الاستبداد، أمام تألق الديمقراطية التي كان بايدن يأمل تحقيقها أثناء رئاسته، التي كانت سببًا في فوزه بانتخابات 2020.
أما النتيجة السلبية لحرب بوتين الرهيبة، فرأى الخبير المتخصص في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، أنها ستتركز في أوروبا، مشيرًا إلى أنه رغم أن روسيا لا تملك القدرة العسكرية للسيطرة على أوكرانيا، وأنها بعيدة كل البعد عن تهديد دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما في ذلك فنلندا والسويد -في حال انضمامها رسميًا قريبًا- فضلا عن أنها تخاطر بخسارة الحرب، فإنها ستكون عامل إزعاج كبير للدول الأوروبية.
وأوضح الكاتب أنه مهما حدث على أراضي أوكرانيا –في ما يخص النتيجة النهائية للحرب- فقد رُسم خط جديد عبر أوروبا، مشيرًا إلى أن هذا الخط رغم غموضه، فإنه يفصل بين جانبين (روسيا البيضاء وروسيا) من جهة، والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، من جهة أخرى.
وأشار إلى أن هذا الخط سيكون عامل اتصال -طويل ومتحول وخطير- لعقود مقبلة، مشددًا على أن روسيا لن تمتلك القوة لتجاوز هذا الخط، سواء من خلال الدبلوماسية أو الإكراه لجذب أوروبا إلى فلكها، لكن في المقابل لن يكون لأوروبا الشرقية أو التحالف عبر الأطلسي أو الغرب عمومًا، القوة اللازمة لإخضاع روسيا أو محو نفوذها.
مِمَ يتكون هذا التأثير؟
وعن نتائج هذا التأثير، أوضح كيماج أن روسيا ستحاول تحويل أي مصدر لعدم الاستقرار الأوروبي لصالحها، من خلال محاولة التدخل لتوجيه أي انتخابات مقبلة في ما يخدم مصالحها، أو أن تكون لها يد في سقوط حكومة ما، أو محاولة الوقيعة بين دولتين لسبب ما.
وأشار إلى أنه سيتم التعبير عن التأثير السلبي لروسيا أيضًا من خلال الهجمات الإلكترونية، وربما في الهجمات العسكرية العرضية، بالنظر إلى أن روسيا لديها القليل جدًا لتخسره، من خلال إثارة غضب الغرب ومحاولة إبعاده عن سياسة التوازن، التي ينتهجها منذ بدأت الحرب في أوكرانيا.
كما سيتم التعبير عن التأثير السلبي لروسيا -حسب الكاتب- في التهديدات النووية، التي قد يواجهها الغرب بـ(آذان صماء) حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه من حرب نووية تقضي على الأخضر واليابس.
ووصف الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، هذا الوضع بأنه سيكون مأساة للولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء، مشددًا على أنه "لن تكون هناك أوروبا كاملة حرة وفي سلام، وإنما ستكون أوروبا، بمجرد أن يهدأ دخان الحرب وغبارها في أوكرانيا، ما كانت عليه دائمًا، مجرد ساحة معركة جديدة"، مشيرًا إلى أنه في ساحة المعركة هذه، لن تقف الولايات المتحدة موقف المتفرج، وإنما ستضطر إلى الوقوف بجانب حلفائها أمام خصم لا يستهان به.