بعد العام الأول لعودة حركة طالبان للحكم... إلى أين وصلت أفغانستان؟
وقعت المئات من حالات القتل خارج نطاق القضاء، وعُثر على جثث مصابة بطلقات نارية أو آثار تعذيب.

السياق
تعليم محظور على معظم الفتيات وحجاب «إجباري»، إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي وأزمة اقتصادية، ملامح حياة ما بعد عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان.
تلك الملامح أعادت للأذهان مدة الحكم الأولى للحركة المسلحة، وبددت الوعود التي قطعتها «طالبان» على نفسها، بعد أن عادت للحكم مرة أخرى في أغسطس الماضي، إثر الانسحاب الأمريكي من البلد الآسيوي.
عودة طالبان
وسعت حركة طالبان -فور توليها السلطة- إلى تهدئة المخاوف الدولية بشأن حقوق المرأة الأفغانية، مؤكدة أنها ملتزمة بحقوق المرأة في إطار الشريعة الإسلامية، إلا أن الواقع كان مخالفًا لذلك.
فبينما تعهدت وزارة التعليم التابعة لحركة طالبان، بإعادة فتح المدارس الثانوية للبنات من الصفوف السابع إلى الثاني عشر بداية الفصل الدراسي الربيعي في مارس 2022، إلا أنها مع ذلك، غيرت مسارها فجأة في الشهر نفسه، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى وقت إضافي لإنشاء مرافق لفصل الجنسين.
وبينما تنتظر طالبات المدارس الثانوية في معظم أنحاء البلاد -حتى الآن- قرارًا لإعادة فتح المدارس، أعيد فتح مدارس البنين فور سقوط إدارة الرئيس غني، وتمكنت بعض العائلات من إرسال بناتها إلى المدرسة.
فحتى مع إبعاد المدارس الثانوية للبنات الطلاب عن الدراسة في كابل، تمكن البعض من العودة إلى الفصول الدراسية بداية فصل الربيع الدراسي في مدينتي قندوز ومزار الشريف شمالي البلاد.
وهناك أيضًا العديد من المشاريع الخاصة، التي تهدف إلى التحايل على «حظر» طالبان لتعليم الفتيات، كالمدارس السرية التي يديرها نشطاء مثل باشتانا دوراني التي قالت في تصريحات لـ«صوت أمريكا»، إنها تدرِّس أربعة فصول تضم 400 فتاة في أربع مناطق مختلفة بلغتين.
وتبدو هذه التناقضات مؤشراً على ما يصفه بعض المراقبين بأنه عملية صنع السياسات المتقلبة إلى حد كبير للحكومة الجديدة، فبينما تسعى الحكومة إلى تبني نهج موحد على مستوى البلاد تجاه القضايا الرئيسة، تحاصرها الانقسامات التي تندلع بين الحين والآخر داخل صفوف طالبان.
فعندما كانت طالبان في السلطة آخر مرة، التحقت قرابة 5 آلاف فتاة أفغانية بالمدرسة، إلا أنه بحلول عام 2018، قفز العدد إلى 3.8 مليون.
قيود عامة
وبصرف النظر عن القيود المفروضة على التعليم، فإن مؤتمرًا لقادة طالبان استمر ثلاثة أيام في مارس الماضي، أصدر قرارات بينها أمر الرجال الذين يعملون في الوظائف الحكومية بإطلاق اللحى وارتداء الزي الإسلامي خلال التوجه للعمل.
كما أمرت حركة طالبان بأن تفصل حدائق المدينة بين الجنسين، وشددت على أنه لا يجوز للمرأة السفر عن طريق الجو من دون مرافق قريب ذكر أو محرم، كما أمرت أصحاب المتاجر بإزالة رؤوس العارضات، ووصفتها بأنها "غير إسلامية".
ومنع الفرع الإقليمي لوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -التابعة لحركة طالبان- النساء من دخول "الحمامات" في إقليمي بلخ وهرات، التي كانت المنفذ الوحيد للعديد من النساء في هذه المقاطعات، بحسب "صوت أمريكا".
اعتقال تعسفي
منذ أغسطس 2021، كانت هناك تقارير عن ضرب جنود طالبان وتعذيب الأفغان الذين يُعتقد أنهم انتهكوا قرارات الحركة، أو متهمون بالعمل مع الحكومة السابقة.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن سلطات طالبان احتجزت مئات المدنيين بشكل غير قانوني، بينما تعرض كثيرون منهم للضرب بأعقاب البنادق أو الجلد أثناء القبض عليهم.
وقالت صهيبة (اسم مستعار)، إحدى المتظاهرات، إن جسدها كان مغطى بالكدمات بسبب قوات الأمن التابعة لطالبان، مضيفة: "لم تكن هناك محكمة ولا تهم ولا إجراءات قانونية واجبة، لقد تم اختطافنا من الشوارع ووضعنا في سجن خاص لأيام لم نتمكن خلالها من مقابلة عائلتنا أو محامينا أو أي مسؤول".
قتل واختفاء قسري
وقعت المئات من حالات القتل خارج نطاق القضاء، وعُثر على جثث مصابة بطلقات نارية أو آثار تعذيب، بحسب منظمة العفو الدولية، التي قالت إن العشرات اختفوا بينما لا يزال مكانهم مجهولًا، بسبب عملهم في الحكومة السابقة، أو للاشتباه في تورطهم بمقاومة طالبان.
وقال توراب كاكار، 34 عاماً، لمنظمة العفو الدولية، إنه رغم من حصوله على "خطاب عفو" من طالبان، فإن صديقه جلال، الذي خدم في قوات أمن الدفاع الوطني الأفغانية، اقتادته طالبان إلى مكان لم يكشف عنه.
حرية التعبير
تقول منظمة العفو الدولية إن قوات الأمن التابعة لحركة طالبان تستخدم "العنف" المفرط، أثناء محاولتها فرض حظر على الاحتجاجات السلمية، مشيرة إلى أنها فرقت في مدن كبيرة الاحتجاجات السلمية، بضرب المتظاهرين العزل وإطلاق النار عليهم.
وأبلغ أحد المتظاهرين من ولاية هيرات منظمة العفو الدولية بالإصابات التي لحقت به على أيدي قوات الأمن، قائلًا: "رأيت رجلاً ممدداً في بركة من الدماء بحفرة في الشارع (...) أعتقد أنه قُتل... كانت يدي مكسورة لكنني لم أذهب إلى المستشفى خوفًا من اعتقالي لمشاركتي في الاحتجاجات".
واستهدفت حملة طالبان على حرية التعبير المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، بحسب التقرير الذي أشار إلى أن كثيرين منهم تعرضوا للمضايقة والتهديد والاعتقال وحتى القتل، كنتيجة مباشرة لعملهم في مجال حقوق الإنسان.
تحديات أمنية
داخليًا، كان التهديد الأكبر لحركة طالبان نابعًا من تنظيم داعش، في خراسان والقاعدة، فبينما انخفض عدد التفجيرات في جميع أنحاء البلاد منذ سيطرة طالبان على السلطة، أدى انفجار قنبلة مدرسية إلى قتل ستة أشخاص على الأقل في أبريل.
كما وقعت سلسلة من الهجمات في مايو 2022، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن بعضها، وتم استهداف معبد للسيخ بكابل في يونيو، ما أسفر عن قتل شخصين وإصابة سبعة، كما أدى انفجار قنبلة في مباراة كريكيت بكابل في يوليو إلى قتل شخصين.
العلاقات الخارجية
وعلى الجبهة الدولية، لم يُعترف بطالبان من أي دولة حتى الآن، لكن تمت دعوة قيادة طالبان إلى مؤتمر دولي في طشقند، بأوزبكستان، تضمن وفودًا من 30 دولة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وطالبان والأمم المتحدة.
ومع ذلك، تصر الحكومات الغربية على ضرورة أن تحسن طالبان سجلها في حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وكذلك الشمولية في الحكومة، قبل أن تتمكن من الانخراط بأي طريقة ذات مغزى ومنح الحركة الاعتراف الرسمي.
ورغم ذلك، فإن الصين حافظت على اتصالات مباشرة بإدارة طالبان، والتقى الجانبان في مناسبات عدة على المستويين الثنائي والدولي، لمناقشة خطط إعادة إعمار أفغانستان. كما نشطت بكين في العديد من المحادثات الدولية والمتعددة الأطراف والثنائية بشأن القضايا الأفغانية مع الحكومات الإقليمية والقوى الدولية.
أزمة مالية
بعد عام واحد من عودة طالبان إلى السلطة، أثبتت جهود الحركة المسلحة لإدارة اقتصاد يعاني الجفاف وجائحة كورونا، عدم جدواها، ففي السنة المالية الأخيرة لأفغانستان قبل انهيار حكومة ائتلاف أشرف غني المدعومة من الغرب، كان مصدر 75% من النفقات العامة من الميزانية السنوية للبلاد البالغة 5.5 مليار دولار من المساعدات الخارجية، إلا أنه مع خروج الولايات المتحدة، انقطعت المساعدة المدنية والأمنية الدولية فجأة وفُرضت عقوبات على الحكام الجدد.
وسيطرت الولايات المتحدة على أغلبية احتياطات البلاد من العملات الأجنبية، وجمدت قرابة 7 مليارات دولار، وربطت إطلاقها بتحسين حقوق المرأة وتشكيل حكومة شاملة.
وفي حين طالبت طالبان والعديد من البلدان الأخرى بالإفراج عن الاحتياطات المملوكة لأفغان، استمرت تدفقات مبادرات المساعدات الموجهة للشعب الأفغاني بلا هوادة، بحسب موقع «صوت أمريكا»، الذي قال إن عدد الأفغان الذين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء تضاعف بعد سيطرة الحركة المسلحة إلى 20 مليونًا، أي أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 38.9 مليون نسمة.
مع ذلك، أثبتت طالبان أنها بارعة في تحصيل الإيرادات، بعد أن جمعت 840 مليون دولار بين ديسمبر 2021 ويونيو 2022، كانت نسبة كبيرة منها (56%) من تحصيل الإيرادات الجمركية.
ووفقًا لمجلة الإيكونوميست، فإن الباحث ديفيد مانسفيلد، الذي درس الاقتصاد غير المشروع في أفغانستان 25 عامًا، قال إن الحركة جنت بين 27.5 مليون دولار و 35 مليون دولار سنويًا من خلال فرض ضرائب على تجارة المخدرات وقرابة 245 مليون دولار عند نقاط التفتيش على طول الطرق الرئيسة، مشيرًا إلى أن مقاتلي طالبان فرضوا رسومًا على سائقي الشاحنات الذين ينقلون الطعام والوقود.
ورغم تبادل المسؤولين الأمريكيين وطالبان مقترحات للإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة في الخارج بصندوق ائتماني، لا تزال هناك خلافات كبيرة بين الجانبين، تتمثل إحدى نقاط الخلاف في التزام طالبان بتأمين حقوق الأفغان في التعليم وحرية التعبير.
الإعلام والحريات
في أول مؤتمر صحفي لها بعد السيطرة على الحكم في أغسطس 2021، قالت حركة طالبان إنها ترحب بـ«الصحافة الحرة والمستقلة»، إلا أنها في الشهر التالي، أصدرت سلسلة من التوجيهات الإعلامية التي قال النقاد إنها ترقى إلى مستوى رقابة مسبقة.
وبموجب تلك الإجراءات منعت الصحفيات من العمل في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، كما أصدرت أمرًا بأنه على المذيعات في وسائل الإعلام التي يديرها القطاع الخاص الظهور بوجوه مغطاة.
الصحافة في عهد طالبان
أمرت حركة طالبان، الصحفيين في بعض المقاطعات بضرورة الحصول على إذن من المسؤولين المحليين قبل إرسال التقارير، ومنع شركات الإعلام من بث الموسيقى أو المسلسلات والبرامج الترفيهية الشعبية، ما أدى إلى توقف مصادر عائدات الإعلانات وإغلاق العديد من المنافذ.
العام الماضي، ألقت قوات الأمن التابعة لحركة طالبان القبض على أكثر من 80 صحفياً وعذبتهم بسبب تغطيتهم الاحتجاجات السلمية، بينما قال أحد الصحفيين لمنظمة العفو الدولية: "تعرضت للضرب والجلد بقوة على ساقي لدرجة أنني لم أستطع الوقوف، وقَّعت عائلتي وثيقة تتضمن ألا أتحدث عما جرى لي بعد إطلاق سراحي، وإذا فعلت ذلك سيكون لطالبان الحق في اعتقال عائلتي بأكملها".
تلك الإجراءات جعلت أفغانستان تتراجع إلى المرتبة 156 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي، بينما قالت "مراسلون بلا حدود"، إن عودة طالبان إلى السلطة "كانت لها تداعيات خطيرة على احترام حرية الصحافة وسلامة الصحفيين، خاصة النساء".