دون نية للعودة.. الانهيار الاقتصادي يدفع الأطباء الأتراك إلى الهجرة

يضطر الأتراك إلى اتخاذ قرارات صعبة، بشأن ما يمكنهم تحمُّله وكيفية وضع ميزانياتهم، وقد أدى مزيج من التضخم المرتفع وانخفاض العملة، التي فقدت ما يقرب من نِصف قيمتها، إلى أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة

دون نية للعودة.. الانهيار الاقتصادي يدفع الأطباء الأتراك إلى الهجرة

ترجمات - السياق

دفع تدهور الاقتصاد التركي بشكل غير مسبوق، بسبب سياسة أردوغان الاقتصادية، الأطباء الأتراك إلى طرق باب الهجرة، للبحث عن فرص عمل أفضل خارج البلاد، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

ويصف أردوغان نفسه بأنه "عدو أسعار الفائدة المرتفعة"، إذ يريد خفض تكاليف الاقتراض، لكن هذا الأمر وحده لا يجعله سياسيًا غير تقليدي وفقًا للمعايير السائدة، بل لديه أفكار أخرى تثير قلق خبراء الاقتصاد، لأنه يتبنى نظرية اقتصادية غير تقليدية، تقضي بأن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم.

ويضطر الأتراك إلى اتخاذ قرارات صعبة، بشأن ما يمكنهم تحمُّله وكيفية وضع ميزانياتهم، وقد أدى مزيج من التضخم المرتفع وانخفاض العملة، التي فقدت ما يقرب من نِصف قيمتها، إلى أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة.

وقفز التضخم في تركيا يناير الماضي إلى 48.7 بالمئة، بعد أن سجل 36 بالمئة في ديسمبر، لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن معدل التضخم الفعلي يمكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

 

لائحة اتهام

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن القلق ازداد بعد وفاة طبيبة مساعدة، عندما اصطدمت سيارتها بالجزء الخلفي من شاحنة بعد نوبة طويلة، ولم يتم إسعافها على الوجه السريع، ما عده قطاع كبير بين الأطباء نتيجة سوء الرعاية الصحية، التي كان يتغنى بها أنصار أردوغان بأنها من أهم إنجازاته.

وأوضحت الصحيفة، أن ضغوط الإصلاحات التي أجراها أردوغان، إضافة إلى تلك التي جلبها وباء كورونا، والتضخم المتسارع، قوَّضت المهنيين الذين يعتمد عليهم النظام الصحي، حيث يشكو الأطباء من عبء العمل الطاحن، وتناقص عائدات عملهم، وفقدان احترام المهنة في عهد أردوغان، وزيادة العنف الجسدي من قِبل مرضاهم.

ونقلت الصحيفة عن الجمعية الطبية التركية، تأكيدها، أن أكثر من 1400 طبيب تركوا مناصبهم للعمل في الخارج العام الماضي، من إجمالي 4000 خلال العقد الماضي، بينما قال مسؤولون آخرون: "كثيرون يعدون طلبات حُسن السير والسلوك، لمغادرة البلاد في الوقت الحالي".

 

تراكمات

ونقلت "نيويورك تايمز" عن بولنت كيليتش، أستاذ الصحة العامة في جامعة 9 إيلول بمدينة إزمير الغربية، قوله: عمليات الهجرة المتلاحقة للأطباء، تأتي نتيجة لقضايا تراكمت منذ فترة طويلة، مشيرًا إلى أنه في العشرين عامًا الماضية، كانت هناك تغييرات كبيرة، معتقدًا أن عبء العمل الثقيل، خلال انتشار الوباء، القشة التي قصمت ظهر البعير.

وأضاف: "رغم الإشادات التي تخرج كثيرًا على لسان المسؤولين في قطاع الصحة للرئيس، إلا أن نظام العمل مرهق بلا شك في ظل استمرار الوباء، ما يجعل الأطباء يشعرون بالأعباء المفرطة، وكذلك الأجور المتدنية"، مشيرًا إلى أن التآكل المطرد لدخول الأطباء كان أكبر من أن يتحمله العديد منهم، ما تسبب في قرارات الرحيل.

وقال الدكتور فوركان كاجري كورال، 26 عاماً، طبيب مبتدئ غادر تركيا بعد تخرجه بسنتين فقط للصحيفة الأمريكية: "قبل ثلاث سنوات، كنت سأقول إن الراتب كان عادلاً، لكنه الآن ليس كذلك"، مشيرًا إلى أن الأطباء في تركيا يعملون "على مستوى السخرة" بالنظر إلى حجم العمل والمخاطر التي يتعرضون لها.

وأضاف أنه ذهب إلى ألمانيا، حيث وجد، بعد 11 شهرًا من التدريب اللغوي، وظيفة طبيب مساعد في مدينة كيمنتس، مشيرًا إلى أنه يستعد لإجراء اختبار معادلة يسمح له بالتدرب المهني ثم العمل، موضحًا أنه كان يشجع بالفعل زملاءه وشقيقته، طالبة الطب، على أن يحذوا حذوه.

بينما قالت الدكتورة سيبنم كورور فينكانسي، رئيسة الجمعية الطبية التركية للصحيفة: الرواتب ليست فقط هي التي تدفع العاملين في مجال الصحة للرحيل، مضيفة -في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان- أن الحزب الحاكم عمد إلى تخفيض قيمة المهنة، على مدى سنوات عدة.

 

العنف ضد الأطباء

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن العنف ضد المهنيين الطبيين ارتفع بشكل حاد خلال العامين الماضيين، خصوصًا في أقسام الطوارئ، مشيرة إلى أنه ذلك يحدث في كثير من الأحيان نتيجة الغضب تجاه نظام أردوغان، حيث قدم أكثر من 13 ألف اختصاصي صحي شكاوى بأنهم تعرضوا للعنف في العمل عام 2020.

وتعليقًا على ذلك، قالت رئيسة الجمعية الطبية التركية: "الناس ليسوا متسامحين بما فيه الكفاية"، وأضافت: "لأنهم غير سعداء في عملهم ومنازلهم، والقيم تتدهور، يصبح العنف مشكلة".

وإضافة إلى الضغوط الاقتصادية، تشير الجمعية الطبية التركية إلى أن القضايا الأخرى، بما في ذلك التمييز بين الجنسين والمحسوبية في الإدارة وزيادة الدعاوى القضائية ضد الممارسين الطبيين، جعلت الأطباء يفقدون الأمل، وفقًا للصحيفة.

وقالت فينكانسي: "الأمر لا يتعلق فقط بالنظام الصحي، ولكن البيئة العامة".

وأمام كل هذه التحديات التي فرضها النظام الحاكم برئاسة أردوغان، لم يعد أمام الأطباء أمل سوى الرحيل، وعن ذلك نقلت الصحيفة الأمريكية عن الدكتور دوجان سيليك، 29 عامًا، الذي يعمل في مستشفى عام باسطنبول، تأكيده أنه يخطط للمغادرة إلى بريطانيا بمجرد أن يكمل إقامته في غضون ستة أشهر.

وقال: "أحب بلدي، خاصة اسطنبول، ولكن في السنوات الأربع الماضية، تغير الأمر حقًا"، مشددًا على أن ساعات العمل وتدني الأجر السببان الرئيسان لرحيله، مضيفًا: "عندما أرى أساتذتنا وموجهينا، أعتقد أنني لا أريد أن أكون في وضعهم، لأنه بعد 40 عامًا كأستاذ، يحصل على راتب منخفض جدًا".

وختمت "نيويورك تايمز" تقريرها: "على عكس الموجات السابقة من هجرة العمال الأتراك إلى أوروبا، فإن الذين يهاجرون هذه الأيام ليست لديهم أي نية للعودة"، مشيرة إلى أنهم يغادرون لمنح أطفالهم فرصًا أفضل، وفقًا للعديد من العاملين في المجال الطبي.