قفزة نحو المجهول.. الفرنسيون يحرمون ماكرون من الغالبية في الجمعية الوطنية
قال تحالف اليسار في فرنسا اليوم الاثنين إنه يعتزم طرح تصويت من أجل سحب الثقة من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون في الخامس من يوليو تموز.

السياق
سيحكم الرئيس إيمانويل ماكرون من اليوم فرنسا مختلفة، غداة انتخابات تشريعية خسر فيها حزبه الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، ما يُنذر بانعدام يقين وربما عدم استقرار.
ولخصت صحيفة لاكروا في افتتاحيّتها الوضع قائلة: "بعد شهرين من إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون، يحرم تصويت الفرنسيين في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية رئيس الجمهورية من التحكم في الجمعية الوطنية".
وعنونت صحيفة لوفيغارو افتتاحيّتها بـ "قفزة نحو المجهول". أما مجلة در شبيغل الألمانية فكان عنوانها: "فرنسا صوَّتت وعاقبت ماكرون".
وحلّ تحالف الرئيس الفرنسي في الصدارة، لكن من دون أغلبية مطلقة، وهُزم عدد من وزراء حكومة إليزابيت بورن، كانوا مرشحين للانتخابات.
تقدم اليمين
لم تمنح هذه الانتخابات الأغلبية لأي حزب، وقد اتّسمت بتحقيق اليمين المتطرّف تقدمًا كبيرًا وبتأكيد انقسام المشهد السياسي إلى ثلاث كتل: الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون (245 نائبًا، تحالف معًا)، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن (89 نائبًا، حزب التجمّع الوطني) وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي، وصولًا إلى الاشتراكيين (135 نائبًا) بقيادة جان لوك ميلانشون (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد).
وبين الوسط واليمين المتطرف، هناك اليمين التقليدي المتمثل بحزب الجمهوريين الذي ضعُف لأنه خسر مكانته كأكبر كتلة معارضة في المجلس، لكن يمكنه أن يلعب دورًا حاسمًا في البرلمان بحصوله على 61 معقدًا.
وخسر التحالف الذي يقوده ماكرون أغلبية، بحصوله على 245 مقعدًا في البرلمان المؤلّف من 577 مقعدًا في ختام الدورة الثانية للانتخابات التشريعيّة، وفقًا للنتائج التي نشرتها وزارة الداخليّة فجر الاثنين.
ويعني ذلك أنّ تحالف معًا بعيد جدًا عن النتيجة المطلوبة لضمان الحصول على الأغلبية المطلقة (289 مقعدًا).
وفاز تحالف اليسار من جهته بـ135 مقعدًا، والتجمّع الوطني اليميني المتطرّف بـ89 مقعدًا، حسب إحصاء لوكالة فرانس برس، بناءً على النتائج التي نشرتها الوزارة.
اتفاق حكومي
عمليًا، أمام تحالف ماكرون خياران: إما أن يبرم اتفاقًا مع أحزاب أخرى على غرار الاتفاقات الحكومية في ألمانيا، وإما أن يتفاوض على كلّ نصّ يريد تمريره، لكن كلّما كان عدد النواب الناقصين لبلوغ الأغلبية أكبر، كانت المسألة أكثر صعوبة.
ومنذ مساء الأحد، أكدت كل الأحزاب من اليسار إلى اليمين المتطرّف، أنها ستتحمّل مسؤوليتها، ملمحةً إلى أنها لن تقف في صفوف المعارضة بشكل منهجي، لعرقلة الحكومة فقط إنما ستكون منفتحةً على التفاوض.
لكنّ هناك أصواتًا دعت إلى إبرام اتفاق لتشكيل حكومة، على غرار النائب اليميني السابق جان فرانسوا كوبيه، الذي أكد أن "اتفاقًا حكوميًا بين ماكرون والجمهوريين سيكون حيويًا في مواجهة صعود المتطرّفين".
ومن شأن تكتّل مؤلّف من نوّاب تحالف معًا وحزب الجمهوريين بلوغ الأغلبية المطلقة.
ويضع هذا المشهد البرلمان في قلب اللعبة السياسية بفرنسا، في سابقة في ظلّ الجمهورية الخامسة، النظام الذي وضعه الجنرال ديغول عام 1958 بالتحديد لتجنُّب عدم الاستقرار في النظام البرلماني، الذي كان سائدًا في ظلّ الجمهورية الرابعة.
قفزة نحو المجهول
رأت صحيفة لوفيغارو أن فرنسا في قفزة نحو المجهول السياسي. زلزال في الجمعية: فرق متناحرة تثير ضجيجًا ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي... إن نقاشنا الديمقراطي برمّته (...) سيتأثر بشكل عميق".
وكتبت صحيفة ذي غارديان البريطانية: الرئيس المنتخب مؤخرًا يواجه انعدام يقين بشأن التحالفات التي ينبغي تشكيلها لتبني إصلاحاته الرئيسية هذا الصيف".
وأكدت صحيفة إل باييس الإسبانية أن "فشل إيمانويل ماكرون يبشّر بتشكيلة تصادمية جدًا في الجمعية الوطنية".
بالنسبة للرئيس وأوساطه، ينبغي النجاح في تعزيز قوة سياسية برلمانية للتمكن من تمرير تشريعاتهم بحدّ أدنى من الهدوء.
وقالت إليزابيث بورن مساء الأحد: "سنعمل -اعتبارًا من الاثنين- على بناء أغلبية قادرة على العمل"، مشيرة إلى أنه ليس هناك "بديل لهذا التجمع لضمان الاستقرار". وأضافت أنه يجب التوصل الى "التسويات الصحيحة".
وتبدأ رسميًا -الأربعاء- ولاية النواب الجدد التي تستمرّ خمس سنوات.
افتتاح الهيئة
في هذه الأثناء، ينبغي على النواب الذين انتُخبوا الأحد للمرة الأولى ومن بينهم شخصيات رمزية حديثة العهد في السياسة، على غرار راشيل كيكي وهي عاملة تنظيفات أصبحت نائبة عن تحالف اليسار، أن يسجّلوا ويحصلوا على حقيبة النائب التي تحتوي على الوشاح ذي الألوان الثلاثة.
ويتعيّن التقاط صور رسمية لهم والانضمام إلى الكتل البرلمانية، التي يُفترض أن تتشكل قبل 28 يونيو عند الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي، موعد افتتاح الهيئة التشريعية السادسة عشرة في جلسة عامة.
تحالف اليسار
وقال تحالف اليسار في فرنسا اليوم الاثنين إنه يعتزم طرح تصويت من أجل سحب الثقة من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون في الخامس من يوليو تموز.
وتحالف اليسار هو ثاني أكبر تكتل في مجلس النواب بالبرلمان الفرنسي بعد الانتخابات التي جرت أمس الأحد، لكن ليس لديه ما يكفي من الأصوات للمضي قدما بمفرده في تصويت سحب الثقة، ويمتلك عددا قليلا من الحلفاء في برلمان في غاية التفتت.
وسيضطر العديد من حلفاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن بينهم وزراء في الحكومة، للاستقالة من مناصبهم بعد خسارتهم لمقاعدهم البرلمانية.
وكان حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" يأمل في البناء على إعادة انتخاب الرئيس لولاية جديدة مؤخرا لتحقيق أغلبية برلمانية تمكّن الرئيس من المضي قدما في تنفيذ سياساته.
إلا أن الحزب فاز بـ 245 مقعدا من إجمالي 577 مقعدا، ما يجعله الكتلة البرلمانية الأكبر، لكنه في الوقت نفسه سيكون بحاجة إلى دعم من أحزاب أخرى لتمرير التشريعات.
وكان الحزب اتفق قبل الانتخابات على أن أي مسؤول حكومي لا يفوز بمقعد برلماني سيتنحى عن منصبه. ما يعني أن ماكرون سيبحث عن بدلاء لوزيرة البيئة أميلي دي مونتشالين ووزيرة الصحة بريجيت بورجينيون ووزيرة الدولة لشؤون البحار جوستين بنين.
ومن بين حلفاء ماكرون الذين خسروا مقاعدهم أيضا وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير ورئيس الجمعية الوطنية ريتشارد فيران .
وتطالب المعارضة أيضا باستقالة رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، التي تم تعيينها في منصبها قبل شهر واحد فقط. وقالت المتحدثة باسم الحكومة أوليفيا جريجوار في تصريح إذاعي إنه لم يتم بعد بحث المسألة، وأن الساعات القادمة ستحدد مصير بورن.
قلب البرنامج الزمني
ويعتبر إيمانويل ماكرون، أول رئيس أعيد انتخابه منذ اعتماد الولاية من خمس سنوات في 2002، هو أيضا أول رئيس يجد نفسه مع أقلية منذ قلب البرنامج الزمني الانتخابي الذي وضع الانتخابات التشريعية بعد الانتخابات الرئاسية والذي كان يعطي حتى الآن غالبية واضحة لرئيس الدولة المنتخب حديثا.
يقول ريفيير "لم تكن هناك عواقب لفوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية"، مضيفا "حدث كل شيء كما لو كنا في استمرارية لمدة عشر سنوات، وانتهى الأمر بالانتخابات التشريعية ان تكون انتخابات وسيطة تكون صعبة عادة للحكومة وليس كانتخابات تشريعية تلي الانتخابات الرئاسية".
وأضاف ريفيير أن مسالة القدرة الشرائية لا سيما سعر البنزين كان لها تأثير قوي على نتيجة التصويت موضحا "كانت مشاكل الحياة اليومية حاضرة في أذهان الفرنسيين أكثر مما هي في النقاش".
هي مخاوف جعلها حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن موضع حملته الرئيسية ويمكن أن تفسر تقدمه التاريخي الذي أتاح له أن يصبح بلا شك القوة الثالثة في الجمعية الوطنية مع 67 إلى 102 مقعد.
بعد فترة بين الدورتين أعطت فيها الدعوة الى صد اليمين المتطرف رسائل متناقضة لا سيما ضمن الغالبية، كان أداء التجمع الوطني أفضل بكثير من هدفه بلوغ المقاعد ال15 اللازمة لانشاء تكتل.
وقال مارسيال فوكو مدير Cevipof في حديث لشبكة LCP، "لدينا تأكيد أنه في طريقة التصويت الخاصة هذه التي كانت تشكل عائقا حتى الآن أمام التجمع الوطني، حصل تفكك في الجبهة الجمهورية بالكامل، أو حتى ضاعت في طي النسيان في الجمهورية الخامسة".
وأضاف "هذه إحدى النقاط التي خلفت فيها استراتيجية إيمانويل ماكرون عواقب لم يسيطر عليها بالكامل: هذا الخطاب القائل إنه +بصرف النظر عني، لا يوجد سوى التطرف+ كان مدمرا بعض الشيء" بحسب ريفيير.
ولاية شبيهة بالأولى
مع وجود أغلبية نسبية في البرلمان، لن تكون ولاية إيمانويل ماكرون الثانية شبيهة بالاولى. ويقول دومينيك روسو استاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون-سوربون لوكالة فرانس برس "ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا".
ويضيف "بالنسبة لماكرون، ستكون هذه الولاية المؤلفة من خمس سنوات، ولاية مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية".
يتابع "نحن نتجه نحو ولاية مدتها خمس سنوات سيتم فيها إعادة تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى".
مع نتيجة قريبة من 289 مقعدا، يمكن للرئيس أن يحكم عبر أقلية "تسعى للحصول على دعم على أساس كل حالة على حدة وفقا للقوانين" لا سيما لدى الأحزاب الصغيرة كما أوضح روسو.
لكن التوقعات تشير الى فجوة أوسع، ما يترك مارسيال فوكو متشككا حيال التحالفات قائلا "الصعوبات ستكون عديدة جدا في الساعات المقبلة لتحديد ما اذا كنا نتحدث عن اتفاق، إئتلاف حكومي".