خطوات أردنية متسارعة نحو سوريا.. تغيير سلوك النظام مقابل منافع هائلة
بحسب مسؤولين غربيين، كشفوا محتوى الوثيقة الأردنية، فإنها تحوي مقاربة جديدة لإعادة التركيز على الحل السياسي في سوريا، ومعالجة الأزمة الإنسانية ، والتركيز على محاربة الإرهاب واحتواء النفوذ المتصاعد لإيران، في محاولة من الأردن، لتغيير تدرجي لسلوك النظام السوري، مقابل حوافز تنعكس إيجابًا على الشعب السوري وعودة اللاجئين والنازحين.

السياق
خطوات أردنية متعاقبة ومتسارعة نحو سوريا، في محاولة لتغيير متدرِّج لسلوك النظام السوري، وإعادة البلد الآسيوي إلى الحضن العربي من جديد.
فمن سماح الأردن بتمرير خط الغاز العربي من مصر إلى سوريا عبر أراضيها ليستقر في لبنان، إلى إعلان عمّان قبل أيام، أن شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية ستباشر رحلاتها إلى سوريا، الأحد المقبل، كانت خطوات تقودها الأردن، لتفك الحصار المفروض على سوريا، مدفوعة بما وصلت إليه محاولات حل الأزمة السورية من فشل، فضلًا عن تخوفات من انبعاث تنظيم داعش الإرهابي من جديد.
تلك الخطوات، كانت ضمن «وثيقة سرية» أردنية أزيح عنها الستار، لتعلن عمّان خطوات ترمي من خلالها إلى تغيير متدرِّج لسلوك النظام السوري، وصولاً إلى انسحاب القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011.
مقاربة جديدة
وبحسب مسؤولين غربيين، كشفوا محتوى الوثيقة الأردنية، فإنها تحوي مقاربة جديدة لإعادة التركيز على الحل السياسي في سوريا، وفق القرار الدولي 2254، ومعالجة الأزمة الإنسانية وانعاكساتها الأمنية في سوريا وجوارها، عبر خطوات عدة، تركز على محاربة الإرهاب واحتواء النفوذ المتصاعد لإيران، في محاولة من الأردن، لتغيير تدرجي لسلوك النظام السوري، مقابل حوافز تنعكس إيجابًا على الشعب السوري وعودة اللاجئين والنازحين.
تلك الوثيقة نوقشت في لقاءات عدة، خلال الفترة الماضية بينها اجتماع الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الأمريكي جو بايدن بواشنطن في يوليو، ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس المنصرم، إضاقة إلى قمة بغداد التي حضرها قادة عرب بينهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وملك الأردن، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نهاية أغسطس الماضي.
وقال مسؤول غربي، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، إن التحركات الأردنية الأخيرة تجاه سوريا، من فتح المعابر وإعادة حركة الطيران، والسماح بمرور الغاز المصري إلى لبنان، تستند إلى أفكار تلك الوثيقة، مشيرًا إلى أن عمّان حصلت على دعم واشنطن، بينما تعهدت الأخيرة بتقديم ضمانات خطية، بعدم شمول تلك الخطوات عقوبات «قانون قيصر» المفروض على دمشق.
وأوضح أن روسيا قادت هي الأخرى جهودًا، لفرض تسويات في درعا وريفها، لا تتضمن تهجير مدنيين إلى الأردن، ما يؤدي إلى وقف توسع النفوذ الإيراني، بالتزامن مع فتح عمّان الحدود مع دمشق، وتبادل زيارات رفيعة المستوى عسكرية وأمنية واقتصادية.
نفوذ عسكري
وهو ما تناولته الوثيقة الأردنية، التي حذَّرت من أن طهران تتمتع بنفوذ عسكري واقتصادي متزايد، على النظام السوري ومناطق مختلفة من البلاد، خصوصاً جنوب غربي سوريا، كاشفة عن ازدهار تجارة المخدرات، التي تعد مصدر تمويل للميليشيات الإيرانية، ما يشكل تهديداً للمنطقة.
لم يكن التهديد الإيراني وحده، الدافع وراء الخطوات الأردنية تجاه سوريا، بل إن التخوفات الأمنية من انبعاث تنظيم داعش الإرهابي من جديد، بعد هزيمته جغرافياً في مارس 2019، كان أحد الشواغل لدى الأردن، التي أكدت في الوثيقة، أن الأزمة السورية في السنوات العشر الأخيرة انتهت إلى ما وصفته بـ«الفشل» في جميع الجوانب التي تخص السوريين، ومكافحة الإرهاب في المنطقة.
الحراك الأردني الأخير، قاد إلى اجتماعات عربية وغربية مكثَّفة، مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، عُقدت على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأيام الماضية، مقابل تدني أو انعدام لقاءات وفد «هيئة التفاوض السورية» المعارضة في نيويورك.
لا إجماع عربيًا
ورغم ذلك الحراك، فإنه لا يزال الإجماع العربي غير متوفر لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد تجميد عضويتها نهاية عام 2012، في الوقت الذي اشترطت فيه بعض الدول، اتخاذ دمشق خطوات لتطبيق حل سياسي وفق القرار 2254، يحافظ على وحدتها وخروج الميلشيات الأجنبية منها.
أفكار الوثيقة الأردنية، تتقاطع مع اقتراح قدَّمه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي دعا إلى اتباع مقاربة «خطوة مقابل خطوة»، تبدأ بتفاهم أمريكي روسي، وتعريف هذه الخطوات وتحديدها، والحصول على دعم إقليمي وعربي وأوروبي لها، ثم تشكيل آلية واضحة لـ«انخراط النظام» قبل تنفيذها.
وهو ما أكده المبعوث الأممي لسوريا، غير بيدرسون، خلال زيارته إلى دمشق الشهر الماضي، قائلًا، عقب لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد: «بحثنا التحديات الاقتصادية والإنسانية المتعلقة بمعيشة السوريين وكيف يمكن لنا تحسين الوضع العام، وطبعًا ربطنا المحادثات بما قدَّمته من مقاربة تحت عنوان خطوة مقابل خطوة، وبكل تأكيد اللجنة الدستورية وكيف يمكن أن نحرز تقدمًا».
بيدرسون أكد أنه أجرى «محادثات ناجحة جدًا في ما يتعلق بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254».
وبينما أشار إلى أن المحادثات تطرقت إلى التحديات التي تواجه سوريا، إضافة للوضع الميداني في مختلف المناطق، أكدت تقارير صحفية، أن الوزير المقداد بحث والمبعوث الأممي، التحضيرات للجولة المقبلة من الحوار السوري في جنيف.
عقبات كثيرة
ورغم الخطوات الأردنية الحثيثة والمحادثات الأممية الرامية لحلحلة الملف السوري، فإن هناك عقبات تعترض هذه الآلية، منها الانقسام إزاء الانخراط مع النظام السوري، إضافة إلى عدم وجود إجماع عربي على عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وعدم حصول تقدم بالحل السياسي وفق القرار 2254، وتمسك أمريكا ودول أوروبية بثلاث أدوات ضغط، هي: العقوبات، والعزلة، وتمويل الإعمار.
وفي محاولة للتغلب على تلك العقبات، عكف الخبراء القائمون على هذه الوثيقة الأردنية، على صوغ خريطة تنفيذية لـمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، تتضمن الملفات المطروحة والموقف المطلوب من دمشق بشأن «تغيير سلوك النظام» إزاء عملية السلام والقرار 2254 واللجنة الدستورية، ودور إيران وعودة اللاجئين والنازحين، والعرض المقدَّم من الأطراف الأخرى، في ما يتعلق بالتطبيع والانخراط السياسي والدبلوماسي، واستثناءات من العقوبات وتمويل بنية تحتية، والتعاون المشترك ضد الإرهاب، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
وأشارت إلى أنه من الاقتراحات أن يكون الطلب الأولي انسحاب كل القوات غير السورية من خطوط التماس، وانسحاب القوات الأجنبية التي دخلت بعد عام 2011، مقابل انسحاب القوات الأمريكية وتفكيك قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية، وفتح قنوات للتنسيق بين الجيش السوري والقوات الأمنية من جهة، ونظيراتها في الدول المجاورة لضمان أمن الحدود.
ورغم ذلك، فإن هذه الخريطة لم تتضمن جدولاً زمنياً واضحاً للتنفيذ، ولا تحديداً للموقف من وجود روسيا العسكري في سوريا، الذي بدأ نهاية 2015، كما لم تعالج رؤية سوريا للمليشيات الإيرانية ووجودها الذي تصفه بـ«المشروع» على أراضيها.
تقرير سابق للوثيقة
الوثيقة التي كُشف الستار عنها مؤخرًا، جاءت بعد قرابة شهرين، من تقرير لصحيفة سوريا أوبزرفر، ترجمته «السياق»، تضمن محتوياتها، وأكدت فيه الصحيفة، أن الأردن يدفع نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية مع سوريا، كمقدمة لإعادة الانخراط السياسي مع نظام بشار الأسد.
وأكدت الصحيفة الناطقة بالإنجليزية، أن ملك الأردن يدفع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لتشكيل فرقة عمل بشأن سوريا من شأنها إشراك الروس والنظام، في محاولة لإنهاء الجمود وإطلاق عملية سياسية جديدة.
وأشارت إلى أن تلك التطورات، تأتي بعد تصريحات مثيرة للجدل للملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية، قال فيها إن النظام السوري «موجود ليبقى».
دور حيوي
وأضاف الملك عبدالله، أنه على الغرب أن يتحدث مع الروس الذين يلعبون «دورًا حيويًا»، مشيرًا إلى أن «الوضع الراهن، حيث يتواصل العنف ويدفع الشعب السوري الثمن، لا يمكن أن يستمر، لذلك علينا أن نعترف بأنه لا توجد إجابة كاملة، لكن المضي قدمًا في الحوار بطريقة منسَّقة أفضل من تركه كما هو».
وحذَّر ملك الأردن، من أنه ليس فقط الروس ووكلاء إيران الموجودين في سوريا، لكن أيضًا تنظيم داعش، الذي هُزم ولم يتم تدميره، مضيفًا أن إعادة إعمار المدارس والمستشفيات المرتبطة بالإصلاحات السياسية، يمكن أن تشجع اللاجئين على العودة.
قانون قيصر
وقال المحلل الاقتصادي، رئيس تحرير موقع المقار الإخباري سلامة الديراوي، إن الملك عبدالله أثار قضية قانون قيصر، وتأثيره المدمر في الاقتصاد الأردني، خلال زيارته للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الأردن دفع ثمناً باهظاً، لالتزامه بالقانون الدولي وإيماءاته الإنسانية.
وأوضح المحلل الاقتصادي: في السنوات العشر الماضية، كلف التزامنا تجاه اللاجئين السوريين الخزانة، أكثر من 13 مليار دولار، ناهيك عن التأثير في البطالة والمياه والبنية التحتية.
وأشار إلى أن الأردن طلب إعفاء الإدارة الأمريكية من العقوبات، بموجب قانون قيصر، وأن واشنطن تدرس الطلب الأردني.
ويقول الرنتاوي: إن ما اقترحه الملك عبد الله، يعكس التفكير في كثير من العواصم العربية والخليجية، مشيرًا إلى أن حكومات عدة أعادت الاتصالات بالنظام السوري، لأن الوضع الراهن سيؤدي إلى مزيد من الدمار الذي قد ينتشر.