بعد هجوم حزب الله على السعودية.. العلاقات بين الرياض وبيروت إلى أين؟
المحامي شربل عيد، رئيس جهاز التنشئة السياسية في حزب القوات اللبنانية قال في تصريحات خاصة للسياق، إن أعضاء حزب الله لبنانيون، لكنه يخضع لسياسة إيران وإرادتها، لذا ثمة صعوبة في فصل موقفه عن موقف طهران.

السياق
بعد أسابيع من الأزمة التي سببها وزير الإعلام اللبناني "المستقيل" جورج قرداحي مع السعودية على خلفية تصريحاته المسيئة، خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ليشعل الأزمة بين البلدين من جديد بعد الانتقادات التي وجَّهها إلى الرياض.
لكن تصريحات نصر الله، قوبلت بحملة استنكار من قيادات سياسية ورسمية لبنانية، أبرزهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس السابق سعد الحريري، بينما أعرب رئيس الجمهورية ميشال عون عن تمسكه بموقف لبنان الرسمي، الذي عبّر عنه في رسالته الأخيرة إلى اللبنانيين، بالحرص على علاقات لبنان العربية والدولية، لا سيما دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
مراقبون فسروا تصريحات نصر الله، بأنها محاولة لقطع الطريق أمام مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشتركة مع السعودية، لمعالجة الأزمة مع لبنان.
هذه المبادرة كانت قد أعادت الأمل إلى الشعب اللبناني، بانفراجة سياسية ودبلوماسية تتبعها أخرى اقتصادية، مع دول الخليج، بعد الأزمة التي تسببت فيها تصريحات جورج قرداحي.
أجندة إيرانية
المحامي شربل عيد، رئيس جهاز التنشئة السياسية في حزب القوات اللبنانية قال في تصريحات خاصة لـ"السياق"، إن أعضاء حزب الله لبنانيون، لكنه يخضع لسياسة إيران وإرادتها، لذا ثمة صعوبة في فصل موقفه عن موقف طهران.
ولفت إلى أن "انتماء حزب الله إلى إيران ليس ظرفيًا ولا مرحليًا، لكنه انتماء عضوي حيث أنشأه الحرس الثوري الإيراني كذراع له ليس في لبنان فحسب، ولكن في المنطقة أيضاً ليحقق مشروعه".
وهنا يوضح القيادي في حزب القوات اللبنانية لـ"السياق"، أن "حزب الله يرى أن المبادرة الفرنسية السعودية ليست في مصلحة إيران، لأنها أكدت النظرة العربية والسيادية اللبنانية، بضرورة التزام الحزب الحياد في النزاعات وألا يزعزع أمن المنطقة، وهو ما يتناقض مع منهجه السياسي".
ويستند شربل عيد في رؤيته إلى ما تضمه "أدبيات وكتابات حزب الله التي توضح لأنصاره سياساته، التي تؤكد أن لبنان بالنسبة له مجرد أرض وجغرافيا وليست وطنًا، مجرد منصة صواريخ يضع عليه ترسانة إيران العسكرية لتحقيق ما تريده طهران"، وأضاف: "لذا فإن حزب الله يرى أن المبادرة الفرنسية السعودية ضد مصلحة إيران، وهو ما دفعه إلى نسفها، من دون النظر إلى المآسي التي سببها في انهيار لبنان وعلاقاته الخارجية وتأثيرها في الوضع الاقتصادي، التي تتمثل أبرزها في انقطاع السياح بشكل شبه كامل من الدول العربية، وخروج الاستثمارات وإغلاق أبواب الصادرات إلى الدول العربية".
استمرار التحالف
وفي ما يتعلق بالتحالف مع التيار الوطني الحر، يرى رئيس جهاز التنشئة السياسية في حزب القوات اللبنانية، أنه "سيظل مستمرًا لوجود مصالح متبادلة بين الطرفين، وهو ما يفسر تحول موقف التيار الحر من حزب الله، خصوصا عام 2005 حينما نادي بضرورة نزع سلاح الأخير وضبط السلاح غير المشروع، وألا يكون هناك غير سلاح الشرعية اللبنانية".
فقد "سعى حزب الله إلى حكم لبنان عبر أغلبية برلمانية، أمنها له التيار الوطني الحر، في المقابل سعى الأخير إلى الوصول لمنصب رئيس الدولة، وهو ما تسبب في بناء هذا التحالف بقاعدة (أغطي سلاحك وتدعمني)، وهو ما تمثل في تعطيل حزب الله لانتخابات الرئاسية عامين ونصف العام، لإيصال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، كما عطل أيضاً حكومات سابقة لمدة أشهر لإيصال جبران باسيل إلى التشكيل الوزاري"، بحسب شربل عيد.
وبالنسبة لمواقف أعضاء التيار الوطني الحر والرئيس اللبناني ميشال عون بشأن تصريحات حزب الله ضد السعودية، يرى أنها "محاولة تنصل أمام الجمهور المسيحي الناقم عليه، بسبب دعمه لحزب الله الذي يعد سبب الويلات التي يعيشها لبنان، كما يمكن قراءتها أيضاً في سياق التهديد للأخير بفك التحالف، إذا لم يعلن صراحة دعمه لوصول جبران باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وابتزازه أكثر في الانتخابات النيابية المقبلة".
وأضاف: "لذا، يمكن القول إن الموقف الراهن بين الجانبين لا يتعدى سوى إعادة ترتيب التحالف وفق مطالب جديدة، لكن القاعدة الأساسية له لا تزال قائمة وهي (أغطي سلاحك لتدعمني).
وفي ما يتعلق بتحرك حزب القوات اللبنانية وغيرها من القوى، يقول شربل عيد لـ"السياق": "لا جدوى من التحرك على الأرض، فلبنان لا يزال نظامًا ديمقراطيًا والسلطة تُنتج عبر صناديق الاقتراع، لذا فإن العمل الآن هو التجهيز للانتخابات المقبلة بقاعدة (يا لبنانيون من تقترعون يولى عليكم) أي أحسنوا اختيار نوابكم".
وأضاف: "لذا، فإن القوى اللبنانية تعمل على حشد وتوعية اللبنانيين بضرورة المشاركة في الانتخابات المقبلة لانتخاب الرافضين لسياسات حزب الله، ومن لهم سجل أبيض في إدارة الدولة وغير منغمسين في الفساد".
مخاوف وانتخابات
"حزب الله متوجس من المفاوضات النووية والحوار بين السعودية وإيران، باعتبار أنه ذراع طهران وسيكون لزامًا عليه تنفيذ ما اتفق عليه"، هكذا يقول عاصم عبدالرحمن الكاتب والباحث السياسي اللبناني لـ"السياق".
وأشار عبدالرحمن إلى أن تصعيد حزب الله "يأتي في خانة الضربة الاستباقية لأي اتفاق قد يتمخض عن الحوار أو المفاوضات النووية، التي غالبًا ستفرض على طهران قطع تمويلها عن المليشيات الموالية لها في الخارج، أو ضبط أدائها على أقل تقدير.
لذا، يرى الكاتب والباحث اللبناني أن "نجاح الحدثين لا يتناسب مع رغبات حزب الله من ناحية تقديم تنازلات، لهذا رأيناه يبالغ حتى أكثر من الايرانيين أنفسهم في إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني ليقول أنا رأس حربة في المشروع الإيراني".
وفي ما يتعلق بمستقبل التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر (مجموعة الرئيس اللبناني ميشال عون)، أوضح عبدالرحمن أن العلاقة بينهما "قائمة على تبادل المصالح التي يمكن اختصارها بإعطاء فريق رئيس الجمهورية ما يريد من السلطة داخليًا، مقابل تأمين غطاء مسيحي وتالياً شرعية دولية لسلاحه، يؤمنها ميشال عون وجبران باسيل".
لكنه يرى أن "الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينهي تحالفهما، هو عدم سير حزب الله بترشيح جبران باسيل لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن في إعطائه وعدًا بانتخابه، كما حصل مع الرئيس الحالي".
ونوه الباحث اللبناني إلى بيان رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، الذي قال فيه إلى حزب الله: "التاريخ لن يرحمك وأنت ترهن الدولة اللبنانية للمشروع الايراني، مهددًا مصالح اللبنانيين في الخليج".
وقال الحريري إلى حسن نصرالله: "إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضربٌ متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح أبنائه"، مشددًا على أن "السعودية لا تهدد لبنان بالعاملين فيها والمقيمين بين أهلها منذ عشرات السنين".
وذكر حزب الله بأن "السعودية ومعها دول الخليج العربي، احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم فرص العمل ومقومات العيش الكريم"، مؤكدًا أن "من يهدد اللبنانيين في معيشتهم واستقرارهم وتقدمهم، هو الذي يريد دولة لبنان رهينة إيران وامتداداتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان".
أما عن التحركات التي من الممكن أن تقوم بها القوى السياسية السيادية، الرافضة لنهج حزب الله وسياسته، فيرى الباحث والكاتب اللبناني عاصم عبدالرحمن لـ"السياق" أنها "ستقتصر على التصريحات الإعلامية في الوقت الراهن، ولا شك في أنها ستترجم بعدم التحالف معه بأي شكل في الانتخابات النيابية المقبلة في مايو المقبل".