طائرات الدرونز الرخيصة.. تحد جديد يهدد أقوى جيش في العالم
الطائرات من دون طيار تحلق على ارتفاع منخفض وببطء، ويمكن أن تغير مسارها بشكل حاد، ما يربك الرادار الذي يبحث عن طائرات أو صواريخ كبيرة وسريعة وعالية التحليق، وحينما تحمل متفجرات، فإن إجبارها على الخروج من السماء يمكن أن يعرِّض الأشخاص والمنشآت الموجودة على الأرض للخطر، وعند نشرها في مجموعات كبيرة، يمكن للطائرات من دون طيار أن تطغى حتى على الدفاعات المتطورة.

ترجمات – السياق
كشفت «وول ستريت جورنال»، أن الطائرات من دون طيار الرخيصة، هي التهديد التكتيكي الجديد الأكثر «إثارة للقلق» الذي يواجه الجيش الأمريكي منذ ظهورها في العراق قبل نحو 15 عامًا.
وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير، إن الولايات المتحدة تسابق الزمن لمحاربة عدو متواضع ظاهريًا، فالطائرات من دون طيار للهواة، التي تكلف بضع مئات من الدولارات ويمكن تزويدها بالمتفجرات، تهديد جديد يواجه الجيش الأمريكي.
وأشارت إلى أن التطور السريع للطائرات من دون طيار قليلة التكلفة، مكنت القوات غير النظامية والجماعات الإرهابية والجيوش الوطنية، من مهاجمة أهداف عالية القيمة بتكلفة رخيصة.
سلاح سهل الاقتناء
من جانبه، قال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي، خلال جلسة مساءلة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في أبريل المضي: «إنني قلق للغاية بشأن ذلك (..) لا تزال لدينا طرق للذهاب إلى الجانب الأيمن من المنحنى مع هذا، لأنه يمكنك الآن الخروج وشراء طائرة مسيرة، من ولمارت أو من أماكن أخرى، واستخدامها كسلاح بسهولة شديدة».
وأشار العسكري الأمريكي، إلى أن الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش والمليشيات الحوثية في اليمن، زودوا طائرات من دون طيار تجارية جاهزة بالمتفجرات، لمهاجمة المركبات المدرعة باهظة الثمن والمنشآت العسكرية، وكذلك مصافي النفط والموانئ والمطارات المدنية، مؤكدًا أنه غالبًا ما تُشترى الطائرات من دون طيار عبر الإنترنت، أو تجمع من الأجزاء المشتراة عبر الإنترنت كذلك.
وصعدت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، هجمات الطائرات من دون طيار عام 2021، وشملت تلك الهجمات غارات على السفارة الأمريكية في بغداد ومقر إقامة رئيس الوزراء العراقي، في ما وصفها مسؤولون أمنيون بمحاولة اغتيال.
واصطدمت طائرات من دون طيار بسفينة تجارية في بحر العرب في يوليو المنصرم، ما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها، بينما أسقطت طائرات مسيرة مسلحة في مطار بغداد الاثنين، بالقرب من قاعدة جوية في العراق تستضيف القوات الأمريكية الثلاثاء، وأسقطت طائرة أخرى في ساعة مبكرة من صباح الخميس، بالقرب من قاعدة عراقية أخرى.
تحد خاص
وقالت «وول ستريت جورنال»، إن الطائرات المسيرة تمثل تحديًا خاصًا للولايات المتحدة، التي تركز على خطر الحرب المحتملة مع الجيوش المتطورة في الصين أو روسيا، وتضخ المليارات في أنظمة متطورة، من الصواريخ إلى حاملات الطائرات العملاقة، ما يعني أن الدفاعات التقليدية ضد الهجمات الجوية، مثل الصواريخ التي تتكلف ملايين الدولارات، لا معنى لها.
وتسابق الولايات المتحدة لتطوير دفاعات متطورة تكنولوجيا بتكلفة أكثر تكافؤا، وتركز على الأسلحة التي تعمل بالليزر والموجات الدقيقة (الميكروويف) لأنها تعمل بالكهرباء، ما يمكنها من استهداف أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة الصغيرة بسرعة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة قدمت مجموعة متنوعة من الأنظمة عبر الخدمات المسلحة، من أجهزة التشويش المحمولة باليد التي تشبه سلاحًا من Ghostbusters أو Star Wars إلى ألعاب إطلاق النار بالليزر المثبتة على الشاحنات.
وأشارت إلى أن الجيش الأمريكي لم يتمكن من نشر الأنظمة بأعداد كبيرة، ولم يدمج أحد قدرات تعقب واستهداف أنواع عدة من الطائرات من دون طيار بالسلاح الأنسب، إدراكًا للحاجة الملحة لتوحيد الجهود والحاجة إليها.
إرباك الرادارات
وأوضحت «وول ستريت جورنال»، أن الطائرات الصغيرة من دون طيار تحلق على ارتفاع منخفض وببطء، ويمكن أن تغير مسارها بشكل حاد، ما يربك الرادار الذي يبحث عن طائرات أو صواريخ كبيرة وسريعة وعالية التحليق، مشيرة إلى أنه إذا كانت الطائرات من دون طيار محملة بالمتفجرات، فإن إجبارها على الخروج من السماء يمكن أن يعرِّض الأشخاص والمنشآت الموجودة على الأرض للخطر، وعند نشرها في مجموعات كبيرة، يمكن للطائرات من دون طيار أن تطغى حتى على الدفاعات المتطورة.
ولتحديد وتعقب الطائرات من دون طيار بشكل أفضل، تسعى الجيوش إلى دمج البيانات من أجهزة استشعار مختلفة، بما في ذلك الرادار والكاميرات وأجهزة مسح الترددات الراديوية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
فالقوات الأمريكية واجهت لأول مرة هجومًا صغيرًا بطائرات من دون طيار بأعداد كبيرة في العراق عام 2016، أرسلها مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه سرعان ما زود البنتاغون قواته بعشرات الأسلحة اليدوية المضادة للطائرات، التي تشوش الإشارة بين المركبات الجوية ومحطاتها الأساسية.
نقطة تحول
كان إسقاط طائرة إيرانية من دون طيار عام 2019 في مضيق هرمز بواسطة جهاز تشويش على ترددات لاسلكية مثبتة على مركبة تابعة للبحرية في السفينة يو إس إس بوكسر نقطة تحول، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن إسقاط السلاح الذي يعمل بالطاقة الكهربائية، وهو الأول من نوعه في الميدان، كان خيارًا أرخص من إطلاق أحد صواريخ السفينة.
لكن التشويش سرعان ما أصبح قديمًا، فقدرات الطائرات من دون طيار تحسنت في مكافحة التشويش، وتكيف المهاجمون من خلال وضع طائرات من دون طيار على الطيار الآلي، ما أدى إلى تقليص الاتصالات وجعل التشويش غير فعال، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن للتشويش عيوبًا أخرى، لأنه يمكن أن يتداخل مع إشارات المعدات العسكرية أو المدنية الصديقة.
ويقول القادة العسكريون والمتعاقدون الدفاعيون، إن أكثر الأنظمة الواعدة تعترض الطائرات من دون طيار عن طريق إطلاق أفران ميكروويف لقلي أجهزتها الإلكترونية أو أشعة الليزر لحرق ثقوب في محركاتها أو أجزاء مهمة أخرى.
سبب كبير للتركيز على هذه التكتيكات، المعروفة بأسلحة الطاقة الموجهة هو التكلفة، فيمكن أن تكون الاستثمارات الأولية عالية، بملايين الدولارات، لكن بمجرد تشغيلها، فإن تكلفة كل لقطة تدور حول سعر الكهرباء: «كوب من الديزل»، كما يقول رون داوك، مدير برنامج الليزر والأنظمة الكهروضوئية في شركة Boeing Co.
أنظمة مختلفة
وهو ما أكده الميجر جنرال بالقوات الجوية أليكسوس، الذي قال إنه مقارنة بالصواريخ، فإن التكلفة تنخفض بشكل كبير، إضافة إلى أنه سيتوافر ما يكفي من الذخيرة التي يمكن إطلاقها مرارًا وتكرارًا، رغم أن العديد من الطائرات من دون طيار قادمة.
وتختلف الأنظمة من حيث القوة والحجم، فهناك ليزر 300 كيلووات قيد التطوير من قبل شركتي Boeing و General Atomics يهدف إلى إسقاط الصواريخ والطائرات المأهولة وكذلك الطائرات من دون طيار، بينما فازت شركة Kord Technologies، وهي وحدة تابعة لشركة KBR Inc، وشركة Raytheon Technologies Corp، بعقد مع الجيش لتصنيع أجهزة ليزر بقدرة 50 كيلووات مركبة على مركبات قتالية مصفحة من طراز Stryker.
وأرسلت قوات المارينز والقوات الجوية بالفعل، أنظمة ليزر من Boeing و Raytheon يمكن تثبيتها على حوامل ثلاثية القوائم لتوفير أمن المنطقة، على سبيل المثال حول قاعدة عمليات أمامية، أو نشرها على مركبات تكتيكية لمزيد من الحركة، بما في ذلك بالقرب من الخطوط الأمامية للمعركة.
وبدأت البحرية الأمريكية تجربة نماذج أولية من الليزر عام 2009 على اليابسة ثم في البحر، وفي ديسمبر الماضي، اختبر سلاح ليزر عالي الطاقة في سفينة تبحر قبالة الساحل اليمني، حيث سلحت المليشيات الحوثية المدعومة من إيران زوارق من دون طيار محملة بالقنابل، إضافة إلى طائرات من دون طيار.
وتستخدم أسلحة الميكروويف عالية الطاقة رشقات من موجات الراديو الشديدة، التي يمكنها طهي الإلكترونيات -تمامًا مثل الطعام- وإسقاط الطائرات الصغيرة من دون طيار من السماء.
سلاح جديد
وتطور القوات الجوية سلاح ميكروويف عالي القوة لهزيمة مجموعات من الطائرات من دون طيار بنظام يتكون من طبق رادار ومدفع ميكروويف مثبت فوق حاوية شحن بطول 20 قدمًا، وفي تقييم ميداني حديث، خفض النظام 90% من أهدافه، بينما يقول المسؤولون إن بإمكانهم التقدم نحو 100%.
وطورت شركة لوكهيد مارتن جهازًا اعتراضيًا يمكن وضعه في حقيبة ظهر ويمكن إطلاقه من أنبوب قياسه ست بوصات، لاستهداف طائرات من دون طيار أخرى بأجهزة ميكروويف، ويمكن استعادة السلاح وشحنه وإعادة استخدامه.
وتتعاون Epirus Inc، وهي شركة ناشئة في Silicon Valley، مع شركة General Dynamics Corp لدمج سلاح الميكروويف في مركبات Stryker، إلا أنه مع ذلك، يمكن أن تتداخل أجهزة الميكروويف مع الأنظمة الأخرى، لذا فهي أقل فعالية في البيئات الحضرية، حتى في الحقول المكشوفة يمكنها إنتاج «نيران صديقة»، ما يؤدي إلى إتلاف أنظمة الأسلحة الأخرى.
أضرار جانبية
ويمكن أن تتأثر أشعة الليزر بالمطر والثلج والضباب أو الدخان، ويمكن أن ترتد عن الأسطح العاكسة أو تفوت هدفها وتستمر لمسافة أبعد، ما قد يتسبب في أضرار جانبية.
مقارنة بأجهزة الميكروويف، التي يمكن أن تستهدف منطقة واسعة، يمكنها الاشتباك مع طائرة من دون طيار واحدة فقط كل مرة، ويجب أن تركز على كل واحدة فترة أطول، ونظرًا لعدم وجود نظام واحد قادر على الدفاع ضد مجموعة متنامية من تهديدات الطائرات من دون طيار عبر البيئات المختلفة التي تعمل فيها، فإن التحدي الذي يواجه استراتيجيية الطائرات من دون طيار هو كيفية تجميع أسلحة عدة معًا.
ووضعت أغلبية القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط دفاعاتها باستخدام مجموعة متنوعة من الأنظمة، تم تصميم كل منها لمواجهة تهديدات مختلفة بدرجات متفاوتة من الفعالية، بحسب "وول ستريت جورنال"، التي قالت إن انتشار الأنظمة -لكل منها قدرة محددة لطائرة من دون طيار محددة وفي مراحل مختلفة من التطوير- يعقد قدرة المشغلين على الاستجابة للهجمات.
وقال الجنرال غرينكيويتش إن كل شيء تطور بشكل تدريجي، مؤكدًا أن البنتاغون يعمل الآن نحو نظام موحد يمكن أن يعطي إنذارًا مبكرًا، ويحدد أصل الطائرة من دون طيار وارتفاعها، ويوفر خيارات للاشتباك.
وتابع: «ليس لدينا حتى الآن نظام واحد يمكنه القيام بكل ذلك (..) هذا جزء من المشكلة: نحن لسنا مندمجين»، مشيرًا إلى أن أحد المخاوف المتزايدة هي الأسراب، حيث تهاجم عشرات الطائرات الصغيرة من دون طيار التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي هدفًا في وقت واحد، وتتفاقم المشكلة إذا كانت الطائرات من دون طيار ذات أحجام وقدرات مختلفة، وتتطلب أسلحة مختلفة لمواجهتها.
وتختبر Epirus نظام ميكروويف عالي الطاقة طورته للجيش الأمريكي، بينما تقول الشركة إن الذكاء الاصطناعي يتيح الاستهداف السريع للطائرات الفردية أو الأسراب.
وقال أوستن دكتور، عالم السياسة وباحث مكافحة الإرهاب في جامعة نبراسكا في أوماها، إن التقدم في تكنولوجيا الطائرات المضادة للطائرات من دون طيار لن يعالج المشكلة، من دون تعديلات منتظمة، فبينما يستثمر البنتاغون وآخرون في التكنولوجيا الجديدة، ستستمر الجماعات المسلحة في الابتكار أيضًا.