تراجع أردوغان عن طرد سفراء 10 دول غربية.. هل يصلح ما أفسده؟

تهديد أردوغان بطرد السفراء الغربيين، يسلِّط الضوء أيضًا على الدرجة المقلقة، التي ترتبط فيها السياسة التركية الآن، بأهواء زعيم أكثر استبدادًا

تراجع أردوغان عن طرد سفراء 10 دول غربية.. هل يصلح ما أفسده؟

ترجمات - السياق

رأت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن تراجع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تهديده بطرد 10 سفراء غربيين، ليس كافيًا، لإصلاح العلاقات التركية مع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة وفرنسا، ووصفت تراجع أردوغان بأنه "حل وسط" لكنه لن يفلح في إصلاح العلاقات بسرعة.

وقالت الصحيفة، في تقرير: أردوغان تراجع عن تهديده بطرد 10 سفراء غربيين، طالبوا بالإفراج عن رجل الأعمال والناشط التركي عثمان كافالا، في محاولة لتجنُّب الصدام مع الحلفاء الغربيين.

وقال أردوغان، خلال زيارة لوسط تركيا: "أمرت وزير خارجيتنا بالتعامل في أسرع وقت، مع إعلان هؤلاء السفراء العشرة، واعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، مستخدماً مصطلحاً دبلوماسياً يمثِّل عادة إجراءً يسبق الطرد.

كما وصف أردوغان بيان السفراء، بأنه "ازدراء" استهدف "السلطة القضائية المستقلة" في تركيا.

كانت الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا، من الدول التي أصدرت البيان، الذي يطالب تركيا باحترام قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان و"ضمان الإفراج العاجل عن كافالا".

 

تصديق تركيا

وقالت "فايننشال تايمز": رغم أن ما سمته "الحل الوسط" مرحب به، فإن الضرر الذي لحق بالعلاقات مع الشركاء الرئيسيين، ومصداقية الحوكمة الاقتصادية لتركيا، لن يتم إصلاحه بسرعة.

وشددت الصحيفة، على أن تهديد أردوغان بطرد السفراء الغربيين، يسلِّط الضوء أيضًا على الدرجة المقلقة، التي ترتبط فيها السياسة التركية الآن، بأهواء زعيم أكثر استبدادًا.

وأشارت إلى أن كافالا، أحد أبرز مؤيدي المجتمع المدني في تركيا، ومن منتقدي أردوغان، موضحة أنه متهم بالسعي لإطاحة الرئيس التركي، من خلال تمويل محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 والاضطرابات المدنية عام 2013، مضيفة: "لقد قضى أربع سنوات في السجن ولم تتم إدانته حتى الآن، رغم أنه نفى جميع التهم الموجَّهة إليه".

 

صرف الانتباه

وكشفت "فايننشال تايمز" أن غضب أردوغان ضد الدبلوماسيين، كان يهدف إلى صرف الانتباه عن الانهيار الاقتصادي، الذي تسبِّبه سياساته الخاصة، أو ربما يكون لجأ إلى هذا الحل، في محاولة لحشد الدعم الوطني، بعد تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي يجب إجراؤها بحلول يونيو 2023.

وأوضحت الصحيفة، أنه مثل زميله القوي في المجر، فيكتور أوربان، يواجه أردوغان محاولة من تحالف أحزاب المعارضة، لإبعاده من منصبه.

وشددت على أن القرار -رغم التراجع عنه- يكشف كره أردوغان، إلى كافالا، مشيرة إلى أن الرئيس التركي يعتقد أن كافالا موَّل وشجَّع احتجاجات "حديقة جيزي" عام 2013، ليس هذا فحسب بل يتهمه أيضًا بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

وأضافت: "يبدو أن أردوغان رأى أن خطر رد الفعل العنيف، على طرد 10 سفراء متحالفين، يستحق المخاطرة من أجل توضيح مشاعره ضد كافالا".

 

توسيع الخلافات

بعد التسوية التي قدَّمها أردوغان بالتراجع عن قراره، لم تستبعد "فايننشال تايمز" أن توسع القضية الخلاف بين تركيا وحلفاء "الناتو"، وتزيد اعتماد أردوغان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتوقَّعت الصحيفة، أن يؤدي التقارب الروسي التركي، إلى تعقيد جهود أنقرة للحصول على 40 طائرة مقاتلة أمريكية جديدة من طراز F16 - ومجموعات لتحديث ما يقرب من 80 من طائراتها الحالية من طراز F16 - بعد أن مُنعت تركيا من تلقي طلبية من الجيل التالي من طائرات F35 بعد شراء أردوغان نظام دفاع جوي روسي.

وأشارت إلى أن أنقرة تتعرَّض لضغوط أمريكية متزايدة، بعد أن رفضت محكمة استئناف أمريكية، محاولة من (بنك خلق) الحكومي لرفض قضية تتهمها بمساعدة إيران في التهرب من العقوبات الأمريكية.

 

الليرة والاستثمارات

في ما يخص تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وتراجع الاستثمار الأجنبي في تركيا، بسبب تصريحات أردوغان، أوضحت "فايننشال تايمز" أنه بينما انتعشت الليرة قليلًا، قبل أن تتراجع مجدداً، فإن الانطباع بأن "رئيسًا ضالًا محاطًا بالمؤيدين، أضعف ثقة المستثمرين الأجانب" في البلاد.

وأضافت الصحيفة، أن العجز الضخم في الحساب الجاري، والمخزون الضخم للبنوك والشركات التركية، من الديون الخارجية قصيرة الأجل، يجعل تركيا من الدول الأكثر عرضة لتشديد السياسة النقدية الأمريكية.

وأشارت إلى أن تدفقات السياح، الذين يوفِّرون أرباحًا من العملات الأجنبية، تعيقها القيود الوبائية، بينما تعتمد تركيا على واردات الغاز الأكثر تكلفة، للحصول على الطاقة.

وشددت "فايننشال تايمز" على أن سلوك أردوغان أثار قلق المستثمرين، الذين ردعهم تدخله السافر في أعمال وقرارات البنك المركزي، ما يزيد خطر اندلاع أزمة ميزان المدفوعات، التي طال انتظارها.

في المقابل، كان شركاء تركيا الغربيون حُكماء في السعي لتهدئة النزاع، من خلال إعلان امتثالهم للمادة 41 من اتفاقية فيينا، التي تنص على أن واجب الدبلوماسيين، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة، وفقًا للصحيفة.

وقالت إن حِكمة الغرب أضاعت على أردوغان، فرصة استغلال الموقف، لإلقاء اللوم في مشكلات البلاد على ما يسميه (التدخل الخارجي)، لكن مع احترام التزاماتهم، يجب على العواصم الأمريكية والأوروبية، أن تواصل الضغط من أجل إطلاق سراح كافالا، لأنه يواجه اتهامات واهية من جهة، ولاحترام سيادة القانون من جهة أخرى.

وذكرت الصحيفة، أنه كلما ابتعد أردوغان عن التصرف بحِكمة، قاد تركيا إلى ثقب أسود اقتصادي وسياسي جديد.