عقوبات أمريكية جديدة على طهران... هل تعطل المسيَّــرات الإيرانية؟

قالت وزارة الخزانة الأمريكية -في بيان- إنها فرضت عقوبات على شبكة مقرها الصين، من 5 شركات وشخص واحد، بتهمة دعم جهود طهران في حيازة الطائرات المسيرة

عقوبات أمريكية جديدة على طهران... هل تعطل المسيَّــرات الإيرانية؟

السياق

مجددًا تلجأ الولايات المتحدة إلى سلاح العقوبات في وجه خصومها، إذ فرضت حزمة جديدة على جهات وأشخاص على صلة بإيران، قالت إنهم يساعدون طهران في إنتاج الطائرات المسيرة، والتسلل إلى النظام المالي العالمي، رغم العقوبات الدولية عليها.

وقالت وزارة الخزانة الأمريكية -في بيان- إنها فرضت عقوبات على شبكة مقرها الصين، من 5 شركات وشخص واحد، بتهمة دعم جهود طهران في حيازة الطائرات المسيرة، عبر بيع قطع غيار طائرات إلى شركة صناعة الطائرات الإيرانية، الضالعة في إنتاج طائرات مسيرة من طراز "شاهد-136" استخدمتها في مهاجمة ناقلات نفط وصدرتها إلى روسيا.

وأضافت:"إيران متورطة -بشكل مباشر- في وقوع ضحايا بصفوف المدنيين الأوكرانيين، نتيجة استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في أوكرانيا" وتابع البيان، على لسان كيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون، بأن الولايات المتحدة ستواصل استهداف شبكات المشتريات الإيرانية العالمية، التي تزود روسيا بطائرات مسيرة فتاكة، كي تستخدمها في حربها غير المشروعة بأوكرانيا".

 

مليارات الدولارات

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أيضًا عقوبات تشمل شبكة من 39 كياناً، وصفتها بأنها شبكة "ظل مصرفي" توفر مليارات الدولارات سنوياً، لتسهيل وصول الكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات إلى النظام المالي العالمي.

إلى ذلك كتب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على "تويتر": "سنواصل فرض عقوبات على النظام الإيراني وتعطيل شبكات تمويله... هذه الشبكات تسهل أنشطة التهرب من العقوبات".

 

مهسا أميني

وقبل يوم واحد، فرضت الولايات المتحدة حزمة عقوبات على مسؤولين كبيرين بقطاع السجون الإيراني، لمسؤوليتهما عن انتهاكات جسيمة لحقوق النساء والفتيات.

وكذلك فرضت عقوبات على أعلى قائد عسكري إيراني ومسؤول كبير في الحرس الثوري 3 شركات إيرانية وقادتها، قائلة إنهم ساعدوا جهات إنفاذ القانون في ارتكاب أعمال قمع بحق الفتيات والنساء.

وزارة الخزانة الأميركية، ذكرت -في بيان- أن هذه العقوبات تأتي ضمن الجولة العاشرة من عقوبات تستهدف مسؤولين إيرانيين، منذ قمع طهران لاحتجاجات، اندلعت بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق".

وسبقت هذه الحزمة مئات العقوبات، التي استهدفت خصوم الولايات المتحدة، في كوريا الشمالية وفنزويلا وروسيا وإيران، ما يثير تساؤلًا مهمًا: هل لهذه العقوبات جدوى؟

 

جدوى العقوبات

مجلة فورين بوليسي الأمريكية، سلطت -في تقرير- الضوء على استخدام الولايات المتحدة سلاح "العقوبات الاقتصادية" كأداة رئيسة في سياستها الخارجية قائلة: "لا تكاد توجد أزمة في السياسة الخارجية، إلا يلجأ فيها صانعو السياسة بالولايات المتحدة إلى العقوبات".

وعن جدوى سلاح العقوبات، أشارت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم تأثيرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية العميقة في تاريخ النظام الدولي، خلال القرن العشرين، فإن التجارب أثبتت محدودية فعاليتها، في إحداث التغييرات السياسية المنشودة، بخلاف التكاليف الباهظة الناجمة عنها، التي أدت إلى تفاقم الأزمات.

وتطرقت "فورين بوليسي" -في تقريرها- إلى تضاعف استخدام واشنطن لتلك العقوبات، خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مقارنة بالفترة من 1950 إلى 1985، كما تضاعف مرة أخرى عام 2010.

بينما تراجعت فرص نجاح العقوبات الاقتصادية، في تحقيق أهدافها من 1985 إلى 1995، حيث لم تتعد 35% إلى 40%، وانخفضت النسبة إلى أقل من 20% عام 2016، الأمر الذي يشير إلى أنه مع تصاعد استخدام العقوبات، تتراجع احتمالات نجاحها.

وعزت المجلة الأمريكية استمرار الولايات المتحدة في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، خلال العقود الماضية خاصة ضد الدول الكبرى، إلى تراجع مخاطر وتكاليف استخدامها مقارنة بالتدخل العسكري، كما في العراق وأفغانستان، وهو ما شكل نقلة نوعية في استخدام تلك العقوبات، التي اقتصرت -حتى الحرب الباردة- على الدول النامية دون الكبرى.

وأكدت "فورين بوليسي" تزايد مخاطر استخدام العقوبات الاقتصادية، خلال الآونة الأخيرة، خاصة مع التحولات والأزمات التي شهدها العالم، وفي مقدمتها الأزمة المالية العالمية 2008، الأمر الذي يشير إلى أن استمرار واشنطن في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات، وغياب أي محاولة للسلام.

 

المسيَّــرات الإيرانية

من ناحيتها قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية -في تقرير- إن الولايات المتحدة عجزت عن تعطيل الطائرات الإيرانية من دون طيار، التي تستخدمها روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

جاء ذلك بعد فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أعضاء المجلس التنفيذي لـ "منظمة القدس لصناعات الطيران والفضاء"، وهي شركة دفاع إيرانية أسسها فيلق الحرس الثوري الإيراني عام 1985.

وأفادت المجلة، بأنه طوال سنين فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المجمع الصناعي العسكري الإيراني وقاعدة التصنيع، بما في ذلك كيانات مثل منظمة القدس، وشركة صناعات الطائرات، وشركة فجر لصناعة الطيران والمركبات وصناعات دعم وتجديد طائرات المروحية الإيرانية، وصناعات الطائرات الإيرانية، وغيرها.

ومع ذلك، استمر قطاع الطيران الإيراني وصناعة الطائرات المسيرة في التوسع والازدهار، ولم تمنع العقوبات الغربية طهران من أن تصبح لاعبًا بارزًا في سوق المسيرات، ومشاركة هذه التكنولوجيا مع الشركاء والوكلاء، داخل الشرق الأوسط وخارجه.

ورأت "ناشيونال إنترست" أن الطائرات من دون طيار مكّنت إيران من إبراز قوتها وكسب الأرباح، وعرض التكنولوجيا وتعزيز هيبتها، وتقوية التحالفات، والتأثير في صراعات الشرق الأوسط وخارجه.

وتحقيقًا لهذه الغاية -وفق المجلة الأمريكية- سلَّمت إيران طائرات مسيرة وتصاميمها ومكوناتها وتدريبها لشركائها ووكلائها في العراق ولبنان واليمن، وكذلك إلى دول أخرى، سهلها انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر 2020 وبينت المجلة أن إيران لديها قدرة خارقة على تجاوز العقوبات.

وعن تنوع أساليب العقاب، لمنع إيران من الوصول إلى تكنولوجيا أكثر تعقيدًا عسكريًا، خصوصًا في ما يتعلق بالطائرات من دون طيار، بينت "ناشيونال إنترست" أنه كما هو الحال مع العقوبات الغربية، من غير المرجح أن يؤدي مزيد من ضوابط التصدير وضغط الشركات إلى الحد بشكل كبير من وصول إيران إلى هذه المكونات، لأسباب عدة، بينها دمج المكونات الأجنبية في برنامج قوي للطائرات من دون طيار بسلسلة إمداد راسخة.

ثانيًا -حسب المجلة- يمكن للولايات المتحدة أن تعاقب الشركات التي تبيع تكنولوجيا مزدوجة أو متعددة الاستخدامات لإيران وغيرها من الدول، إلا أنها لا تستطيع منع بائعي هذه التكنولوجيا، مثل "إيباي" -وهي شركة تجارة إلكترونية متعددة الجنسيات تتخذُ من سان خوسيه بكاليفورنيا في الولايات المتحدة مقرًا لها- ومجموعة علي بابا، وهي شركة صينية في حوزة القطاع الخاص الصيني، تكسب جل إيراداتها من أنشطتها التجارية عبر الإنترنت.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن القيادة الإيرانية تتبنى نهجًا حكوميًا شاملاً وتستخدم الأدوات المتاحة، من نخب النظام الملتحقين بالجامعات في الخارج إلى التجسس الإلكتروني، للوصول إلى أحدث التقنيات، مؤكدة أن إيران قد تواجه صعوبة في الوصول إلى أو إنشاء تكنولوجيا اتصالات معقدة.

إلا أنه مع ذلك، لا يزال بإمكانها شراء شريحة مستقبل إشارة إلكترونية من شركة تكساس إنسترومنتس، من النوع الذي اكتشفته القوات الأوكرانية داخل "شاهد -136" التي دمرتها، لاسيما من سوق التكنولوجيا الكبيرة وغير المنظمة في الصين.

واستشهدت المجلة بتركيا، التي نجحت في التحايل على حظر تصدير الولايات المتحدة لمكونات الطائرات من دون طيار -المحركات والإلكترونيات الضوئية ورفوف القنابل- باستيرادها من شركة بريطانية تابعة لشركة أمريكية.