أفغانستان... تصاعد تأشيرات الهجرة هربًا من طالبان
نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين، ومصادر مطلعة داخل البيت الأبيض، عن وجود أكثر من 150 ألف طالب تأشيرة هجرة أفغانية جديدة، يحاول أصحابها الهروب من أفغانستان.

ترجمات - السياق
الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، لاتزال آثاره الكارثية تضرب الشعب الأفغاني، الرازح تحت حكم حركة طالبان، إذ بات الأفغان الذين كانوا يتعاملون مع القوات الأمريكي، مهددين بملاحقة يومية من حركة طالبان، ما اضطر عشرات الآلاف للبحث عن فرصة للهرب والنجاة من بطش الحركة.
ونقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين، ومصادر مطلعة داخل البيت الأبيض، عن وجود أكثر من 150 ألف طالب تأشيرة هجرة أفغانية جديدة، يحاول أصحابها الهروب من أفغانستان، وهي زيادة كبيرة في الوقت الذي تواصل فيه طالبان ملاحقتها للأفغان، الذين ساعدوا المجهود الحربي الأمريكي، والذين مازالوا ينتظرون أوراق الدخول الأمريكية.
وحسب المجلة، تقدم هذه الطلبات لمحة عن عدد الأفغان، الذين ما زالوا طي النسيان، ينتظرون الدعم من الحكومة الأمريكية، بعد 18 شهرًا على الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان.
وأشارت إلى أنه رغم أن وزارة الخارجية الأمريكية اطلعت على عدد الطلبات المقدمة إلى مكاتب الكونغرس في الكواليس، فإن الواقع يزيد بنحو 20 ألف متقدم عن التقديرات المقدمة من الوكالة، وفقًا لمجموعات مناصرة مستقلة تتبع الأمر.
الوعد الأمريكي
وذكرت "فورين بوليسي" أنه خلال الحرب التي دامت عقدين، ساعد عشرات الآلاف من الأفغان المجهود الحربي الأمريكي، بما في ذلك "مترجمون"، مقابل الوعد بتأشيرات دخول عائلاتهم الولايات المتحدة.
وأوضحت أن نظام التأشيرات هذا - المعروف ببرنامج تأشيرة الهجرة الخاصة (إس آي في)- لا يزال غارقًا في الأعمال المتراكمة والروتين الذي ترك حلفاء الولايات المتحدة السابقين، في الدولة التي تسيطر عليها طالبان، معرضين للسجن أو للقتل، على يد فرق الموت التابعة لطالبان.
أمام هذه المخاوف، لا تزال طلبات الهجرة تتزايد، حتى بلغت أكثر من سبعة أضعاف ما كانت عليه في صيف 2021.
ونقلت عن شون فان ديفر، وهو من قدامى المحاربين في البحرية الأمريكية، ومؤسس "أفغان إيفاك" -وهي منظمة غير ربحية تساعد في إجلاء الأفغان وإعادة توطينهم في الولايات المتحدة- قوله: إن عدد الأفغان الذين رغبوا في مغادرة البلاد -العام الماضي- بلغ نحو 50 ألف شخص، ومع ذلك لم ينتهوا -حتى الآن- من إجراءات الحصول على التأشيرات الأمريكية.
وأشار إلى أن واشنطن تقدم فقط لهؤلاء الأفغان تأشيرات بي-1 وبي-2 وهي تصاريح سفر مؤقتة إلى الولايات المتحدة، بينما هؤلاء يخشون العودة خوفًا من بطش طالبان، ومن ثمّ يريدون الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وحسب المجلة الأمريكية، تأتي الزيادة في طلبات الحصول على التأشيرات، في الوقت الذي بدأت فيه لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب -بقيادة الجمهوريين- جلسات الاستماع الإشرافية بشأن الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس 2021، بما في ذلك التحقيق في عدد حاملي التأشيرات الأمريكية، الذين تقطعت بهم السبل في أوروبا والشرق الأوسط، إضافة إلى بحث أسباب الانهيار الأمني بمطار حامد كرزاي الدولي، الذي أدى إلى قتل 13 جنديًا أمريكيًا وأكثر من 100 أفغاني، في هجوم انتحاري لـ"داعش".
ونقلت عن مايكل ماكول، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، قوله: "ما حدث في أفغانستان كان انهيارًا منهجيًا للحكومة الفيدرالية على جميع المستويات، وفشلًا عجيبًا لقيادة بايدن".
كانت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي -حيث يسيطر الجمهوريون على الأغلبية بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر 2022- عقدت الجلسة الأولى لكيفية تعامل إدارة الرئيس جو بايدن، مع إجلاء القوات الأمريكية من أفغانستان.
وقال رئيس اللجنة، الجمهوري ماكول، إنه عندما دخلت طالبان، كابل عام 2021، كانت هناك مشاهد مفجعة لخروق إدارة بايدن للواجب، مضيفًا: "وسط الفوضى التي نشأت بكابل في أغسطس 2021، كانت وزارة الخارجية الأمريكية شبه عديمة الفائدة"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لم تفِ بوعدها، ببذل قصارى جهدها لمن تركوا وراءها وحلفاءها الأفغان الذين تم إجلاؤهم.
ورغم ذلك، كافحت وزارة الخارجية لإنشاء مركز لإعادة توطين اللاجئين في باكستان، بعد أن فر عديد من الأفغان الذين يحملون تأشيرات أمريكية، بعد سقوط كابل في أغسطس 2021 إلى هناك، إلا أن إسلام أباد منعت دخول الدبلوماسيين الأمريكيين لإجراء مقابلات معهم.
كما أن قطر، التي كانت على استعداد لاستقبال اللاجئين الأفغان كـ"ترانزيت" قبل انتقالهم إلى الولايات المتحدة، واجهت تحديات بسبب كأس العالم الأخيرة ونقص الأسّرة المتاحة لإيواء المشجعين، ومن ثمّ فقد تخلت عن وعدها بإيواء هؤلاء الأفغان.
بينما قالت كيلي إيكلز كوري، السفيرة الأمريكية السابقة المهتمة بشؤون المرأة، في حدث إعلامي نظمته مؤسسة فاندنبرغ الائتلافية الفكرية المحافظة الأسبوع الماضي: إن حاملي تأشيرة بي - 1 وبي - 2 -الذين مازالوا في إسلام أباد- يعانون طول الانتظار لنقلهم إلى الولايات المتحدة، ويخشون إعادة تسليمهم إلى طالبان، ما يزيد الضغوط عليهم.
وأشارت إلى أن هؤلاء حصلوا على الموافقة لإجراء مقابلات إعادة التوطين الخاصة بهم، إلا أنهم مازالوا في انتظار إجراء هذه المقابلات حتى الآن.
وأضاف كوري: "هذه المجموعة الهائلة من الناس، يعيشون في وضع سيئ، ويعتريهم اليأس، خصوصًا أنهم يفتقدون تقريبًا كل مناحي الحياة اللازمة، من عمل وتعليم إلى رعاية صحية، مدة طويلة من الوقت -تزيد على 18 شهرًا- ولا يعرفون متى تنتهي آلامهم وانتظارهم؟".
التبرير الأمريكي
في المقابل، تبرر الولايات المتحدة بطء الإجراءات، بأنها تخشى أن يكون هناك بين هؤلاء اللاجئين أشخاص ذوو خلفيات إجرامية، أو لهم صلات بجماعات إرهابية.
ورد متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية على الانتقادات، قائلاً: إن إدارة بايدن "تواصل إظهار التزامها تجاه الأفغان الشجعان الذين وقفوا جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، من خلال تبسيط وتحسين عملية تطبيق برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة"، مشددًا على أن واشنطن تعمل مع الحلفاء والشركاء في العالم، للسعي لحماية حقوق الشعب الأفغاني ومحاسبة طالبان على قمعهم.
وبينت "فورين بوليسي" أن إدارة بايدن أصدرت قرابة 21000 نموذج استثماري لمقدمي الطلبات الرئيسين وعائلاتهم منذ أغسطس 2021، بينما حصل نحو 14000 متقدم على "موافقة رئيس البعثة"، وهي خطوة نهائية قبل الحصول على التأشيرة، بمجرد الانتهاء من الأوراق.
ورغم أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية رفض الكشف عن عدد طلبات تأشيرة الهجرة الخاصة، فإنه قال: "لقد أعرب عشرات الآلاف من الأفغان عن اهتمامهم ببرنامج التأشيرات الخاصة، ومنهم من بدأ تقديم الطلبات، بينما يخضع آخرون لمراجعة رئيس البعثة".
لكن المتحدث -الذي رفض ذكر اسمه- اعترف بأن نحو نصف الطلبات التي روجعت، غير مؤهلة لبرنامج تأشيرة الهجرة الخاصة.
كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وقَّع اتفاق سلام مع طالبان في فبراير 2020، في محاولة لتسريع نهاية الحرب المستمرة منذ 20 عامًا، وسحب القوات الأمريكية من البلاد.
وقال كبار القادة العسكريين الأمريكيين: إن الاتفاق ساعد في تسريع انهيار الحكومة الأفغانية واستيلاء طالبان على السلطة.
وحينما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، تعهد بمواصلة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مبررًا ذلك بأنه ملتزم بمتابعة الاتفاق الذي توصل إليه سلفه، ومن ثمّ فقد أسرع في انسحاب القوات الأمريكية، ورفض نصائح من كبار قادته بترك قوة على الأرض.
وحسب المجلة الأمريكية، فإنه مع انسحاب القوات الأمريكية، انهارت قوات الأمن الأفغانية في مواجهة طالبان، رغم أنها تمتعت بدعم غير مسبوق خلال عقدين، وحصلت على تدريبات ومساعدات أمنية بنحو 90 مليار دولار من الولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو".
أمام ذلك، نقل الجيش الأمريكي ما يقرب من 130 ألف أفغاني خارج البلاد، من مطار كابل، خلال الأيام الأخيرة من انسحابه، ونفذ واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أنه ترك نحو 160.000 من الحلفاء الأفغان وراءه.
كما خلفت الولايات المتحدة والقوات الوطنية الأفغانية وراءها قرابة 300 ألف قطعة سلاح خفيف و26 ألف قطعة سلاح ثقيل و61 ألف مركبة عسكرية، سقطت في أيدي طالبان، عندما انهارت الحكومة الأفغانية.
ومع انقطاع التمويل الدولي الهائل، على مدى عقود، وتولي طالبان زمام الأمور، انهارت البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعتمد نحو 27 مليون شخص على المساعدات الخارجية، للبقاء على قيد الحياة.
أمام ذلك، حاولت إدارة بايدن تجاوز بعض الإجراءات، التي حدت من اجتياز المتقدمين لطلبات الهجرة، ومن ذلك إلغاء شرط تقديم التماس للحصول على البطاقة الخضراء لدى الجمارك الأمريكية، لتسهيل الأمر للحالات الحرجة، خصوصًا الأطفال الذين قد يتقدمون في السن خارج نطاق الأهلية، والنساء الأرامل، وأطفال المتقدمين الذين توفى آباؤهم أثناء انتظار انتقالهم إلى الولايات المتحدة.