قطع الفراخ والتوفو والبيديه: قصة التضخم في اليابان في 3 عناصر يومية
تروي ثلاثة عناصر يومية قصة التضخم في اليابان ، وتأثيره على المستهلكين والشركات وتحديات طوكيو في بحثها عن نمو مستدام للأسعار.

ترجمات - السياق
الاقتصاد الياباني يعيش أسوأ فتراته، فوباء كورونا والحرب الأوكرانية التي لحقته، شكلا تحديًا كبيرًا أمام طوكيو، حيث تخطى ضعف الين مقابل الدولار أدنى مرحلة له منذ 32 عامًا.
أمام هذه التحديات، أعلن مجلس النواب الياباني، الخميس، أنه وافق على تعيين مرشح الحكومة كازو أويدا محافظًا لبنك اليابان، بعد تقاعد المحافظ الحالي هاروهيكو كورودا.
وقد اجتذب أويدا الاهتمام، لأن توجه السياسة النقدية لمحافظ البنك المركزي الجديد سيؤثر في اتجاه الاقتصاد الياباني إلى حد معين وفي قيمة الين الياباني، وقد فسر السوق ذلك بأنه إشارة "متشددة" وبداية لنهاية السياسة النقدية المتساهلة لبنك اليابان.
يأتي التغيير بينما حققت الحرب في أوكرانيا والوباء، ما ظل محافظو البنوك المركزية اليابانية يكافحونه لعقود من الزمن "تضخم الأسعار في ظل اقتصاد راكد"، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
أكبر عجز
وبينت الصحيفة، أن النمو السريع في أسعار المنتجات الشعبية يُمثل نموذجًا للتحدي، الذي يواجه البنوك المركزية وأسواق السندات والمستهلكين في اليابان.
وسجلت اليابان أكبر عجز في حسابها التجاري في يناير الماضي، بفعل التباطؤ العالمي وعطلة السنة القمرية الجديدة في الصين، التي أثرت بالسلب في صادرات ثالث أكبر اقتصاد بالعالم.
وبلغ عجز الحساب الجاري 1.98 تريليون ين (14.43 مليار دولار)، وهو أكثر من ضعف متوسط توقعات السوق البالغ 818.4 مليار ين ( 5.9 مليار دولار)، وأشارت وزارة المالية اليابانية إلى أن هذا العجز هو الأكبر على الإطلاق.
خطر التضخم
وردًا على سؤال عما إذا كان قد شعر بتأثير التضخم، خلال جلسة استماع برلمانية مؤخرًا، قال محافظ بنك اليابان الجديد كازو أويدا إنه لم يعد بإمكانه شراء صندوق غداء في متجر جامعته بعملة واحدة بـ 500 ين (3.70 دولار).
وبعد إعلان محافظ البنك الجديد، انخفض سعر صرف الدولار مقابل الين بشكل حاد من 132.05 إلى 131.97 قبل أن يتراجع الين ليتداول مرة أخرى عند 132.3 ين لكل دولار، ليبقى عند مستوياته بلا تغيير.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه طالما كانت الوجبات المكونة من عملة واحدة رمزًا لنضال اليابان مع الانكماش، لكن لم تعد 500 ين كافية لشراء سيارة لعبة من نوع "توميكا" أو الطبق الياباني الشهير المعروف بـ "تمبورا"، بينما بدت أسعار الشوكولاتة وصلصة السوكيياكي آخذة في الارتفاع لأول مرة، بينما سترتفع أسعار مترو الأنفاق الشهر المقبل للمرة الأولى منذ ما يقرب من 30 عامًا.
وحسب الصحيفة، ارتفعت الأسعار في أكثر الاقتصادات الآسيوية تقدمًا بأسرع معدل لها منذ أربعة عقود، ما يمثل تحديًا كبيرًا لأويدا -الذي يعد أول أكاديمي يتولى منصب محافظ البنك المركزي الياباني- في ما يخص السياسة النقدية، وكذلك بالنسبة لأسواق رأس المال التي اعتادت شراء بنك اليابان للسندات، كما يمثل صدمة للمستهلكين، الذين يعتادون العيش وسط "انكماش طويل الأجل".
ذروة التضخم
ونقلت "فايننشال تايمز" عن مواطنة من طوكيو تدعى فوكو -على المعاش وتبلغ من العمر 64 عامًا- قولها، إنها الآن تشتري السلع ذات الأهمية فقط يومًا بيوم، مضيفة: "أنا وزوجي الآن عاطلان عن العمل وليس لدينا أي دخل، لذلك نحن قلقان بشأن المستقبل إذا استمرت الأسعار في الارتفاع بهذا الشكل".
وبينت الصحيفة أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في اليابان تجاوز هدف بنك اليابان تسعة أشهر متتالية، حيث ارتفع بمعدل 4.2% في يناير.
وبينما يقول أويدا إن التضخم من المرجح أن يكون قد بلغ ذروته، مع بدء الدعم الحكومي للكهرباء والغاز، لا يزال كثيرون قلقين من زيادة جديدة في الأسعار.
وفي إشارة إلى أن التضخم قد يستمر فترة أطول من المتوقع، ارتفعت أسعار المستهلكين -خصوصًا أسعار المواد الغذائية والطاقة- بمعدل 3.2% في يناير، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1990.
قصة التضخم
وحسب "فايننشال تايمز" تروي ثلاثة عناصر يومية قصة التضخم في اليابان، وتأثيره في المستهلكين والشركات وتحديات طوكيو في بحثها عن نمو مستدام للأسعار.
بالنسبة لكثيرين، فقد لحق واقع التضخم بحياتهم اليومية، عندما رفعت سلسلة المتاجر اليابانية "لوسون" سعر قطع الدجاج "كاراغ كون" 10 في المئة لتصل إلى 238 ينًا، وهو أول ارتفاع في الأسعار منذ طرح المنتج الأكثر مبيعًا للشركة عام 1986.
وألقت سلسلة لوسون باللوم في ارتفاع الأسعار على التكلفة الباهظة للمواد الخام، وكذلك التغليف والنقل، وقال متحدث باسم الشركة: "أردنا الاستمرار بالسعر نفسه، لكن الزيادات الأخرى في الأسعار أصبحت غير قابلة للسيطرة".
وحسب الصحيفة البريطانية، تسببت الحرب في أوكرانيا، وهي من أكبر موردي القمح في العالم، في ارتفاع الأسعار العالمية، ورفعت تكلفة الدقيق المستورد، الذي تعتمد عليه اليابان، في ما يقرب من 90 في المئة من استهلاكها.
وقد أدى ذلك أيضًا إلى ارتفاع تكلفة دقيق القمح المحلي، الذي يستخدمه دجاج الكاراغ.
ووفقًا لجمعية تحسين الأرز والقمح والشعير الوطنية، من المقرر أن يكون متوسط سعر المزاد -للقمح المحلي- لهذا العام أعلى بنحو 30 في المئة.
من جانبه، توقع بنك معلومات تيكوكو -المعني بتقديم البيانات- ارتفاع الأسعار في أكثر من 15800 مادة غذائية يابانية أبريل المقبل، بمتوسط زيادة بالأسعار بنسبة 16 في المائة.
التوفو
وانتقلت الصحيفة إلى الاستشهاد بارتفاع أسعار "التوفو" -أشهر أنواع الجبن الياباني- وبينت أنه مع رفع الأسعار، باتت ريوغي ياماغوتشي، 48 عامًا، مديرة أحد مصانع التوفو في جزيرة هوكايدو الشمالية، تكافح للتكيف مع مخاوف زبائنها من ارتفاع الأسعار مرة أخرى هذا الصيف.
والعام الماضي، رفعت ياماغوتشي الأسعار 10 في المئة، لتغطية التكلفة المتزايدة لفول الصويا المستورد، الذي تعتمد عليه الشركة في 60 في المئة من منتجاتها من التوفو.
ولكن مع ارتفاع أسعار فول الصويا المستورد نحو ثلاث مرات العام الماضي، استمرت الشركة في تكبد الخسائر، وقالت ياماغوتشي، التي تزود شركتها محلات السوبر ماركت والمدارس والمستشفيات المحلية: "كانت زيادة الأسعار العام الماضي تحديًا كبيرًا أمامنا لمواصلة أعمالنا".
لم يتوقف الأمر عند ارتفاع أسعار المواد الخام، وإنما ظهرت قضية أخرى لا تقل أهمية، هي المطالب بارتفاع الأجور، وفي ذلك، تقول ياماغوتشي: مع تعرض صناعة المواد الغذائية لضغوط كبيرة، لم بتخذ كثير من المصانع والشركات أي قرار بشأن ارتفاع الأجور، وأمام ذلك هناك من لجأ لتقليل ساعات العمل فقط.
نضال اليابانيين
وترى "فايننشال تايمز" أن وضع ياماغوتشي يُعد رمزًا لنضال اليابان الأوسع نطاقًا لتوفير حلقة من ارتفاع الأجور والاستهلاك والأسعار.
ونقلت عن أياكو فوغيتا، كبير الاقتصاديين اليابانيين في "جيه بي مورغان" لتداول الأوراق المالية ، قوله: "ما يريد المستثمرون العالميون معرفته أكثر في الوقت الحالي هو في أي نقطة يعتقد بنك اليابان أنه قادر على تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 في المئة على نحو مستدام".
وفي حين زادت الشركات الكبيرة، مثل تويوتا و نينتندو و يونيكلو، المالكة لشركة فاست ريتيلنغ رواتب موظفيها، عانت الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد أمام تحقيق ذلك.
فعلى عكس الولايات المتحدة، كان التضخم في قطاع الخدمات الياباني ضعيفًا بسبب الافتقار إلى نمو قوي للأجور.
وفي ذلك، يقول جونكو ناكاغاوا، عضو مجلس إدارة السياسة في بنك اليابان، في خطاب ألقاه هذا الشهر، إن عدم اليقين مرتفع بشأن إلى أي مدى ترتفع الأجور، مضيفًا: "إذا ظل السلوك والعقلية القائمة على الافتراض بأن الأجور لن تزداد بسهولة وبعمق، فهناك خطر يتمثل في أن التحركات لزيادة الأجور لن تعزز بقدر ما هو متوقع".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن ضعف الين واضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن كورونا وارتفاع تكاليف الوقود والخدمات اللوجستية، أدت إلى تعزيز أسعار الإلكترونيات الاستهلاكية في جميع المجالات.
المراحيض
ارتفعت أسعار "الثلاجات وأجهزة طهي الأرز والمحامص ووحدة تحكم ألعاب بلاي ستيشن5 التي تنتجها سوني"، رغم أن اليابان المنتج الرئيس لبعض هذه الصناعات الإلكترونية.
لم يتوقف الأمر عند الغذاء والإلكترونيات، إذ ضرب التضخم الحمامات أيضًا، حيث أعلنت "توتو"، أكبر شركة لتصنيع المراحيض في اليابان -التي تحقق عائدات سنوية تبلغ نحو 5 مليارات دولار- في يناير أنها تخطط لرفع سعر مقعد "بيديت واشليت" الرائد بنسبة تصل إلى 8 في المئة من أغسطس.
وبالفعل، رفعت الشركة -التي يعود تأسيسها إلى أكثر من 106 أعوام- أسعار "البيديت" 13% في أكتوبر الماضي.
ففي أعقاب حالة الذعر الوبائي بسبب نقص ورق التواليت، ارتفعت مبيعات "بيديت توتو" الإلكترونية في الولايات المتحدة، وواجهت الشركة صعوبة في شراء مكونات الرقائق، ورغم حل مشكلة سلسلة التوريد هذه، فإن "توتو" تعرضت لضغوط من ارتفاع أسعار المواد الخام.
أمام هذه الأزمات، ترى "فايننشال تايمز" أن التحدي الأهم الذي يواجه أويدا، يتمثل في ضمان عدم عودة اليابان إلى الانكماش، وعدم خروج الضغوط التضخمية عن نطاق السيطرة.