إيران مثال حي... العقوبات ضد روسيا لن توقف حرب بوتين
تجربة طهران قصة تحذيرية من أنه لا يمكن تأديب الأنظمة الاستبدادية العنيدة بفرض العقوبات

ترجمات-السياق
رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن معاقبة روسيا، من خلال فرض العقوبات عليها، لن تؤدي لوقف حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، مشيرة إلى أن ما حدث مع إيران -على مدى 40 عامًا- دليل على ذلك.
وقالت المجلة، في تقرير، إن الفظائع التي ارتكبت في بوتشا وماريوبول ومدن أوكرانية، تشير إلى رفع حِدة الحرب الروسية في كييف إلى مستوى جديد، وهو ما دفع الدنمارك وإستونيا وإيطاليا ولاتفيا والسويد وإسبانيا والولايات المتحدة وعددًا من الدول للرد، بطرد أكثر من 325 دبلوماسياً روسياً من بعثات موسكو لديها.
آلية العقوبات
أضافت المجلة أنه في غضون ذلك تستمر آلية العقوبات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قدم وساق، إذ باتت روسيا مُستهدَفة من الإجراءات العقابية، ما جعلها -في فترة زمنية قصيرة- تتجاوز إيران باعتبارها الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم، كما تلوح القوى الغربية بمزيد من الإجراءات، للضغط على الاقتصاد الروسي، حتى يستسلم الكرملين ويتخلى عن حملته العسكرية العدوانية.
وتابعت: "كثيرًا ما استخدمت العقوبات كوسيلة للحكم على مدى عقود، وكانت الولايات المتحدة المُستخدِم الأول لهذه الإجراءات القسرية، وفي الوقت الحالي، هناك ما لا يقل عن 24 دولة مستهدفة بالعقوبات الأمريكية، التي هي إما جزئية، تنطبق على جوانب معينة من التجارة والأعمال المتعلقة بكيانات الدولة، كما هو الحال مع نيكاراجوا وفنزويلا، وإما وقف التجارة مع بلد ما، كما يحدث مع إيران".
وأشارت المجلة إلى أن العقوبات الاقتصادية لها دعاة صريحون في البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، يميلون إلى التفاؤل المفرط بشأن الآثار التي يمكن أن تحدثها هذه الحزم في حسابات الحكومات التي تسيء التصرف، لكن هناك أدلة كثيرة على أن هذه العقوبات أصبحت غير كافية بشكل متزايد، بل تؤدي -في بعض الأحيان- إلى تأثير معاكس في تحفيز العِناد والسلوك السيئ.
فشل العقوبات
وفقاً للمجلة، فإن ما وصفتها بـ"ملحمة العقوبات" على إيران، المطبقة منذ عام 1979، مثال على كيفية فشل العقوبات في تغيير سلوك الحكومات التي يعدها المجتمع الدولي غير مسؤولة وضارة بالسلام والأمن العالميين.
وأوضحت المجلة أنه جرى سحق إيران بفعل العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر لأول مرة عام 1979 رداً على أزمة الرهائن، ثم تطورت بمرور الوقت حتى أصبحت هناك عقوبات مفروضة بسبب برنامجها النووي ومغامراتها الإقليمية، وكذلك سجلها الخاص بحقوق الإنسان، وهو ما جعل طهران معزولة عن القطاعين المصرفي والمالي الدوليين، كما جرى تجريدها من القدرة على الدخول في التجارة، حتى مع شركائها المقربين.
ورأت المجلة أنه من الصعب قياس الضرر الذي ألحقته العقوبات بإيران، لأن الاقتصاد المعتمد على النفط يتضاءل بمرور الوقت، وهناك العديد من المكونات التي يجب أخذها في الاعتبار في السقوط الاقتصادي الحر، بما في ذلك الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية ونقص الشفافية والبيروقراطية والعقوبات، ومع ذلك فإن وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، أقر -العام الماضي- بأن العقوبات الأمريكية ألحقت أضراراً بالاقتصاد الوطني تصل إلى تريليون دولار.
التصعيد الإيراني
لفتت المجلة إلى أن هناك بعض الأدلة على عدم كفاءة العقوبات، منها التصعيد الإيراني المحفوف بالمخاطر في الخليج العربي، واستهدافها للمنشآت النفطية السعودية من خلال وكلائها الحوثيين، كما أنها كادت تخوض حرباً مع الولايات المتحدة، بعد قصفها قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية بالصواريخ، انتقاماً لاغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020.
وأضافت: "يمكن قراءة هذه التطورات بأنها دليل على فشل نظام العقوبات، إذ تعلمت الحكومة في طهران كيفية النجاة من هذه العقوبات، وإيجاد حلول لتفاديها، والتسلل إلى السوق السوداء، وتمكين الحرس الثوري من الحفاظ على الاقتصاد الوطني، وقد بدت هذه الحكومة صامدة، في الوقت الذي استنفدت فيه الولايات المتحدة خياراتها، وكان وزير الخزانة الأمريكي جاكوب لو قد حذر عام 2016 من أن الإفراط في استخدام العقوبات ضد الخصوم، سيقلل فعاليتهم ويقوِّض الدور القيادي للولايات المتحدة".
سحب الاستثمارات
قالت المجلة إن العقوبات الصارمة وسحب الاستثمارات والحظر، مهما كانت شاملة وقاسية، لن تجعل روسيا تجثو على ركبتيها أو تثنيها عن المزيد من العدوان في أوكرانيا، كما أنها لن تمنع مغامراتها المحتملة في أوروبا، وتعد تجربة إيران قصة تحذيرية مفادها أن الأنظمة الاستبدادية العنيدة، لاسيما تلك الغنية باحتياطات الطاقة والتي لديها حلفاء مستعدون لمنحها مساعدات اقتصادية أوقات الأزمات، لا يمكن تغيير سلوكها بالعقوبات الاقتصادية، لاسيما بالنظر إلى الثغرات العديدة للنظام المالي الدولي، وتضاؤل قوة الدولار الأمريكي، الذي يتراجع تدريجياً أمام العملات المحلية الأخرى، كما أنه عند استخدام العقوبات الاقتصادية لإصلاح العناصر الأساسية في سلوك الحكومات الأخرى، فإنها من المرجح جداً أن تفشل أيضاً.
وأضافت المجلة أنه قد لا يزال للعقوبات مؤيدوها، الذين يعدونها بديلاً للحملات العسكرية والحروب المكلفة، لكن الحقيقة أنها تفقد قوتها مع إضافة المزيد من البلدان إلى قائمة الدول الخاضعة للعقوبات، لأنهم يكتسبون المعرفة بكيفية العيش في ظل العقوبات والالتفاف عليها وتبادل تلك المعرفة مع المستهدفين.
وتابعت: "في حالة روسيا، فإن ما يجب القيام به لضمان انتهاء حملتها العسكرية المروعة في أوكرانيا وتصحيح نزعتها العدوانية، هو البناء على مزيج من الدبلوماسية والإقصاء والإجراءات القانونية، فالإقصاء يختلف عن العزلة، إذ يحب حرمان موسكو من الامتياز الذي توفره لها عضويتها في المنظمات الدولية، التي تمنحها النفوذ الذي تحتفظ به حالياً في الشؤون العالمية، فقد كان طردها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومجلس أوروبا خطوات أولى فعالة".
ونهاية التقرير، أوضحت المجلة أن هذه بعض الخيارات التي يمكن للمجتمع الدولي الاستفادة منها، لمعاقبة روسيا وضمان إنهاء الحرب في أوكرانيا، قبل أن تؤدي إلى دورات مستقبلية من إراقة الدماء، ومع ذلك ينبغي ألا يُنظر إليها على أنها عصا سحرية، يمكن التلويح بها لإعادة الحياة إلى طبيعتها بسرعة، من العالم الذي انقلبت معادلاته الجيوسياسية رأساً على عقب.