ذا ناشيونال انترست: لماذا على الولايات المتحدة مغادرة سوريا؟
أشادت صحيفة ذا ناشيونال انترست، بقرار مجلس الشيوخ إلغاء تفويض حرب العراق، مشيرة إلى أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، أكدت أن على صانعي السياسة الأمريكيين أن يفعلوا الشيء نفسه بالنسبة لسوريا.

ترجمات - السياق
"احتواء ودحر النفوذ الإيراني، وحماية إسرائيل"، هدفان شرعنت بهما الولايات المتحدة وجودها في سوريا، إلا أن الطرق التي تنفذ بها واشنطن هذين الهدفين، ستولد مزيدًا من المشكلات، ليس فقط لواشنطن، لكن للمنطقة أيضًا، بحسب صحيفة ذا ناشيونال إنترست.
فالضربة الإيرانية التي استهدفت القاعدة العسكرية الأمريكية شمالي سوريا، قبل أيام، التي أسفرت عن قتل متعاقد أمريكي وإصابة ستة جنود، أدت إلى التشكيك مجددًا في الغرض من الوجود الأمريكي، الذي يبلغ قوامه نحو 900 جندي.
المنطق الرسمي، وفقًا لرئيس "البنتاغون"، الجنرال مارك أ. ميلي، مواجهة داعش، إلا أن ذلك التنظيم شكل تهديدًا مباشرًا للدول والجهات الفاعلة الإقليمية أكثر بكثير مما يشكله لواشنطن، ما أضعف الحجة القائلة إن الولايات المتحدة في سوريا لمواجهة داعش، بحسب "ذا ناشيونال إنترست".
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن من المفارقات أن واشنطن سمحت -بشكل غير مباشر- بتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال المساعدة في القضاء على جماعة مناهضة للشيعة مثل داعش، وإطاحة الرئيس المناهض لإيران، صدام حسين، ومحاربة حركة طالبان المناهضة لإيران في أفغانستان.
وأكدت أن إصرار واشنطن على البقاء في سوريا بحجة «احتواء داعش» حجة ضعيفة نوعًا ما، مشيرة إلى أن كل فاعل في المنطقة يعد التنظيم الإرهابي تهديدًا وجوديًا وله مصلحة في القضاء عليه.
حرب أبدية
وأشارت إلى أنه كان ينبغي على واشنطن أن تتعاون مع تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي، وهي قوة إقليمية تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي وعسكري، ومع وكلائها، من دون المخاطرة بمواجهة مباشرة مع الخصوم الإقليميين، مثل إيران واحتمال بدء «حرب أبدية» أخرى من شأنها جعل خطوات أمريكا في الشرق الأوسط تتعثر.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن ذلك السيناريو بدت ملامحه مع اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني عام 2020، الذي ردت عليه إيران بأكثر من عشرة صواريخ بالستية على قواعد أمريكية في العراق، حيث أصيب أكثر من 100 جندي أمريكي بجروح في الدماغ.
ومع ذلك، فإن الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن بين عامي 2014 و2015 لم تكلفها تركيا فقط، بل أدت أيضًا إلى وجود أمريكا غير المبرر في سوريا، تقول "ذا ناشيونال إنترست".
وأشارت إلى أن إدارة أوباما فشلت في ذروة تهديد داعش، في تبني خطة واضحة لهزيمة داعش، مؤكدة أن الوكالات الأمريكية المرتبكة بدأت دعم مجموعات معارضة لكل منها أجندات مختلفة، بينما بدأت وكالة المخابرات المركزية تدريب وتجهيز المعارضة السُّنية الموالية لتركيا، الجيش السوري الحر، الذي كان هدفه إطاحة الأسد ومحاربة داعش.
في المقابل، دعم "البنتاغون" وحدات حماية الشعب الكردي (YPG)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) ، العدو اللدود لتركيا، الذي كان هدفه محاربة داعش، والحصول على الحكم الذاتي، وحتى الاستقلال داخل سوريا.
خطة فوضوية
وبحلول عام 2015، كانت خطة واشنطن في سوريا في حالة من الفوضى، بحيث انقلب ما يعرف بـ«الجيش السوري الحر» ووحدات حماية الشعب ضد بعضهما، بينما كانا في الوقت نفسه يقاتلان داعش بشكل منفصل.
في العام نفسه، قررت واشنطن التخلي عما يعرف بـ«الجيش السوري الحر» لصالح وحدات حماية الشعب، والتخلي عن فكرة إطاحة الأسد، القرار الذي تزامن مع تقارب أوباما مع إيران.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه ليس من المستغرب، نزول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا في صيف 2015، لإنقاذ المصالح الروسية والأسد من الإطاحة، بعد الغموض والضعف الأمريكي.
أسباب العجز عن مواجهة إيران
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن دعم البنتاغون القوي لوحدات حماية الشعب، أثار مسألة مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، ففي سوريا، تعتمد وزارة الدفاع الأمريكية على وحدات حماية الشعب الكردية، وهي جماعة كردية مسلحة ذات أغلبية، التي كما قال وزير الدفاع السابق آش كارتر عنها «لها علاقات قوية بحزب العمال الكردستاني "منظمة إرهابية في نظر الحكومتين الأمريكية والتركية".
إلا أن الصحيفة الأمريكية، قالت إن وحدات حماية الشعب الكردية غير قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني لسببين... أولاً: تربط وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني علاقات عضوية مع إيران بسبب أهدافهما الإقليمية المتوافقة، بينما الآخر يتمثل في أن واشنطن ترتكب في سوريا الخطأ نفسه الذي ارتكبته في أفغانستان.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن إيران التي اتبعت تاريخيًا سياسات معاكسة ضد تركيا، وفرت لحزب العمال الكردستاني ملاذًا آمنًا ليس فقط في إيران لكن أيضًا في العراق، مشيرة إلى أن طهران رفضت طلب أنقرة القيام بعملية عبر الحدود في جبال قنديل الإيرانية، حيث تقطن الطبقة العليا من حزب العمال الكردستاني.
من جانبه، قال نيكولاس هيراس، زميل مركز الأمن الأمريكي الجديد الذي تحدث إلى أعضاء قوات سوريا الديمقراطية في سوريا: "هناك قلق عميق داخل قوات سوريا الديمقراطية بشأن المدى الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة إلى استخدام قوات سوريا الديمقراطية بمواجهة إيران في سوريا".
جهد غير مجد
من وجهة نظر اجتماعية وسياسية واقتصادية، فإن مشروع الحكم الذاتي لوحدات حماية الشعب في سوريا غير مستدام، تقول «ذا ناشيونال إنترست»، مشيرة إلى أن "البنتاغون" ينفق مليارات الدولارات لتدريب وتجهيز وحدات حماية الشعب وتسهيل حكمها الذاتي شمالي شرق سوريا، لكن وحدات حماية الشعب الكردية ذات الأغلبية اليسارية غريبة عن المنطقة، التي يغلب عليها العرب السُّنة مع بعض التركمان.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن وحدات حماية الشعب دخلت في نزع التعريب، بعد أن استولت على أراضٍ من داعش، ما أدى إلى مزيد من الاستياء، وتسبب في الاشتباكات الطائفية.
"فمن خلال التدمير المتعمد لمنازل المدنيين، وتجريف وإحراق قرى، وتشريد سكانها من دون أسباب عسكرية مبررة، فإن الإدارة الذاتية تسيء استخدام سلطتها وتنتهك بوقاحة القانون الإنساني الدولي، في هجمات تصل إلى جرائم الحرب"، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، المعروف بحزب الاتحاد الديمقراطي السوري (PYD) ، يتمتع بسمعة ملاحقة الأكراد، الذين لا يشاركونهم نظرتهم العالمية للماويين الجدد.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن جهود واشنطن تستدعي توضيح سبب إصرارها على الاستثمار في تمرين لا طائل من ورائه لبناء الدولة الكردية في سوريا، في حين أن حكومة إقليم كردستان شمالي العراق لديها كثير من الموارد، من حكومتها إلى البنك المركزي.
وأشارت إلى أن من المفارقات أن واشنطن رفضت عام 2017 قيام دولة كردية شمالي العراق، من خلال عدم الاعتراف باستفتاء استقلال المنطقة، متسائلة: إذا كان الهدف مواجهة داعش والنفوذ الإيراني عبر الوكلاء، فلماذا لا تستثمر واشنطن في حكومة أربيل، التي تشعر بالقلق الشديد من النفوذ الإيراني؟ إضافة إلى ذلك، قاتلت قوات البشمركة الكردية بنجاح ضد "داعش".
ولجعل الأمور أسوأ، من خلال دعمها غير المشروط لوحدات حماية الشعب، تعزز واشنطن -بشكل غير مباشر- الوجود الإقليمي لحزب العمال الكردستاني، ما يزيد تعقيد السياسة داخل الأكراد.
ماذا الآن؟
تقول الصحيفة الأمريكية، إن المعتقدات الدينية لا تسبب التطرف والانتحاريين، بل الاحتلال العسكري، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أقر بأن حرب العراق "ساعدت في ظهور داعش".
وأشارت إلى أنه ليس من المستغرب "أننا لم نسمع عن مزيد من تلك القنابل المزروعة على جوانب الطرق، أو التفجيرات الانتحارية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان".
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإنه عند دراسة عواقب تصرفات الولايات المتحدة في الثلاثين عامًا الماضية، يمكن للمرء أن يجادل بأنه من خلال أخذها على عاتقها تدمير أعداء إيران من صدام إلى داعش، فإنها (أمريكا) خاضت حروب إيران في الشرق الأوسط.
ويتساءل الجمهور الأمريكي: لماذا أصبحت إيران والصين وروسيا أكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة تفقد نفوذها، رغم أن واشنطن أنفقت أكثر من 8 تريليونات دولار وفقدت أكثر من 5000 جندي؟
ومع احتدام الحرب الأوكرانية وتزايد الحديث عن حرب مع الصين، فإن آخر ما تريده أمريكا هو التورط في مستنقع الشرق الأوسط من خلال شن حرب أخرى إلى الأبد مع إيران، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأشارت إلى أن على الولايات المتحدة مراجعة استراتيجيتها في الشرق الأوسط، مؤكدة أن الحفاظ على وجود صغير باسم حماية وحدات حماية الشعب و«مواجهة إيران» يأتي بنتائج عكسية.
وبينما أشادت بقرار مجلس الشيوخ إلغاء تفويض حرب العراق، مشيرة إلى أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، أكدت أن على صانعي السياسة الأمريكيين أن يفعلوا الشيء نفسه بالنسبة لسوريا.