مايكل روبين: حرب أهلية على وشك الاندلاع في الصومال
الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، كانت قد دعمت نموذجًا فيدراليًّا في الصومال، يوازن بين الحكومة الإقليمية والمركزية.

ترجمات - السياق
حذر المؤرخ الأمريكي مايكل روبن، من أن الصومال على شفا حرب أهلية، إذا استمر الرئيس محمد عبدالله فرماجو على سدة الحكم.
وقال روبين، في تحليل بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية: "مازالت صورة القرصنة التي صورت في فيلمي بلاك هوك داون وكابتن فيليبس، مستمرة في تشكيل الصورة الأمريكية عن الصومال، فعلى مدى سنوات، كان هذا التصور غير عادل، حيث كان هناك أكثر من 350 هجومًا أو محاولة هجوم للقراصنة بين عامي 2010 و2014، وعلى مدى السنوات الخمس التالية، كانت هناك ثمانية فقط، فقد باتت معظم أعمال القرصنة حاليًا تحدث في خليج غينيا، حيث يحدث هناك الآن 90% من عمليات الاختطاف البحري".
وأضاف روبين: "عندما أتيحت لي الفرصة لزيارة مدينة جاروي، عاصمة ولاية بونتلاند، الشهر الماضي، وجدتها آمنة، وتزدهر فيها الأعمال، وتجرى فيها أعمال البناء بوتيرة ثابتة، كما يتجول السكان المحليون والزوار في أنحاء المدينة، أو يجلسون على المقاهي وداخل المطاعم من دون حراسة"، مشيرًا إلى أنه تحت رئاسة الشيخ أحمد مادوبي -حاكم جوبالاند- تزدهر مدينة كيسمايو، العاصمة التجارية لولاية جوبالاند، أيضًا، حتى لو كان ريفها أقل أمانًا منها.
مقديشو والفوضى
وأكد روبين، أنه رغم الازدهار الذي تعيشه بعض المدن الصومالية، مثل جاروي، فإن العاصمة مقديشو مازالت تضربها الفوضى، قائلًا: "لا تزال العاصمة مقديشو تقبع في حالة من الفوضى، وبالتأكيد يتحمل الصوماليون مسؤولية انعدام الأمن في مقديشو وتدهورها".
غير أن الكثير من اللوم يقع أيضًا على المجتمع الدولي، وميل واشنطن والأمم المتحدة إلى الخلط بين الأموال التي تنفق في وجهها الصحيح، فمنذ عام 1991، استثمر المجتمع الدولي أكثر من 50 مليار دولار في الصومال، وأُهْدِرَ معظم هذا المبلغ".
وأضاف: "هذه ليست بالمفاجأة، فقد نصح السياسي الكندي الشهير جون درايسديل -الذي قضى معظم حياته المهنية في الصومال وكان يجيد اللغة الصومالية– العديد من رؤساء الوزراء الصوماليين، وحذر من الانتهازية التي كانت سبب إبقاء الصوماليين في ظروف عصيبة، يمكن أن تتحول بسهولة إلى استغلال الأجيال الجديدة من سكان المناطق الحضرية على يد حاملي أكياس النقود الغريبة، أي القرصنة"، وأشار روبين إلى أنها وِجهة نظر صائبة، فقد صنفت منظمة الشفافية الدولية الصومال بأنها أكثر الدول فسادًا.
واستطرد: "ومن جهتهما، ضغط دونالد ياماموتو، السفير الأمريكي، وجيمس سوان، الدبلوماسي الأمريكي السابق -الذي يرأس الآن بعثة الأمم المتحدة- من أجل المساعدة والإعفاء من الديون لحماية الحكومة المركزية وتمكينها، وهنا تكمن المشكلة إذ لم تفلح مثل هذه الاستراتيجية في الصومال ولم يكن لها تأثير، إذ استخدم الرئيس الصومالي محمد عبدالله فارماجو -الذي سعى ياماموتو وسوان بشكل غير دستوري إلى تمكينه- الموارد المقدمة له لمعاقبة المنافسين السياسيين، بدلًا من محاربة الإرهابيين أو بناء الدولة".
فوضى التسعينيات
وأشار روبين، إلى أنه مع انتهاء فترة ولاية فارماجو، فبراير الماضي بعدما استمرت أربع سنوات، بعد أن قوَّض لأشهر نزاهة الانتخابات، التي كان من الممكن أن تزيحه عن السلطة، وادعائه الحق في التمديد بدعوى الترتيب لانتخابات جديدة، تصرف الرئيس الصومالي من جانب واحد، بدلًا من بناء إجماع واسع لهذه الخطوة، وهو ما رفضته المعارضة ودعت إلى احتجاجات سلمية وسط مقديشو، لكن قوات فرماجو أطلقت النار على الحشود التي كان من بينها كبار منافسيه.
وأضاف: "في 21 فبراير، تحدث رئيس بونتلاند، سعيد عبد الله ديني، الذي خط لنفسه مكانة كأحد أكثر القادة السياسيين فاعلية ونضجًا في الصومال، عن الوضع الحالي في البلاد، وحذر صراحةً من أن سلوك فارماجو وتسامح المجتمع الدولي معه ربما يعيدان الصومال إلى فوضى التسعينيات".
وبيَّن المؤرخ الأمريكي في تحليله، أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، كانت قد دعمت نموذجًا فيدراليًّا في الصومال، يوازن بين الحكومة الإقليمية والمركزية.
ونقل عن "ديني" تأكيده أن فرماجو ألغى ذلك من جانب واحد، متهمًا ياماموتو وسوان بأنهما سعيا إلى تمكين الفرد على حساب النظام.
كما حذر زعيم بونتلاند من أن فرماجو هدد باستخدام قوات "جورجور" الخاصة المدربة في تركيا وقوات الشرطة الخاصة المعروفة بـ "هارمعاد"، وكلاهما كان قد نشرهما ضد خصومه السياسيين، إلا أن ديني قال إنه لن يستسلم ولديه قوات تحمي حكومته الإقليمية.
وأشار ديني إلى أنه منذ أن تولى فرماجو منصبه، لم تقاتل القوات الخاصة الصومالية سوى خصومه السياسيين فقط، وليس جماعة الشباب الإرهابية، التي شكلت هذه القوات خصيصًا لمواجهتها.
المجتمع الدولي
وأمام هذه التحديات، وتحدي فارماجو للحكم الفيدرالي الذي يحكم البلاد، ومحاولة استئثاره بالسلطة لنفسه، اعتبر روبين، أن مصداقية المجتمع الدولي على المحك في الصومال، ونقل عن "ديني" قوله: عندما حذر هو وزعماء إقليميون آخرون ياماموتو وسوان وسفراء آخرين، بشأن مخاوفهم وطلبهم المساعدة لوقف انتهاكات فرماجو للاتفاقيات، أشار المجتمع الدولي إلى إلزامية اتفاقية 17 سبتمبر، التي نصت على أن فرماجو وخمسة رؤساء ولايات اتحادية اتفقوا على نموذج غير مباشر للانتخابات المقبلة.
ومع ذلك، أشار ديني إلى أن فرماجو رفض الوفاء بالتزاماته من الاتفاقية، مشددًا على أنه "من هنا تفشل الوساطة عندما ينتهك أحد الأطراف الاتفاقات مع إفلاته من العقاب".
ويضيف "ديني"، أن القضية لم تعد اتفاقية 17 سبتمبر، بل عدم وجود اتفاق خلال القمة المنعقدة في مدينة دوسامارب من 1 إلى 6 فبراير 2021، واستخدام فارماجو للقوة ضد المعارضة.
ورأى المؤرخ الأمريكي، أن رسالة ديني لم تكن مبالغة بل كانت تحذيرًا فظًا، فقد فشل فارماجو ويسعى الآن إلى إفساد الانتخابات، كي لا يواجه الهزيمة فيها، كذلك فقد فشل ياماموتو وسوان أيضًا، وتصرفا مثل الحكام الاستعماريين، وسعيا لدعم عميل، وهما الآن غير مستعدين للاعتراف بالخطأ، وبسبب كبريائهما ربما يموت الآن عشرات الآلاف من الأبرياء.
وقال مايكل روبين: "الآن الصوماليون والمجتمع الدولي أمام خيارين: إما حرب أهلية، وإما نفي فارماجو، فلم يعد هناك حل وسط".