ما الخيارات الأمريكية حال فشل محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟
تكمن أهمية المشاركة الأمريكية في الأسابيع المقبلة، لمنع حرب الظل بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة، إلى مواجهة أكبر، ما يؤجج التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية

ترجمات – السياق
مع تعثر قطار المفاوضات النووية الإيرانية في كل محطة يحط بها، أثيرت تساؤلات عن الخطوة التالية، أو ما يجب على أمريكا فعله، إذا فشلت تلك المحادثات، خاصة بعد أن سرعت طهران من برنامجها وباتت على أعتاب تطوير قنبلة ذرية.
تلك التساؤلات كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو الجاري إلى الشرق الأوسط، التي تأتي في لحظة حساسة.
ونشرت صحيفة فورين أفيرز، مقالًا مشتركـًا للمستشارة الخاصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز الحوار الإنساني ماريا فانتابي، وفالي نصر أستاذ للدراسات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، استعرضا فيه الخيارات الأمريكية، حال فشل المفاوضات النووية الإيرانية.
وقال الكاتبان: بينما تجرى محاولة أخيرة لإحياء المحادثات المتوقفة بين الولايات المتحدة وإيران لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وهي الصفقة التي تهدف إلى منع إيران من أن تكون قادرة على تطوير سلاح نووي، سرعت طهران برنامجها النووي، وأعلنت خطوات تصعيدية، بعد لوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لها، بسبب تعنُّتها مع المفتشين.
وتعهدت إسرائيل -منذ فترة طويلة- بأنها لن تتسامح مع إيران مسلحة نوويًا، وبدأت تعمل خارج المؤسسات المتعددة الأطراف لتحقيق هذا الهدف، فاغتالت علماء ومسؤولين عسكريين إيرانيين، وشنت هجمات جوية على أهداف إيرانية في سوريا، ووسعت من قدراتها الهجومية استعدادًا لهجمات جديدة على المواقع النووية والمنشآت العسكرية الإيرانية، بحسب المقال.
تحالف عسكري
وأشار الكاتبان إلى أن الخطوة الإسرائيلية تتزامن مع سعيها وعدد من الدول العربية إلى تحالف عسكري ضد إيران، يهدف لدمج تبادل المعلومات الاستخبارية وأنظمة الدفاع الجوي للقتال، لمواجهة التهديدات الجوية.
تطورات قال عنها كاتبا المقال بصحيفة فورين أفيزر، إنها تعمل على تقويض خطط واشنطن الخاصة بالشرق الأوسط، فإدارة بايدن جادلت بأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أفضل طريقة للسيطرة على برنامج إيران النووي، لكنه حال فشل ذلك، فإن طهران مستعدة لتبني نهج إسرائيل الحالي لاحتواء إيران.
وأشارا إلى أن ذلك النهج يستلزم زيادة تشديد الخناق الاقتصادي حول عنق إيران، من خلال إجبارها على الخروج من سوق النفط، ما يعني دعم أمريكا لإسرائيل في تنفيذ هجمات داخل إيران، وفي جهودها لنسج تحالف من الدول العربية.
وبحسب ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما، فإن الوضع الحالي شبيه بالسبعينيات، عندما كلف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، شاه إيران، بأمن الشرق الأوسط، وهو ما تفعله إدارة بايدن حاليًا، بتسليم مهمة احتواء إيران إلى إسرائيل.
إلا أنهما قالا إن هذا النهج «محفوف بالمخاطر»، فعلى عكس ما كان عليه قبل نحو 50 عامًا، فالشرطي المعين من الولايات المتحدة للمنطقة، لا يحاول تجنُّب الصراع لكنه الفاعل الإقليمي الأكثر وضوحًا، الذي يدفع باتجاه التصعيد.
وأكدا أنه يجب أن تتبنى واشنطن استراتيجية مختلفة، تهدف إلى تجنُّب الصراع من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي المعزز وتشجيع العلاقات الدبلوماسية القوية بين إيران والدول العربية، كسبيل لتقليل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.
الأخطبوط الإسرائيلي
وتقول ماريا فانتابي وفالي نصر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت يعتقد أن العودة إلى الاتفاق النووي ستمنح إيران المزيد من الموارد لمواصلة طموحاتها النووية والإقليمية، فكثف جهوده ليس فقط لتخريب البرنامج النووي الإيراني، لكن لتقويض إيران.
وأطلق بينيت العنان لما تسمى استراتيجية الأخطبوط ضد إيران، التي شملت التخريب والاغتيالات والحرب الإلكترونية والهجمات على العسكريين الإيرانيين والبنية التحتية، إضافة إلى حلفائها في العراق ولبنان وسوريا.
إلا أن ذلك النهج الجديد، الذي تجاوز استهداف المنشآت النووية للتركيز بشكل أوسع على إيران نفسها، كان أقل قابلية للتنبؤ به وأكثر عدوانية وتعقيدًا من الحملات الإسرائيلية السابقة، وهي أمور بنى بينيت عليها قدرات إسرائيل على حدود إيران، بحسب كاتبَي المقال.
وأعرب بينيت عن أمله بأن توفر اتفاقيات أبراهام ثقلًا إقليميًا موازنًا لإيران، بعد أن وسعت الاتفاقات نفوذ إسرائيل في الخليج العربي، من خلال الترتيبات الأمنية مع البحرين والإمارات، اللتين يشارك قادتهما إسرائيل في كثير من مخاوفها بشأن طموحات طهران النووية والإقليمية.
كما تشجع واشنطن مصر والأردن على تعميق العلاقات الأمنية مع إسرائيل، وتدعم الجهود المبذولة لإدخال السعودية في الاتفاقات، لترسيخ محور عربي لاحتواء إيران، في قضية من المحتمل أن تكون على جدول الأعمال، عندما يتحدث بايدن مع السعوديين في رحلته إلى الشرق الأوسط.
مباراة إيران الطويلة
إلا أنه بينما تهاجم إسرائيل، فإن إيران تسعى لكسب الوقت، من خلال تجنُّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، أملًا في تقوية برنامجها النووي، وتعزيز برنامج الصواريخ والطائرات من دون طيار، وتوسيع قدراتها العسكرية في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ويعتقد المسؤولون الإيرانيون أيضًا أنه إذا تمكنت إسرائيل من جر طهران إلى صراع أكبر، ستضطر إدارة بايدن إلى التدخل عسكريًا، بحسب ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما بـ«فورين أفيزر»، مشيرين إلى أن تصاعد الأعمال العدائية من شأنه زيادة احتمال أن يلقي المزيد من الدول العربية نصيبها مع إسرائيل.
ورغم ذلك فإن إيران تُظهر أيضًا استعدادًا متزايدًا لاستهداف المواقع الاستخبارية الإسرائيلية القريبة من حدودها، وزيادة التكاليف على الدول التي تسهل العمليات الإسرائيلية ضد إيران.
فبينما تلاحق إسرائيل أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، نفذت طهران تدريبات عسكرية على حدودها مع أذربيجان، وهاجمت أهدافًا في كردستان العراق.
كما ضغطت طهران على حلفائها العراقيين لإصدار قانون يجرِّم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويهدف إلى إبقاء العراق خارج دائرة نفوذ إسرائيل الآخذة في الاتساع والضغط أيضًا على حكومة إقليم كردستان شبه المستقلة، لتقليص تعاونها مع إسرائيل.
إحياء الصفقة النووية
في خضم هذه الاضطرابات المتصاعدة، يتفاوض أعضاء إدارة بايدن -بالتنسيق مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي- لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، بحسب ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما بـ«فورين أفيزر»، مشيرين إلى أن قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 أدى إلى تقصير الفترة الزمنية التي تحتاجها طهران لصنع قنبلة وتقوية يد المتشددين في إيران.
فمنذ عام 2018، باعت إيران النفط خلسة، وذهب الجزء الأكبر من تجارتها عبر الأسواق السوداء، ما سمح للحرس الثوري الإيراني ببيع حصته من النفط وبناء تكتلات اقتصادية، وأصبح لدى المؤثرين داخل الحرس الثوري الإيراني حافز قوي للدفاع ضد صفقة نووية جديدة، لأن عائدات إيران النفطية ستذهب مرة أخرى إلى الحكومة الإيرانية، ما يجعله مجبرًا على تقديم ميزانيته للرقابة.
وبحسب ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما بـ«فورين أفيزر»، فإن هذا التطور سيكون غير مرحب به بشكل خاص، في وقت يسعى فيه الحرس الثوري الإيراني إلى زيادة قدرته العسكرية، للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل.
وبينما حذر الكاتبان من أن الفشل في التوصل إلى اتفاق يزيد مخاطر التصعيد مع إسرائيل، إلا أنهما قالا إنه من المفارقات أن كلاً من إسرائيل والحرس الثوري الإيراني يعارضان الاتفاق النووي ويستعدان لصراع يلوح في الأفق.
طريق إلى الأمام
وبين هذا وذلك، تكمن أهمية المشاركة الأمريكية في الأسابيع المقبلة، لمنع حرب الظل بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة، إلى مواجهة أكبر، ما يؤجج التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية، ويؤدي إلى إطالة أمد الأزمات السياسية في العراق ولبنان.
خطوط حمراء
ولتجنُّب هذه النتائج، يجب على إدارة بايدن وضع خطوط حمراء مع الحكومة الإسرائيلية، والإصرار على حدود الهجمات الاستفزازية، وخطوط عريضة لاستراتيجية استقرار الشرق الأوسط لا تستند فقط إلى الاحتواء والمواجهة مع إيران، أو تأمين خفض قصير الأجل لأسعار النفط، بحسب ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما بـ«فورين أفيزر».
واقترح الكاتبان، إنشاء إطار دائم لمنع الصراع، مشيرين إلى أن الطريقة الأكثر فعالية لذلك إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران، لن تحقق ما يكفي لإرضاء إسرائيل، ولن توقف أنشطة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة، لكنها ستبقي على موقفها تجاه برنامج إيران النووي، بطريقة تجعل التحرك الإسرائيلي العاجل غير ضروري، ما من شأنه تقليل احتمال قيام إيران بأعمال انتقامية في المنطقة.
تحسين العلاقات مع الخليج
ويمكن أن يؤدي الاختراق أيضًا إلى تغيير علاقات إيران مع جيرانها الخليجيين، فطهران حاولت تعزيز علاقاتها مع الكويت وعمان وقطر، كما حرصت على تحسين العلاقات مع الرياض وأبوظبي.
وأشار ماريا فانتابي وفالي نصر في مقالهما بـ«فورين أفيزر»، إلى أن الاتفاق النووي سيضيف زخمًا لهذه المبادرة، في المقابل، من المرجح أن يؤدي المزيد من العقوبات والهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني إلى إيقافه في مساره، ما يضع المنطقة على مسار تصعيد خطير.
ورغم ذلك، فإنهما قالا إنه يمكن أن تكون المشاركة العربية الإيرانية الأكبر كابحًا لأنشطة إيران الإقليمية الأكثر عدوانية، حتى من دون اتفاق النووي، لكنها اشترطت وجود طريق حقيقي لتحسين العلاقات العربية الإيرانية.
وتقدم الدفعة المتزايدة من أجل علاقات دبلوماسية أقوى، بين إيران وجيرانها العرب، فرصة لواشنطن لإعادة توجيه الأمن الإقليمي، من خلال العمل من كثب مع الدول العربية- ليس فقط الموقعين على اتفاقيات إبراهام، لكن مع تلك التي لها مصلحة راسخة في الخليج العربي وأمن البحر الأحمر.
وختم ماريا فانتابي وفالي نصر مقالهما بـ«فورين أفيزر»، بقولهما إنه يمكن لواشنطن بناء دعم أوسع للسيطرة على التصعيد بين إسرائيل وإيران، وربط ضرورة احتواء إيران عسكريًا بتشجيع الدبلوماسية الإقليمية للتأثير في سلوكها.