مسؤول أميركي سابق: سياسة واشنطن تجاه الرياض وإيران لعبة محفوفة بالمخاطر
التزام بايدن بإحياء الاتفاق النووي، ليس فقط إشكالية من حيث كبح النشاط النووي الإيراني، لكنه يهدد أيضًا بتقويض جهوده لاستعادة العلاقات مع الرياض، التي أصبحت ذات أهمية متزايدة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية

ترجمات - السياق
"الولايات المتحدة تلعب لعبة محفوفة بالمخاطر مع السعودية وإيران" تحت هذا العنوان، سلَّط لورانس هاس، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، المسؤول السابق في البيت الأبيض، الضوء على السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه الرياض وطهران.
ومن المقرر أن يزور بايدن في 15 يوليو الجاري، المملكة العربية السعودية، حيث يلتقي العاهل السعودي الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، كما سيحضر في اليوم التالي قمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في جدة، ستشهد أيضًا حضور قادة مصر والأردن والعراق.
تأتي هذه الزيارة في سياق تحولات إقليمية ودولية مفصلية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بكل تداعياته اقتصاديًا ونفطيًا وجيوسياسيًا، ولكن أيضًا في سياق مخاوف المنطقة من محاولة إيران توسيع نفوذها إقليميًا، ومحاولات تطوير برنامجها النووي، حيث باتت على مقربة من إنتاج سلاح نووي، مع تعثر المفاوضات بشأن عودة اتفاق 2015.
فرصة ذهبية
استهل هاس، مقاله بصحيفة ذا هيل الأمريكية، مستشهدًا بما كتبه خالد السليمان -كاتب عمود سعودي- عن رحلة بايدن المقبلة إلى المملكة العربية السعودية، حيث قال: "هذه القمة قد تكون فرصة ذهبية للرئيس الأمريكي لاستعادة إيمان دول المنطقة بأمريكا باعتبارها حليفًا جديرًا بالثقة".
وحذر السليمان من أن "البديل هو أن هذه الدول ستغير بالفعل خريطة تحالفاتها الدولية، من أجل حماية مصالحها وتعزيز قدراتها أمام تهديدات إيران، التي لا تكف عن إشعال النيران والحروب في المنطقة".
وقال هاس: "بينما كانت الرياض تخطط للحصول على تأكيدات من بايدن، بأن واشنطن لا تزال شريكًا موثوقًا به في مواجهة التوسع الإقليمي لإيران، التقى المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون في الدوحة على أمل إحياء الاتفاق النووي العالمي لعام 2015 مع إيران، وهي الصفقة نفسها التي تعارضها الرياض".
وأوضح أن الرياض ترى أن الاتفاق النووي لعام 2015، لن يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية على المدى الطويل، كما أن هذه الاتفاقية لن تفعل شيئًا لكبح رعاية طهران لعدد من المنظمات الإرهابية التي تزعزع استقرار المنطقة.
أما بالنسبة لواشنطن، فيرى الكاتب أن إدارة بايدن أمام معادلة صعبة، فهي تريد طمأنة "الدولة زعيمة الدول العربية السُّنية التي تسعى لاحتواء إيران"، وفي الوقت ذاته تريد "التوصل إلى تسوية نووية مؤقتة مع إيران".
وحذر من أن الخطر الأكبر أمام الولايات المتحدة، أن تخسر المعادلة -على الجبهتين- بأن تفشل في إحياء الاتفاق النووي، وتغذي المزيد من المخاوف في الرياض، بما قد يدفعهم لإعادة النظر في اعتمادهم على واشنطن للأمن الإقليمي.
مشهد معقد
ورأى هاس أن بايدن يواجه مشهدًا عالميًا مُعقدًا بشكل غير عادي، وهو ما أجبره على التراجع عن تعهداته بداية حكمه (بجعل السعودية منبوذة)، إذ يأمل إقناع السعودية ودول الخليج بزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار في السوق العالمية.
وأشار إلى أن العقوبات غير المسبوقة، التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها على روسيا، إلى جانب الترسانة العسكرية المتنامية التي أرسلوها إلى أوكرانيا، لم تجبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعادة التفكير في العدوان الذي زعزع النظام العالمي.
وبيّن أن الجيش الروسي يحرز تقدمًا في الاستيلاء على الأراضي بالمنطقة الشرقية لأوكرانيا، بينما يقصف المواقع المدنية على أمل إضعاف معنويات الأوكرانيين ودفع كييف إلى الاستسلام.
علاوة على ذلك -يضيف الكاتب- أدت العقوبات المفروضة على قطاع النفط الروسي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن ذلك تزامن مع قرارات من قِبل الصين والهند لشراء المزيد من النفط الروسي، ما مكّن موسكو من جني أموال من مبيعات النفط، أكثر مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا.
في الوقت نفسه -حسب الكاتب- يضطر المستهلكون الأمريكيون إلى دفع المزيد من الأموال لضخ سياراتهم بالبنزين، ما يساعد في زيادة الضغوط التضخمية التي دفعت مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير، لافتًا إلى أن هذه الخطوة، بدورها، تهدد بركود كبير في الولايات المتحدة.
وأمام هذه الضغوط، يؤكد هاس، أنه ليس من المستغرب أن يأمل بايدن إقناع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بزيادة إنتاج النفط على أمل خفض الأسعار ، خصوصًا مع اقتراب انتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، في محاولة لمنح نفسه وحزبه الديمقراطي دفعة سياسية.
إثبات الاهتمام
وبيّن هاس، أنه أمام التحول في سياسة بايدن تجاه السعودية، كتبت صحيفة الرياض السعودية في افتتاحية لها أنه يجب على إدارة بايدن أن تثبت أن اهتمامها بدول الخليج ليس مجرد ظرف تفرضه الحاجة إلى النفط، وأن عليها أن تثبت بالأفعال أنها لا تزال ملتزمة بأمن الخليج، وأن تدرك أيضًا أن دول الخليج لديها حاجات ملحة يجب أخذها في الاعتبار.
وأضاف: "كما اشتكى السعوديون ودول الخليج الأخرى وإسرائيل، بلا هوادة، من أن إحياء الصفقة لن يفعل شيئًا لتقييد برنامج إيران للصواريخ البالستية ذات الصلة بالأسلحة النووية، أو إجبار طهران على تغيير سلوكها الإقليمي".
كما أنه -حسب الكاتب- لن يجبر الاتفاق المسؤولين الإيرانيين على التعاون مع المفتشين النوويين، أكثر مما فعلوا قبل أن يسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الصفقة عام 2018.
وأشار إلى أنه بعد أن وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية -المؤلف من 35 دولة- بأغلبية ساحقة، على قرار ينتقد إيران لعدم تقديمها ما يفسِّر وجود آثار لليورانيوم في ثلاثة مواقع لم يُعلن عنها، ردت طهران بأنها ستفصل 27 كاميرا في المواقع ذات الصلة بالمجال النووي، كانت مصممة لمراقبة امتثالها للاتفاق النووي.
وهو ما علَّق عليه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي بالقول: تلك الكاميرات ستزال من المواقع النووية، ومنها في نطنز وأصفهان وطهران وغيرها، محذرًا من خطورة تلك الخطوة، قائلًا إن إزالة الكاميرات تعني أن طهران يمكن أن تنتج أجهزة طرد مركزي من دون أن نعرف، وهذا يعني شفافية أقل، ولفت إلى أن السلطات الإيرانية أزالت معدات إضافية للمراقبة، نص عليها اتفاق فيينا عام 2015.
وختم هاس مقاله: "بشكل عام، فإن التزام بايدن بإحياء الاتفاق النووي، ليس فقط إشكالية من حيث كبح النشاط النووي الإيراني، لكنه يهدد أيضًا بتقويض جهوده لاستعادة العلاقات مع الرياض، التي أصبحت ذات أهمية متزايدة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية".