واشنطن بوست: حرب أوكرانيا تدفع الصومال نحو المجاعة
تفاقمت كارثة الجوع في الصومال، بسبب صراع يبعد 3000 ميل، إذ يُغذي الغزو الروسي لأوكرانيا المجاعة في الصومال ودول أخرى، ويؤدي إلى الموت والمرض وتفكك الأسر وفُقدان سبل العيش، رغم عدم ارتباطها بشكل مباشر بالحرب

ترجمات - السياق
يواجه أكثر من 7 ملايين صومالي -نحو نصف عدد السكان- انعدامًا في الأمن الغذائي، مع وجود ما يقرب من 250 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة الوشيكة، الأمر الذي اضطر العديد من العائلات إلى النزوح بسبب أسوأ موجة جفاف تتعرض لها المنطقة منذ نحو 40 عامًا، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وتمثل هذه الأرقام زيادة بمقدار الضعف، منذ بداية العام في عدد الذين يواجهون مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي، بسبب الجفاف.
وفي بيان مشترك، أكدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، أن تأثير الجفاف الذي طال أمده يستمر في تدمير الأرواح وسبل العيش، كما أن الحاجات المتزايدة تفوق الموارد المتاحة للمساعدة الإنسانية، ودعت الوكالات إلى ضخ الأموال على الفور، للتمكين من زيادة المساعدة المنقذة للحياة في الصومال.
كانت آخر مرة ضربت مثل هذه المأساة الإنسانية الصومال عام 2011، عندما تسببت المجاعة في وفاة أكثر من ربع مليون شخص.
أطفال جياع
وروت "واشنطن بوست" قصة فتاة تدعى (أمينة عبدي) -تبلغ من العمر 5 سنوات- غير قادرة على المشي، وترقد في حالة انهيار على رمال الصحراء بلا حراك تحت حرارة الشمس المحرقة، مشيرة إلى أنها لم تأكل منذ أسبوع، حتى تحول جسدها الصغير إلى هيكل عظمي، وبات جلدها يتقشر من سوء التغذية.
وذكرت الصحيفة، أن والدة أمينة، وتدعى هودان محمد سياد، ظلت تهز جسدها، بحثًا عن دقات قلبها، أملًا بأنها مازالت على قيد الحياة، ثم قالت وهي تبكي، وكأن صوتها قد حُشر في جوفها: "لم تعد تتحرك".
وتؤكد الصحيفة الأمريكية أن أمينة واحدة من مئات الأطفال الذين ماتوا من الجوع في الأسابيع الأخيرة، ومن ضحايا أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ أربعة عقود، وسط مجموعة من الأزمات التي وضعت الصومال مرة أخرى على شفا المجاعة.
وأشارت إلى أن الأسباب التي أوصلت البلاد إلى هذا المصير السيئ، تعود إلى ندرة الأمطار التي تفاقمت بسبب تغيُّر المناخ، والنزاعات المستمرة هناك، وانتشار الأمراض، وتفشي جائحة كورونا، وزيادة الجراد.
غزو أوكرانيا
وأمام هذه الأسباب، بينت "واشنطن بوست" أن هناك سببًا آخر غير مرتبط بالمنطقة، لأزمة المجاعة التي تضرب الصومال، ودول القرن الإفريقي.
وقالت: "عكس كوارث المجاعات السابقة، تفاقمت هذه الكارثة بسبب صراع يبعد 3000 ميل، إذ يُغذي الغزو الروسي لأوكرانيا المجاعة في الصومال ودول أخرى، ويؤدي إلى الموت والمرض وتفكك الأسر وفُقدان سبل العيش، رغم عدم ارتباطها بشكل مباشر بالحرب".
وأشارت إلى أنه قبل الغزو، كانت أوكرانيا وروسيا من أكبر منتجي ومصدري الحبوب وزيت الطهي والأسمدة في العالم، وقدمتا معًا تقريبًا كل القمح الصومالي، لافتة إلى أن تعطل النفط الخام من روسيا، أدى إلى ارتفاع تكاليف الوقود والنقل وإنتاج الغذاء.
وكشفت أن أسعار المواد الغذائية، وصلت لمستويات قياسية بسبب الجفاف والوباء هناك، واستمرار روسيا في إغلاق طريق التصدير الرئيس لأوكرانيا عبر البحر الأسود.
ونقلت الصحيفة عن محمود محمد حسن، المدير القُطري لجمعية إنقاذ الطفولة في الصومال، قوله: "الأزمة الآن أسوأ من أي وقت آخر على مدى السنوات الماضية، بسبب الأثر المُركب للحرب في أوكرانيا"، محذرًا من أن المجتمع الصومالي على حافة الانهيار.
وذكرت الصحيفة أن وزارة الدفاع الروسية عرضت الشهر الماضي، منح حرية المرور للسفن التي تحمل حبوبًا أوكرانية وسلعًا أخرى، ولكن بشرط رفع العقوبات الغربية أولاً، وهو ما رفضته الدول الغربية.
وأمام ذلك، رأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن روسيا يجب أن تُحاسب إذا واصلت عرقلة تصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم، واصفًا الأمر بأنه "جريمة حرب".
وأضاف بوريل: "لا يمكن للمرء أن يتخيل أن ملايين الأطنان من القمح لا تزال محتجزة في أوكرانيا بينما يعاني الناس في بقية العالم الجوع، هذه جريمة حرب، لذا لا أتخيل أن ذلك سيستمر فترة أطول، وإلا سيكون أمرًا تتحمل روسيا مسؤوليته... لا يمكن استخدام جوع الناس سلاح حرب".
ووفقًا للأمم المتحدة، يواجه أكثر من 18.4 مليون شخص في الصومال وإثيوبيا وكينيا انعدامًا في الأمن الغذائي، بينهم نحو 7.1 مليون من الصوماليين -ما يقرب من نصف سكان البلاد- مع نحو 250 ألف معرضون لخطر المجاعة الوشيكة.
وأشارت الأمم المتحدة -في بيان سابق- إلى أن العديد من المجتمعات في هذه الدول لم تتعاف من الجفاف الأخير عام 2017 أو المجاعة الأخيرة عام 2011.
الفرار بحثًا عن حياة
وبينت "واشنطن بوست" أنه في الربع الأول من هذا العام، فر أكثر من نصف مليون صومالي من منازلهم بحثًا عن الطعام، مشيرة إلى أن ذلك "تدفق لليأس يتزايد كل يوم".
ونقلت عن صندوق الأمم المتحدة للأطفال (يونسيف) تأكيده أن أطفال الصومال هم الأكثر ضعفًا بين أطفال العالم، مشيرًا إلى أن نحو 1.4 مليون تقل أعمارهم عن 5 سنوات يواجهون سوء تغذية.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة 448 وفاة للأطفال في مراكز علاج سوء التغذية، من يناير إلى أبريل الماضيين.
ومع ذلك، قال موظفو الأمم المتحدة إن العدد أعلى من ذلك بكثير، لأن العديد من الوفيات لا تُحصى.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن العديد من الأطفال يموتون في منازلهم -في القرى التي يخشى عمال الإغاثة الذهاب إليها- نتيجة الجوع والأمراض ذات الصلة مثل الحصبة والكوليرا، لافتة إلى أنه غالبًا ما يتم دفنهم في قبور جماعية في الصحراء أو في مخيمات للنازحين.
وكشفت أنه خلال ثلاثة أيام فقط، توفي نحو 17 طفلًا نتيجة سوء التغذية، إلا أنه لم يتم الإبلاغ عن هذه الحالات للسلطات المحلية، مشيرة إلى أن عائلة واحدة دفنت ثلاثة أطفال على طول الطريق خلال انتقالها هربًا من الجفاف.
وقال عبدي محمد، 60 سنة، وهو مزارع ضعيف كان يقود المجموعة المكونة من 56 أسرة: "لقد دفنا ثلاثة أطفال على طول الطريق، حيث توفي طفلان، كلاهما يبلغ من العمر عامًا، ثم توفي طفل آخر يبلغ من العمر عامين في اليوم التالي".
موت محقق
وبالعودة إلى سرد مصير (هودان محمد سياد) وابنتها، بينت "واشنطن بوست" أن الأم حملت جثة ابنتها إلى قرية مجاورة، ثم قامت قلة من النساء بغسلها ودفنها وفق التقاليد الإسلامية.
وأشارت إلى أن الأم البالغة من العمر 40 عامًا لا يزال لديها ستة أطفال تتمنى إنقاذهم من الموت المحقق، لافتة إلى أنه بعد يومين، وصلت عائلتها إلى (دولو)، وهي بلدة حدودية تقع على حافة إثيوبيا تعد نقطة جذب لعشرات الآلاف من الذين يسعون للحصول على المساعدة من وكالات الإغاثة الغربية والمحلية المتمركزة هناك.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولي المساعدات بالأمم المتحدة قولهم: إن الحرب في أوكرانيا أضرت كثيرًا بالمساعدات الإنسانية، إذ إنه من أصل 1.5 مليار دولار تقول الأمم المتحدة إنها ضرورية لمساعدة الفئات الأكثر ضعفًا في هذا البلد، قدَّم المانحون نحو 18 في المئة فقط.
وقال عبدالرحمن عبد الشكور وارسامي، مبعوث الشؤون الإنسانية الصومالى: "إن التوترات الجيوسياسية تحدد دائمًا الأولويات الدولية"، مشيرًا إلى أن أوكرانيا جذبت انتباه المجتمع الدولي، خصوصًا المانحين الغربيين، ومن ثمّ فإن أغلبية الدول لا تولي اهتمامًا بالأزمة الصومالية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة أكبر مانح للصومال حتى الآن، لافتة إلى أنه عندما سُئل السفير الأمريكي لاري أندريه عن نقص عمليات المساعدة، قال: إن واشنطن زادت مؤخرًا مساعداتها للمنطقة بـ 105 ملايين دولار.
ورغم ذلك فإن مسؤولي الأمم المتحدة والصومال يقولون: إن هناك حاجة إلى المزيد.
وبينت الصحيفة، أنه بالمقارنة في عملية المساعدات، فإن الكونغرس وافق الشهر الماضي على 7.5 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا.
بينما قالت إيزانا كاسا، رئيسة برنامج الصومال لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: "لدينا جميع الآليات، لكن لا توجد موارد، لدينا سيارة من دون وقود، وبذلك من الصعب جدًا فعل أي شيء".
اختيار صعب
وحسب "واشنطن بوست" لا يزال مئات الآلاف من الصوماليين في القرى محاصرين بسبب النزاعات وعوامل الطبيعة، حيث تسيطر حركة الشباب على العديد من المناطق الريفية، وهي جماعة إسلامية متشددة تقاتل الحكومة وداعميها الغربيين منذ عقد.
وبحسب الفارين -الذين تحدثوا للصحيفة الأمريكية- فإن القليل من الطعام الذي يُزرع في تلك المناطق يخضع لضرائب شديدة من قِبل المسلحين، بينما ترى وكالات الإغاثة أن الوصول إلى المجتمعات التي تسيطر عليها حركة الشباب محفوف بالمخاطر، خوفًا من الهجمات أو عمليات الخطف.
وأمام ذلك، تضطر بعض العائلات الفارة إلى اتخاذ خيارات صعبة جدًا، كترك بعض أبنائها، إذ تقول حليمة حسين (31 عامًا) للصحيفة الأمريكية: "تركت خمسة من أطفالي ورائي، خوفًا من ألا ينجو من الرحلة ويموتوا من الجوع"، مشيرة إلى أنها فضَّلت بقاءهم في القرية مع أقاربهم، لأنها لم تستطع حملهم جميعًا.