هل يحتوي الغرب حركة طالبان؟
تداعيات الأزمات الاقتصادية والإنسانية، التي تشهدها أفغانستان، لن تنحصر داخل حدودها، بل ستمتد لتشمل الإقليم والعالم، وستسمح للجماعات الإرهابية بإعادة تأسيس نفسها في البلاد.

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة فورين أفيرز، عن الطريقة التي يجب بها أن يحتوي بها الغرب، حركة طالبان أفغانستان، بعد عام من سيطرتها على البلاد، بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي منتصف أغسطس 2021، مشددة على ضرورة احتواء المعتدلين داخل الحركة، في محاولة لبسط الأمن في البلد الآسيوي، الذي يعاني اقتصاديًا بشكل متزايد.
وبينت المجلة، أنه بينما يمكن تحميل حكومة طالبان مسؤولية العديد من الأزمات التي تتعرض لها أفغانستان، فإن سياسات المجتمع الدولي تجاه كابل، زادت الأمر سوءًا، لا سيما قرار المجتمع الدولي بالانسحاب من مشروعات التنمية، وتجميد 9 مليارات دولار من الأصول المملوكة لأفغانستان ومواطنيها في الخارج.
وأفاد برنامج الأغذية العالمي، بأنه مع النقص الحاد في الغذاء، وتزايد الأسعار بشكل مبالغ فيه، فإن أكثر من نصف السكان الأفغان "يقتربون من مجاعة محققة"، حيث يتعرض 97 في المئة من السكان لخطر الوقوع تحت خط الفقر بحلول نهاية عام 2022.
وفي الوقت نفسه -حسب المجلة- أصبحت الحكومة الأفغانية، مع حرمانها الشديد للنساء - فتيات أكبر من 12 عامًا من الالتحاق بالمدارس- الأكثر قمعًا ومعاداة للنساء في العالم.
ويشعر خبراء الاستخبارات الغربية بالقلق أيضًا من أن البلاد أصبحت ملاذًا للجماعات الإرهابية مرة أخرى، خصوصًا بعد الكشف عن إيواء الحركة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي اغتالته طائرة أمريكية من دون طيار في العاصمة كابل قبل أيام.
كوارث
وبينّت "فورين أفيرز" أنه بعد مرور عام على حكم طالبان، من المؤكد أن قادة البلاد الجدد يتحملون مسولية هذه المشكلات، خصوصًا أنه بعد أن استولت الحركة المتشددة على كابل، أتيحت لها فرصة غير عادية للتخلي عن بعض سياساتها الأكثر تطرفًا مقابل درجة معينة من الدعم الدولي، إلا أنها أهدرت عددًا من المبادرات برفضها رفع الحظر عن التعليم الثانوي للفتيات، أو اتخاذ خطوات للحكم بطريقة أكثر شمولية.
وحسب المجلة أيضًا، من الأمور التي تكشف لأي مدى تتحمل الحركة مسؤولية ما آلت إليه الأمور في أفغانستان، فشل النظام في التعامل بشكل حاسم مع المنظمات الإرهابية الدولية مثل تنظيم القاعدة، ووصل الأمر حد استضافة الظواهري، وهو ما أدى إلى زيادة إحباط القادة الغربيين وجيران أفغانستان، الذين طالبوا حكومة طالبان بمطابقة أقوالها بالأفعال، وعدم التواصل مع هذه الحركات الإرهابية، كما سبق أن وعدت بداية توليها السلطة قبل عام.
وترى المجلة، أن ما سمتها "ويلات أفغانستان" تتجاوز مجرد سيطرة طالبان على السلطة، مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادي تفاقم بشكل كبير بسبب قرار المجتمع الدولي بالانسحاب من مشاريع التنمية وتجميد 9 مليارات دولار من الأصول المملوكة لأفغانستان ومواطنيها.
إلا أن المجلة الأمريكية تعتقد أن العديد من مشكلات البلاد بدأت قبل وقت طويل من انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2021، لافتة إلى أن تدهور الأوضاع في أفغانستان نتاج تراكم كوارث أكثر من أربعة عقود، من صراع وسوء إدارة اقتصادية، إضافة إلى جائحة كورونا، والآثار المتفاقمة لتغير المناخ، مشيرة إلى أهمية إنقاذ البلاد من الانهيار، الأمر الذي يتطلب معرفة جذور الأزمات التي تواجهها أفغانستان، فضلًا عن وضع مناهج جديدة ومبتكرة للتعامل مع حكومة طالبان.
تحدٍّ مُلح
ورأت "فورين أفيرز" أن ما سمته -التحدي المُلح- الآن يتمثل في ضرورة منع البلاد من الانهيار على نطاق أوسع، مشيرة إلى أنه رغم أن الجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية الأساسية ساعدت أفغانستان في تجنُّب أسوأ النتائج في الشتاء الماضي، فإنه من المتوقع أن تواجه البلاد مأزقًا كئيبًا مماثلًا في وقت لاحق من هذا العام.
وبينّت أنه على عكس الافتراضات الشائعة بأن قيادات الحركة متجانسون تمامًا، فإنهم لا يتفقون في كثير من الأمور والمواقف، مشيرة إلى أن التصدعات بدأت الظهور فور سقوط كابل وانسحاب الولايات المتحدة قبل عام.
وفي سياق متصل، أشارت المجلة إلى تباين التوجهات داخل حركة طالبان، فبينما تتبنى الأجيال الكبيرة في الحركة اتجاهًا محافظًا عازمًا على تطبيق عقيدة طالبان، مثل حظر تعليم الفتيات، فإن القادة الأصغر سنًا بدأوا تبني نهج أكثر "براغماتية"، سواء داخل أفغانستان أم خارجها من خلال الانفتاح بشكل أكبر على العالم، لا سيما في ظل قناعتهم بأن بقاءهم في السلطة يعتمد على الدعم المحلي، من حيث عدم إهمال مصالح الأقليات والمناطق الحضرية، فضلًا عن تقديم بعض التنازلات للحصول على الاعتراف الدولي.
وحسب المجلة فإن (الجناح الأكبر سنًا والأكثر محافظة في الحركة) يتزعمه زعيم طالبان السر ، مولوي هيبة الله أخون زاده، ودائرته الداخلية، المكونة في الغالب من ملالي القرى وحفنة من الوزراء المحافظين.
وأوضحت أنه "من مقره في معقل طالبان بقندهار، في الجنوب، أظهر مولوي هيبة الله وأتباعه ميلًا لاتخاذ موقف أكثر تحفظًا بشأن القرارات السياسية الرئيسة، بما في ذلك حقوق المرأة والتعليم الثانوي للفتيات".
بينما في المقابل، قادة مثل الملا عبدالغني بردار، نائب رئيس الوزراء، أحد الأعضاء المؤسسين للحركة، إلى جانب قادة طالبان الأصغر سنًا بمن فيهم "الأمراء" سراج حقاني، وزير الداخلية بالإنابة، والملا يعقوب مجاهد، وزير الدفاع بالإنابة وابن مؤسس الحركة، بدأوا تحدي هذا النهج، وإن كان على انفراد.
وألمحت المجلة، إلى أنه رغم أن معظم هذه الشخصيات التزمت الصمت بشأن خلافاتهم السياسية مع القيادة المحافظة، فإن مؤيديهم ووكلاءهم من جميع أنحاء البلاد - قادة من الدرجة الثانية وكذلك القادة الدينيون- تقدموا وتحدوا قرارات مثل حظر تعليم الفتيات.
علاوة على ذلك، استمر العديد من القادة المحليين -مدعومين بموقف هؤلاء القادة- في السماح بهدوء بتعليم الفتيات الثانوي في ما يقرب من ثلث البلاد، متحدين بشكل مباشر المرسوم الصادر عن قندهار.
صعود البراغماتيين
وفي ضوء ذلك، ترى "فورين أفيرز" أن افتقار الحركة إلى استراتيجية للتعامل مع التباينات الفكرية داخلها، من شأنه إفساح المجال لترقي القيادات الأصغر سنًا من البراغماتيين بطريقة تدريجية، وليس من خلال انقلاب، ما يوفر فرصًا جديدة للولايات المتحدة وحلفائها لتبني نهج إيجابي تجاه أفغانستان.
على صعيد آخر، أشارت المجلة إلى أن تطوير استراتيجية أمريكية أفضل للتعامل مع حركة طالبان، يتطلب إدراك مسببات الأزمة في أفغانستان، التي ترتبط في جزء كبير منها بتمكين واشنطن لحكومات فاسدة، أهدرت مليارات الدولارات من المساعدات الغربية، فضلًا عن عدم تبني واشنطن لخطة واضحة في أفغانستان.
وأوضحت أنه لما يقرب من عقدين من الزمن، عالجت الولايات المتحدة المعضلة الأفغانية من دون أن تتبنى رؤية أكبر للبلاد.
وأضافت أن الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان، حرم الجيش الأفغاني من الدعم الوظيفي والتخطيط الاستراتيجي، ومن ثمّ، انهار سريعًا بعد الانسحاب، ما ألقى بالعديد من التداعيات السلبية على الداخل الأفغاني، حيث أفادت بعض التقارير بعودة الجماعات الإرهابية الأكثر خطورة إلى أفغانستان، التي تتسامح حركة طالبان مع وجودها، بسبب ما يجمعها من علاقات تاريخية، وهو ما يُنذر بتزايد الأنشطة الإرهابية لتلك الجماعات، لا سيما في ظل ارتفاع البطالة بين الشباب الأفغان، ما يجعلهم عرضة للتجنيد من تلك الجماعات المتطرفة.
ورأت أن تداعيات الأزمات الاقتصادية والإنسانية، التي تشهدها أفغانستان، لن تنحصر داخل حدودها، بل ستمتد لتشمل الإقليم والعالم، وستسمح للجماعات الإرهابية بإعادة تأسيس نفسها في البلاد، ما ينتج عنه أزمة لاجئين جديدة في أوروبا، ستتصادم مع التوجهات الأوروبية المتصاعدة والمعادية للأجانب، الأمر الذي ينذر بزعزعة استقرار الدول الأوروبية.
وخلصت المجلة، إلى أهمية استمرار تعامل الغرب والولايات المتحدة مع حكومة طالبان، حتى تؤتي المبادرات الأمريكية والأوروبية والتابعة للأمم المتحدة ثمارها، إلى جانب تجنُّب كارثة إنسانية، مشددة على أهمية وضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات وبناء الثقة بين الغرب وطالبان، تتضمن اعترافًا دوليًا محدودًا بحكومة طالبان، مقابل عملها على إحراز تقدم في القضايا الرئيسة، مثل حقوق المرأة والأقليات.