نيويورك تايمز: سباق أوروبا لتأمين مصادر طاقة جديدة على حافة السكين

الخطر الأكبر في الوقت الحالي هو انفجار أسعار الطاقة المنزلية قبل الشتاء، ما يمثل كارثة للأوروبيين.

نيويورك تايمز: سباق أوروبا لتأمين مصادر طاقة جديدة على حافة السكين

ترجمات – السياق 

رأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن سباق أوروبا لتأمين مصادر طاقة جديدة، بعيدًا عن الغاز الروسي -حال انقطاعه- يتجاوز الحلول قصيرة الأجل لحل الأزمة، و(كأن الأمر على حافة السكين)، مشيرة إلى أن المخاوف تتزايد من أن يؤدي قطع الغاز الروسي إلى تقنين الوقود وإغلاق المصانع، ما يعرِّض آلاف الوظائف للخطر.

وتسببت أنباء انخفاض تدفقات الغاز الطبيعي، بقفزة في السعر المرتفع بالفعل في أوروبا، إلى أرقام لم يشهدها العالم، منذ الأيام التي الأولى التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي.

وبينت الصحيفة أنه بينما تشدد روسيا قبضتها على إمدادات الغاز الطبيعي، تبحث أوروبا في كل مكان عن الطاقة، للحفاظ على استمرارية اقتصادها، عن طريق (إحياء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وإنفاق المليارات على المحطات لجلب الغاز الطبيعي المسال، والكثير منه من الحقول الصخرية في تكساس، بينما يتوجه المسؤولون ورؤساء الدول إلى قطر وأذربيجان والنرويج والجزائر، لوضع اللمسات الأخيرة على صفقات الطاقة.

خطر شديد

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن المخاوف تتزايد في أوروبا، من أن يجبر قطع الغاز الروسي، الحكومات على ترشيد الوقود، والشركات لإغلاق المصانع، وهي خطوات قد تعرض آلاف الوظائف للخطر.

وأشارت إلى أنه "حتى الآن، حقق البحث عن الوقود نجاحًا كبيرًا، لكن مع استمرار ارتفاع الأسعار وعدم ظهور أي بوادر للتراجع عن التهديد الروسي، فإن هامش الخطأ ضئيل".

ونقلت الصحيفة عن مايكل ستوبارد، كبير الاستراتيجيين لأسواق الغاز العالمية في مؤسسة آى إتش إس ماركت، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة، قوله: "هناك قلق كبير ومشروع للغاية بشأن هذا الشتاء"، في إشارة إلى المخاوف من أن تلجأ روسيا لقطع الغاز عن أوروبا، وهو ما يعرضها لمشكلات لا حصر لها، أبرزها إيقاف المصانع وتشريد العمال.

وحسب الصحيفة، فإنه بعد خمسة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، تجد أوروبا نفسها في خِضم تحول متسارع لا رجوع فيه لكيفية حصولها على طاقتها لتدفئة المنازل وتبريدها، ودفع الأعمال التجارية وتوليد الطاقة، مشيرة إلى أن التحول طويل الأجل إلى المزيد من مصادر الطاقة المتجددة طغى عليه صراع قصير الأجل للتغلب على الشتاء المقبل.

وأشارت إلى أن كمية الغاز الطبيعي القادمة من روسيا -التي كانت ذات يوم أكبر مصدر للوقود في أوروبا- أقل من ثلث ما كانت عليه قبل عام.

ونوهت إلى أن غاز بروم -شركة الطاقة الروسية العملاقة- خفضت بالفعل التدفقات بشدة على خط أنابيب نفط رئيس من روسيا إلى ألمانيا، ما دفع أسعار العقود الآجلة للغاز الأوروبي إلى مستويات قياسية.

وأعلنت "غازبروم" الروسية -الأربعاء الماضي- وقف عمل توربين آخر من طراز "سيمينز"، لإجراء صيانة دورية عليه، وربطت أي تعديل للكميات بإصلاح توربينات الضخ، بالتزامن مع اعتماد اتفاق أوروبي على خفض طارئ لاستهلاك الغاز الروسي.

وجراء هذه الخطوة، سينخفض -مجددًا- حجم الضخ اليومي للغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب "نورد ستريم1" إلى 31 مليون متر مكعب يوميًا، من أصل 60 مليون متر مكعب، وفقًا لشركة غازكاد المشغلة لخط أنابيب "نورد ستريم1".

وبعد يوم واحد من إعلان شركة غازبروم وقف عمل التوربين، دعا الاتحاد الأوروبي إلى خفض بنسبة 15 في المئة من استخدام الغاز في جميع أنحاء الكتلة.

مصادر بديلة

ورأت "نيويورك تايمز" أن هذا الابتعاد عن الغاز الطبيعي الروسي، لا يمكن تصوره بعد عقود طويلة من احتضان الغاز السيبيري، الذي يتم تسليمه عبر خطوط الأنابيب التي تمتد آلاف الأميال، يرسل صدمات عبر المصانع، ويجبر الحكومات على البحث عن مصادر وبدائل للطاقة.

ووفقًا لجاك شاربلز، الزميل في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، فإن الجهود متعددة الجوانب لاكتشاف بدائل للغاز الروسي، عوَّضت إلى حد كبير النقص، مشيرًا إلى أنه رغم تخفيضات "غازبروم"، فإن إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا في النصف الأول من عام 2022 كانت تقريبًا كما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.

وأشارت الصحيفة، إلى أن الممثل الرئيس في هذه العودة هو الغاز الطبيعي المسال، الذي يتم تبريده إلى شكل سائل مكثف ونقله عبر السفن.

ويتداول الغاز الطبيعي المسال مع الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا كمصدر رئيس للوقود في أوروبا.

وحسب الصحيفة "يأتي ما يقرب من نِصف العرض الجديد من الغاز المسال، من الولايات المتحدة، التي أصبحت هذا العام أكبر مصدر للوقود في العالم".

ومع اقتراب نهاية العام، تمارس الدول الأوروبية ضغوطًا على شركات الطاقة، لملء كهوف الملح ومرافق التخزين الأخرى بالغاز، لتوفير هامش أمان، في حال إغلاق روسيا خطوط الأنابيب.

وارتفع مخزون الغاز في أوروبا إلى قرابة 67 في المئة من إجمالي السعة، بزيادة أكثر من 10 نقاط مئوية عن العام الماضي.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن هذه المستويات تسبب بعض الراحة من أن الدول الأوروبية يمكن أن تصل إلى شيء قريب من هدف الاتحاد الأوروبي البالغ 80 في المئة قبل الشتاء.

الفشل يلاحق أوروبا

وتؤكد "نيويورك تايمز": رغم هذه الجهود التي تبذلها أوروبا، لضمان تعويض أي نقص في الغاز الروسي، فإن المخاوف تتزايد، وهناك أسباب قد تؤدي إلى فشل الجهود الأوروبية، مع اقتراب موسم الشتاء والطقس الأكثر برودة.

ونقلت الصحيفة عن عدد من المحللين، قولهم: روسيا تدرك جيدًا حملة الاتحاد الأوروبي لتخزين ما يكفي من الغاز لدرء انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء، وتريد عرقلة ذلك من خلال التسبب في تضاؤل ​​تدفق خطوط الأنابيب.

إضافة إلى المخطط الروسي، قد تواجه أوروبا بعض المشكلات في الطقس، تعيق نقل الغاز من النرويج، وبعض الدول الأخرى مثل الجزائر، خصوصًا مع تزايد احتمال تعرض القارة لأعاصير شديدة هذا العام.

ويقول ماسيمو دي أودواردو، نائب رئيس قسم أبحاث الغاز الطبيعي المسال في شركة وود ماكينزي ليمتد للاستشارات: في السيناريو الأسوأ المتمثل في إغلاق خط أنابيب نورد ستريم إلى ألمانيا، فإن أوروبا لن تتمكن من الوصول إلى مستويات التخزين التي أمر بها الاتحاد الأوروبي مع بدء موسم التدفئة في نوفمبر، ويمكن أن تواجه المنطقة نفاد المخزونات تمامًا بحلول يناير.

وأضاف دي أودواردو: "حال التفكير في إجراءات مضادة، ربما يكون من الحتمي أنه سوف تكون هناك حاجة لتطبيق ترشيد الطلب"، مضيفًا: "نحن نقترب من منطقة الخطر".

انعكاسًا لهذه المخاوف، تضاعفت أسعار العقود الآجلة للغاز الأوروبي -في الشهرين الماضيين- لتصل إلى قرابة 200 يورو لكل ميغاواط/ ساعة في بورصة TTF الهولندية، أي نحو 10 أضعاف مستويات العام الماضي.

على سبيل المثال -كمحاولة لتعويض نقص الغاز الروسي- استخدم مصنع الصلب المملوك لشركة آرسيلور ميتال في ميناء هامبورغ المزدحم في ألمانيا لسنوات الغاز الطبيعي لاستخراج الحديد، الذي يدخل بعد ذلك في فرنها الكهربائي، لكن في الآونة الأخيرة، تحول إلى شراء المدخلات المعدنية من مصنع آخر في كندا، يتمتع بإمكانية الحصول على طاقة أرخص.

يذكر أن أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية -رغم ارتفاعها- تمثل نحو سُبع الأسعار الأوروبية.

أمام هذه الصعوبات، بدأت أخبار إغلاق المصانع أو خفض الإنتاج تتدفق بالفعل، ففي رومانيا، قالت شركة (إيه إل آر أو غروب) إنها ستغلق الإنتاج في مصنع ألمنيوم كبير وتسرح 500 شخص، لأن تكاليف الطاقة المرتفعة جعلتها غير قادرة على المنافسة.

بينما يقول هينينج جلويستين، المدير في مجموعة أوراسيا، وهي شركة مختصة بالمخاطر السياسية: الخطر الأكبر في الوقت الحالي هو انفجار أسعار الطاقة المنزلية قبل الشتاء، ما يمثل كارثة للأوروبيين.