كيف تسببت أمريكا في قتل الملايين بعد 11 سبتمبر؟

صحيفة غارديان البريطانية، سلطت الضوء على المجهولين الذين لقوا حتفهم في الحروب التي شنتها أمريكا بعد 11 سبتمبر سواء بالقتل المباشر، أم جراء الانهيار الاقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي، وتردي الخدمات الصحية، والتلوث البيئي، أو الصدمات النفسية المستمرة، وحتى الاعتداءات الجنسية.

كيف تسببت أمريكا في قتل الملايين بعد 11 سبتمبر؟

ترجمات - السياق

مجهولون بالملايين -من أفغانستان وباكستان إلى اليمن، مرورًا بالصومال وبوركينا فاسو، عبورًا بليبيا وصولًا للعراق- دفعوا حياتهم ثمنًا لحرب أعلنتها الولايات المتحدة، ردًا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ورغم أنهم لم يكونوا ضمن المجموعة الإرهابية، التي تبنت ونفذت هذه العمليات، ولم تكن لهم أي صلة مباشرة بها، فإنهم كانوا في طليعة الضحايا، فلماذا دفعوا ثمن جُرم لم يرتكبوه، وكم عددهم؟

صحيفة غارديان البريطانية، سلطت الضوء على "المجهولين" الذين لقوا حتفهم في الحروب التي شنتها أمريكا باسم "11 سبتمبر" سواء بالقتل المباشر، أم جراء الانهيار الاقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي، وتردي الخدمات الصحية، والتلوث البيئي، أو الصدمات النفسية المستمرة، وحتى الاعتداءات الجنسية، مشيرة إلى أن عددهم بالملايين.

واستشهدت الصحيفة  بقصة طفل يدعى عبد الله، أحد الملايين الذين فُقدوا عقب هجمات 11 سبتمبر.

وبينت أن هذا الطفل -الذي وُلد في قرية نزح سكانها بسبب "العنف الديني"- وجد هو وعائلته ملجأ في مدرسة مهجورة بالقرب من واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

وأشارت إلى أن عبد الله -3 أعوام- أصيب بالملاريا بسبب سوء التغذية وفقر الدم، لافتة إلى أنه رغم الجهود المحمومة لإنقاذه، فإنه توفي من دون أن يلاحظه أحد، وكأنه دخل الدنيا وخرج منها من دون أن يشعر به أحد.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن تقرير أعدته الأنثروبولوجية ستيفاني سافيل، لصالح معهد واتسون التابع لجامعة براون، أن "مثل عبد الله هذا عدد آخر لا يُحصى من النازحين وضحايا الحروب المجهولين".

وأبرزت سافيل حياة عبد الله القصيرة، في تقرير جديد مثير يكشف التكاليف البشرية الهائلة غير المعترف بها، لما سمتها "الحرب العالمية المعاصرة"، في إشارة إلى الوفيات غير المباشرة التي نتجت عن آثار الحروب التي نشبت بعد 11 سبتمبر 2001.

ورأت أنه رغم حزنه على عائلته ومجتمعه، فإنه لقى حتفه من دون أن يشعر به أحد على الإطلاق، موضحة أن "قصته تعد رمزًا لهذه الحالات من الوفيات... هؤلاء الذين يدفعون ثمنًا لا يد لهم فيه، ثم يغفل عن ذكرهم الجميع.

 

4.5 مليون ضحية

قصة عبد الله جاءت ضمن تقرير "الأثر الارتدادي لحروب ما بعد 11 سبتمبر في صحة الإنسان"، الذي نشره مشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون التابع لجامعة براون.

ومن هذه الآثار الارتدادية ما يسميها التقرير "الوفيات غير المباشرة"، التي لم تسقط جراء القتال الفعلي، وإنما نتيجة الانهيار الاقتصادي الناتج عن ذلك، من "فقدان سبل العيش، وانعدام الأمن الغذائي، وتدمير خدمات الصحة العامة، والتلوث البيئي والصدمات المستمرة، وما ينتج عن ذلك من مشكلات الصحة العقلية، والاعتداء المنزلي والجنسي والتشرد".

وحسب التقرير -الذي نشرته صحيفة غارديان، ارتفع العدد الإجمالي للوفيات الناجمة عن حروب ما بعد 11 سبتمبر في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا بمقدار هائل، من 937 ألفًا إلى ما لا يقل عن 4.5 مليون، بينهم 3.6 مليون توفوا بطرق غير مباشرة بسبب الحروب.

وحذر التقرير من أن عدد الضحايا سيستمر في الارتفاع بمرور الوقت، لافتًا إلى أنه في دولة مثل أفغانستان -رغم انتهاء الحرب التي أشعلها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عامي 2001 و2021- لا يزال عدد القتلى غير المباشرين والمشكلات الصحية ذات الصلة في ارتفاع مستمر.

 

النساء أكثر عرضة

حسب تقرير سافيل، يُقدر الخبراء معدل الوفيات غير المباشرة بـ4 ضحايا مقابل وفاة واحدة مباشرة، موضحين أنه كلما ارتفعت نسبة الفقر ارتفعت معدلات الوفيات غير المباشرة عند اندلاع الصراعات.

وأضافت الباحثة الأنثروبولوجية: "الوفيات غير المباشرة مدمرة، لأسباب ليس أقلها أنه كان من الممكن منع كثير منها، لولا الحرب".

وأوضحت أنه إذا كان الرجال أكثر عُرضة للوفاة في معارك القتال المباشرة، فإن النساء والأطفال من أكثر ضحايا التداعيات غير المباشرة للحروب.

ورفضت سافيل إلقاء اللوم على جهات فاعلة مختلفة، رغم أن الولايات المتحدة، التي شنت "الحرب العالمية على الإرهاب" عام 2001، تتحمل مسؤولية كبيرة، حسب الصحيفة البريطانية.

وحرصت سافيل على توضيح أن الهدف من التقرير لفت انتباه المسؤولين ورفع درجة الوعي بالتكاليف البشرية الهائلة للحروب، ودعم الدعوات التي تطالب الحكومات باتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف الأضرار المستمرة التي تتسبب فيها الصراعات.

 

عبر الأجيال

وانتقل تقرير معهد واتسون إلى التحذير من أن آثار الحروب في الصحة العقلية تشمل جميع الأجيال، وتؤثر في الآباء والأطفال والأحفاد، إذ تشير التقديرات إلى أن القلق والاكتئاب -مثلًا- مرتفعان بنحو 4 أضعاف بين السكان المتأثرين بالصراعات الدولية.

وأوضح التقرير أن النساء أكثر من يُعانين هذه الآثار بشكل أكثر حدة، بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي يتفاقم في زمن الحرب.

ففي العراق، زاد الاغتصاب والعنف الجنسي بشكل حاد بعد عام 2003 (عندما غزت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة البلاد).

وفق التقرير –أيضًا- فإن الأطفال معرضون للخطر بشكل خاص، إذ تعد مستويات سوء تغذية الأطفال مؤشرات على حجم الضرر الناجم من الحرب.

ويقدر التقرير أن "أكثر من 7.6 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد أو الهُزال، في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال".

وعرّف التقرير الهُزال بأنه يعني عدم الحصول على ما يكفي من الطعام، مع تساقط الجلد والعظام جزئيًا، إضافة لضعف شديد في جهاز المناعة، ما يعرض هؤلاء الأطفال لخطر الموت.

 

موت الأطفال

وأشار التقرير إلى أن أولئك الذين يعانون مستويات عالية من العنف الجماعي، أكثر عُرضة للإصابة بأمراض مزمنة.

ففي أفغانستان -على وجه التحديد- حيث انهار الاقتصاد بعد استيلاء طالبان على السلطة، يعيش أكثر من نِصف السكان في فقر مدقع.

وأشار التقرير إلى أن عشرات الآلاف من الأطفال دون سن الخامسة، يموتون من أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الكوليرا والحصبة وسوء التغذية الحاد ومضاعفات حديثي الولادة.

ويشير التقرير إلى حالة القلق والاكتئاب عند المدنيين جراء القصف الجوي، على سبيل المثال، بين عامي 2004 و2010، نفذت الولايات المتحدة ضربات بطائرات من دون طيار "مزدوجة"، معظمها على قرى البشتون في وزيرستان، على طول الحدود الأفغانية، حيث استهدفت الضربة الثانية أشخاصًا هرعوا لمساعدة ضحايا القصف الأولي.

وكتبت سافيل: "توثق التقارير أن سكان هذه المناطق عانوا اضطراب ما بعد الصدمة والقلق المزمن والخوف المستمر".

وأوضح أحد السكان، لمعدة التقرير: "الله أعلم ما إذا كانوا سيضربوننا مرة أخرى أم لا، لكنهم يعاينوننا دائمًا، فهم دائمًا فوقنا، ولا نعرف متى يضربون".

وشدد التقرير على أنه "من دون علاج، فإن هذه الصدمات ستكون منهكة لعديد من الشعوب والمجتمعات، خصوصًا الذين تعرضوا لهجمات مماثلة".

وأكد أن ما يزيد الأوضاع سوءًا، تعمد استهداف المرافق الصحية من المتقاتلين، وينتج عن ذلك ارتفاع عدد الوفيات المباشرة وغير المباشرة، كما حدث في سوريا.

 

38 مليون نازح

وفقًا لدراسة أجريت عام 2019 استُشهد بها في التقرير، فإن "كل هجوم على منشأة للرعاية الصحية، يتوافق مع ما يقدر بنحو 260 ضحية مدنية أبلغ عنها في الشهر نفسه"، بسبب ما نتج عن ذلك من عدم توافر المساعدة الطبية.

وتحدثت ستيفاني سافيل عن أن النزوح -على سبيل المثال- من أكبر أسباب ارتفاع الوفيات غير المباشرة، لانعدام الأمن الجسدي، والضغط النفسي المتزايد، إلى جانب سوء المعاملة وكل أنواع الاستغلال.

وذكرت أن ما يقدر بنحو 38 مليون شخص نزحوا من أماكنهم، منذ عام 2001 حتى الآن.

ويفصّل التقرير عديد الفخاخ الإضافية العالقة، بما في ذلك التلوث البيئي والذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية والأضرار التي لحقت بالمياه والصرف الصحي وأنظمة توزيع المساعدات الغذائية.

وشددت سافيل على ضرورة عمل مزيد من البيانات البحثية لمعرفة أعداد المتضررين من الحروب، كما يتعين على الحكومات المعنية بذل مزيد من الجهد لإصلاح ما تسببت فيه، موضحة أن "التعويضات ضرورة ملحة لمواجهة هذه الكوارث".

وأضافت: "أولئك الذين ماتوا، انتهى أمرهم من دون أي مساعدة تذكر، لكن بالنسبة لملايين البالغين والأطفال، الذين ما زالوا يعانون عواقب نزاعات ما بعد 11 سبتمبر، فإن الحاجة ملحة لمد يد العون لهم، بدلًا من الحكم عليهم بحرب لا تنتهي".