رغم علاقاتهما الودية.. باكستان خائفة من انزلاق أفغانستان في حالة من الفوضى
رغم أن بعض الدول، مثل الصين وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى وباكستان، لها مصالح مختلفة في علاقاتها مع أفغانستان، فإنها تشترك في مخاوف أمنية، من الأنشطة الإرهابية عبر الحدود

ترجمات - السياق
قالت السفيرة الدائمة السابقة لباكستان في الأمم المتحدة، مليحة اللودي، إن رد فِعل إسلام أباد، على سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، مثل باقي جيران كابل، إذ إنه كان مزيجاً من الشعور بالارتياح والقلق في الوقت نفسه، موضحة أنه كان هناك ارتياح، من أن شبح الحرب الأهلية الدامية على نطاق واسع لم يتحقق، لكن القلق بشأن شكل حُكم طالبان للبلاد.
وأضافت اللودي، في مقال بصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أن باكستان فوجئت -مثل بقية العالم- باستيلاء طالبان السريع وغير الدموي نسبياً على السُّلطة في أفغانستان، مشيرة إلى أنه رغم العلاقة الوثيقة، التي حافظت عليها مع طالبان على مر السنين، فإن باكستان والمنطقة الأوسع نطاقًا، تواجه الآن مجموعة من التحديات.
مخاوف أمنية
وأوضحت اللودي، التي عملت سفيرة لباكستان في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أنه رغم أن بعض الدول، مثل الصين وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى وباكستان، لها مصالح مختلفة في علاقاتها مع أفغانستان، فإنها تشترك في مخاوف أمنية، من الأنشطة الإرهابية عبر الحدود.
وأشارت اللودي إلى تقرير لفريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، وجد أن جزءًا كبيراً من قيادة تنظيم القاعدة، يتمركز على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، وأن تنظيم داعش لا يزال نشطًا ويمثِّل خطرًا كبيرًا.
كما تشمل المجموعات الأخرى، حركة تركستان الشرقية الإسلامية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وحركة تحريك طالبان باكستان، التي تعد مصدر قلق كبير لإسلام أباد، بعد أن أعلن قادتها "الحرب ضد قوات الأمن الباكستانية" وقالوا إنها ستسيطر على المناطق الحدودية "من أجل الاستقلال".
فظائع طالبان
وبالنسبة للصين، فإن الخطر يأتي من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، أما لآسيا الوسطى، فالخطر سيكون من الحركة الإسلامية في أوزبكستان، بينما تبدو روسيا معنية بأنشطة داعش، وتشعر إيران بالقلق بشأن السكان الشيعة في أفغانستان، الذين عانوا فظائع تحت حُكم طالبان.
وبالنسبة للهند، فإن عودة طالبان تشكل انتكاسة استراتيجية لها، وتحرص جميع دول المنطقة على التعامل مع طالبان، وضمان التزامها بمنع الجماعات الإرهابية المتمركزة في كابل، من استخدام البلاد لمهاجمة الدول الأخرى، وهي النقاط الموجودة أيضاً في أولويات المجتمع الدولي، التي انعكست في بيان مجلس الأمن الدولي في 16 أغسطس، الذي دعا أفغانستان إلى مكافحة الإرهاب.
وقالت الدبلوماسية السابقة: "طالما عرَّضت حروب أفغانستان الدائمة، باكستان لتهديدات أمنية، تسبَّبت في خسائر فادحة في الأرواح، فضلاً عن العواقب الاجتماعية والاقتصادية، كما كان عليها أن تتعامل مع مجموعة من الصراعات والتدخلات الأجنبية المجاورة، والتشدُّد والعنف والمخدرات، واستضافة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ".
وأضافت: "بعد أن تحمَّلت وطأة أربعة عقود من العنف في أفغانستان، فإن باكستان هي الآن الرابح الأكبر لإحلال السلام في كابل، كما أنها ينبغي أن تكون الأكثر تخوفًا، في حال انزلاق الوضع الغامض هناك نحو الفوضى".
انتقال العدوى
ولفتت الكاتبة، إلى أن خطر انتقال العدوى الإقليمية، كان سبباً مقنعاً لباكستان، لتلعب دوراً نشطاً بالكواليس، في إقناع طالبان بالتحدَّث إلى الجماعات الأفغانية الأخرى وتشكيل حكومة شاملة، فضلاً عن حث المجتمع الدولي، إسلام أباد على استخدام نفوذها، لكن هناك حدودًا لهذا النفوذ الآن، بعد أن سيطرت طالبان على البلاد، ولذا فإن العمل الجماعي قد يكون أكثر فعالية، إذ إن انضمام الولايات المتحدة والصين وروسيا وباكستان، وسيلة مفيدة لممارسة ضغط مشترك.
وبالنظر إلى الانقسام العِرقي في أفغانستان، فإنه لا يمكن ضمان إحلال السلام والاستقرار، إلا من خلال حكومة ذات قاعدة عريضة من المؤيدين، وبينما تستمر المحاولات لدفع طالبان نحو التوافق السياسي، فإن إسلام أباد لا تزال قلقة، ففي حال فشل المحادثات المستمرة بين قادة طالبان وخصومهم السياسيين السابقين، قد تنغمس البلاد في مزيد من الأزمات، ما يؤدي إلى تداعيات أمنية خطيرة في جميع أنحاء المنطقة.
وقد كان للانخراط الدولي مع طالبان، حتى الآن، تأثير معتدل، وألزمت رغبتهم في الشرعية، قادتهم على تقديم تأكيدات بعدم الانتقام من الأعداء السابقين، والوعود بتأسيس حكومة شاملة، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء، وضمان عدم السماح للجماعات الإرهابية، بالازدهار على الأراضي الأفغانية.
مستقبل قاتم
ويعد الاعتراف الدولي حافزاً مهماً، لدفع طالبان إلى الوفاء بهذه الوعود، لأسباب عدة منها أن البقاء الاقتصادي للبلاد يعتمد على ذلك، كما أن باكستان، من جانبها، ليست في عجلة من أمرها، للاعتراف بحُكام كابل الجدد، فبعد أن واجهت العزلة في التسعينيات، عندما كانت واحدة من ثلاث دول فقط تعترف بحكومة طالبان، أصبح من المنطقي الآن التنسيق مع الدول الرئيسة، قبل الاعتراف بها.
ولكن إذا ثبت أن الحوافز الدبلوماسية غير كافية، للضغط على طالبان لترجمة الوعود إلى أفعال، فإنه سيكون هناك مستقبل قاتم وغير مؤكد يلوح في الأفق، ليس لأفغانستان فحسب ولكن للمنطقة، وهو الاحتمال الذي دفع باكستان إلى تسييج الحدود بينها وبين كابل، وإقامة مخيمات للاجئين في حال ظهور السيناريو الأسوأ، لأنه في هذه المنطقة المضطربة، غالباً ما يعيد التاريخ نفسه للأسف، باعتباره مأساة.