أمريكا... هل تصبح الولايات الديمقراطية ملاذًا للإجهاض؟
فى محاولة للتصدى لتداعيات القرار، أصدر الحكام الديمقراطيون فى ولايات كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن، التزامًا جديدًا بتكريس حقوق الإجهاض عبر الساحل الغربي، حيث تصارع الولايات المتحدة بشأن حكم المحكمة العليا بإلغاء الحق الفيدرالى فى الإجهاض.

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن إمكانية أن يلجأ أعضاء الحزب الديمقراطي إلى استخدام ولايات "كملاذ آمن" للإجهاض، بعد أن ألغت محكمة عليا -يوم الجمعة الماضي- قرارًا صدر عام 1973 يخص حرية الإجهاض.
وفى محاولة للتصدى لتداعيات القرار، أصدر الحكام الديمقراطيون فى ولايات كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن، التزامًا جديدًا بتكريس حقوق الإجهاض عبر الساحل الغربي، حيث تصارع الولايات المتحدة بشأن حكم المحكمة العليا بإلغاء الحق الفيدرالى فى الإجهاض.
وتعهد حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، وحاكمة ولاية أوريجون كيت براون، وحاكم واشنطن جاى إنسلي، بالدفاع عن الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية وحماية أولئك الذين يعبرون حدودهم، ووصفوا ولاياتهم بأنها "ملاذ آمن لجميع الأشخاص الذين يسعون إلى عمليات الإجهاض وخدمات رعاية الصحة الإنجابية الأخرى".
وقالت الصحيفة في تقرير: المشرعون الديمقراطيون يكثفون جهودهم لتأسيس "ولايات ملاذ" للحقوق الإنجابية ردًا على حكم المحكمة العليا، الذي أنهى ما يقرب من نصف قرن من الحماية القانونية الفيدرالية للإجهاض.
وأشارت إلى أن إلغاء قانون (رو ضد وايد) -الذي يُفقد ملايين النساء في الولايات المتحدة الحق القانوني في الإجهاض- أدي إلى حظر تلقائي على الإجهاض في 13 ولاية جمهورية، ومن المتوقع أن تمرر 13 ولاية أخرى الحظر الخاص بها في الأسابيع المقبلة.
تقنين حقوق الإجهاض
وكشفت "فايننشال تايمز" أنه رغم إصدار القانون، فإن المشرعين المؤيدين لحق الاختيار في الإجهاض، كانوا قد استعدوا بالفعل لقرار المحكمة العليا، من خلال اقتراح أو تمرير تشريع لتقنين حقوق الإجهاض والحماية القانونية، في الولايات التي يديرها الديمقراطيون بأمريكا.
وبينت أن هذه التحركات تضيف إلى خليط متزايد التعقيد من قواعد الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة على أساس الخطوط الحزبية، ما يفتح الباب أمام الخلاف القانوني بين الولايات والحكومة الفيدرالية.
كان اثنتان من التقدميات الديمقراطيات، السناتور إليزابيث وارن والنائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، قد حثتا الرئيس جو بايدن على استخدام الأراضي الفيدرالية كملاذ آمن للإجهاض، في الولايات التي تحظر أو تقيد هذه الممارسة.
ونقلت الصحيفة عن نيل كاتيال، المحامي العام الأمريكي السابق والشريك في شركة المحاماة هوغان لوفيلز، قوله: "يمكنني أن أتصور اشتباكات كبيرة بين الحكومة الفيدرالية والولايات بشأن هذا الأمر قريبًا".
وتساءل كاتيال عما إذا كانت الولايات المناهضة للإجهاض يُمكن أن تجرم أي شخص يساعد امرأة في إنهاء الحمل بولاية قضائية أخرى، وقال: "سيكون ذلك انتهاكًا واضحًا للحق في السفر، لكنه يتطلب تقاضيًا وقضايا فوضوية".
ووفقًا لكاتي كيث، أستاذة الأبحاث المشاركة في مركز إصلاحات التأمين الصحي بجامعة جورجتاون، فإن بعض المشرعين الجمهوريين سيتعمدون أيضًا تضييق الخناق على مقدمي خدمات التطبيب عن بُعد من خارج الولاية، لمنعهم من تقديم المشورة وأدوية الإجهاض لمواطنيهم.
وترى كيث أن التحديات القانونية والعملية ستكون غير مسبوقة، في ما يخص متابعة أي إجراء بشأن الإجهاض في الولايات التي تمنع ذلك.
كونيتيكت كمثال
أشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه في مايو الماضي، وقَّعت ولاية كونيتيكت قانون الدفاع عن الحرية الإنجابية، لتوفير حماية قانونية جديدة للمرضى، الذين يسعون للحصول على رعاية الإجهاض، القادمين من الولايات القضائية التي حظرت هذا الإجراء.
ونقلت الصحيفة، عن ماثيو بلومنتال، ممثل ولاية كونيتيكت الذي رعى التشريع ، قوله: القانون وسع عمليات الإجهاض في الولاية عن طريق زيادة أنواع الممارسين المؤهلين لأداء الرعاية المتعلقة بهذا الشأن، كما أوجد حماية قانونية للمواطنين ضد تسليم (المتورطين في الإجهاض) إلى ولايات أصبح الإجهاض فيها غير قانوني، حتى أنها قدمت خدمات دفاع قانونية وتمويلًا لأي شخص تتم مقاضاته.
وبينت الصحيفة البريطانية، أن كونيتيكت سبق أن احتضنت (العبيد الهاربين)، حيث كانت أولى الولايات الشمالية التي أصدرت "قوانين الحرية" لدرء تسليم المجرمين.
وقال بلومنتال إن قانون ولاية كونيتيكت صُمم خصيصًا لإحباط الدعاوى القضائية وطلبات التسليم، وحتى المكافآت التي تأتي من الولايات التي أصبح الإجهاض فيها غير قانوني.
وأشارت الصحيفة إلى أن ولايات تكساس وميسوري وأيداهو أقرت قوانين المكافآت التي تقدم حوافز مالية للمواطنين، الذين يرفعون دعاوى قضائية ضد مقدمي الرعاية الصحية، الذين يجرون عمليات إجهاض.
ومع ذلك -حسب الصحيفة- فإن قانون ولاية كونيتيكت الجديد يجعل من السهل مواجهته، وهو جهد قال بلومنتال إنه كان يهدف إلى ردع الناس في تلك الولايات عن رفع الدعاوى.
تدابير أخرى
وذكرت "فايننشال تايمز" أن العديد من الولايات الزرقاء الأخرى (المحسوبة على الديمقراطيين) اتخذت تدابير منذ أوائل مايو، عندما تم تسريب مسودة حكم المحكمة العليا إلى موقع بوليتيكو الأمريكي الإخباري، لافتة إلى أن مدنًا مثل (واشنطن وشيكاغو وسياتل) ، بدأت تشريعات حماية مماثلة تشق طريقها فيها عبر المجالس التشريعية للولايات.
وأشارت إلى أن حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم وقَّع مشروع قانون الجمعة -اليوم الذي اتُخذ فيه قرار المحكمة العليا- يهدف إلى حماية المرضى ومقدمي الرعاية الصحية المحليين من الدعاوى القضائية المدنية بناءً على قوانين الولايات الأخرى، لافتة إلى أنه انضم إليه حكام ولايتي أوريغون وواشنطن في التوقيع على التزام بتكريس حقوق الإجهاض عبر الساحل الغربي.
ووفقًا للالتزام -حسب الصحيفة- لن تمتثل الولايات الثلاث للتحقيقات أو الاعتقالات خارج الولاية بناءً على قوانين الإجهاض الخارجية، وترفض تسليم أولئك الذين سافروا إلى الولايات للحصول على خدمات الرعاية الصحية الإنجابية القانونية، كما تعهدت الولايات بتوسيع الوصول إلى أدوية الإجهاض والرعاية الصحية عن بُعد للخدمات الإنجابية.
كان نيوسوم قد اقترح حزمة بـ 125 مليون دولار لتوسيع الوصول إلى الرعاية الصحية للإجهاض.
وفي نيويورك -تضيف الصحيفة- اقترح عضو الجمعية تشارلز لافين قانون جيرالدين سانتورو لتوفير السفر والرعاية الطبية للمسافرين من خارج الولاية الذين يسعون إلى الإجهاض وتمويل 15 مليون دولار لدعم مثل هذه الخدمات.
ويهدف القانون، الذي سُمي باسم امرأة توفيت عام 1964 من إجهاض غير آمن، إلى تخفيف تأثير حكم المحكمة العليا، لا سيما في الفقراء والأقليات.
ونقلت الصحيفة عن لافين قوله: "توقعنا ما سيفعله قاضي المحكمة العليا صموئيل أليتو، واتخذنا بعض الخطوات الممكنة في وقت قصير، لتوفير الحماية اللازمة لطالبي الإجهاض"، مضيفًا: "لم يحدث في تاريخنا أن سرقت محكمتنا العليا حقًا دستوريًا من الأمريكيين".
تحذيرات
ومع كل هذا الدعم للحق في الإجهاض -حسب "فايننشال تايمز"- فإن العديد من الخبراء يحذرون من أن مقدمي خدمات الإجهاض قد يكافحون للتعامل مع تدفق النساء القادمات من ولايات أخرى للحصول على الرعاية، إذا تم تمرير سلسلة تشريعات الدولة الجمهورية.
وقالت كاتي كيث: "إن العيادات ومقدمي الخدمات الحاليين يعانون نقص التمويل والموارد حتى في الولايات التي لا تمنع الإجهاض".
وبينت الصحيفة أن منظمات مثل (الأبوة المخططة)، وهي منظمة غير ربحية تعد أكبر مزود لرعاية الإجهاض في الولايات المتحدة، تعد تحديات قانونية لإحباط حظر الإجهاض الفوري.
بينما قدمت منظمة تنظيم الأسرة في ولاية يوتا -السبت الماضي- أمرًا تقييديًا ضد حظر الإجهاض الذي فرضته الولاية، والذي تم تمريره عام 2020 ودخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع، وقالت المنظمة إنه من دون الاستئناف، لن تتمكن أكثر من 50 امرأة في الولاية من إجراء عمليات إجهاض هذا الأسبوع.
وأضافت المنظمة: "في حال استمرار الحظر المفروض على الإجهاض، سيجبر الآلاف من يوتا على حمل غير مرغوب فيه أو خطير حتى نهايته أو السفر خارج الولاية للحصول على رعاية الإجهاض".
بينما قالت حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوشول لشبكة إم إس إن بي سي –الأحد- إن ولاية نيويورك خصصت 35 مليون دولار لتوسيع الوصول إلى الإجهاض.
وأضاف هوشول: "هناك غضب شديد بين النساء، فهي ليست قضية سياسية، وإنما كل ما تريده النساء هو اتخاذ قراراتهن بأنفسهن، وهذا حقهن الذي يمنحه لهن أي بلد ديمقراطي".