رغم الخلافات... الانفصال بين الولايات المتحدة والصين اقتصاديًا صعب
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه مع شدة تعقيد الأمور في الارتباطات المالية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن الانفصال بينهما صعبا.

ترجمات - السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه رغم الخلافات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين، سواء بشأن الحرب في أوكرانيا أو ما يتعلق بتايوان، فإن علاقات البلدين اقتصاديًا مازالت قوية، مشددة على أن قوة الدولار والعلاقات طويلة الأجل مع الشركات، تجعل العلاقة تعتمد على بعضها كما كانت.
وذكرت المجلة -في تقرير- أنه رغم التباين الشديد في سياسة دونالد ترامب وخليفته جو بايدن، فإنهما اتفقا على التحذير بشأن التهديد الاستراتيجي للصين، إذ سعى الزعيمان إلى طرق "الفصل" جزئيًا عن أكبر اقتصادين في العالم وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين.
في غضون ذلك حاول الرئيس الصيني شي جين بينغ تجنُّب الأعمال التجارية الأمريكية بسياسته "صُنع في الصين".
فصل كبير
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه كان هناك فصل كبير في قطاعي التكنولوجيا الفائقة ووسائل التواصل الاجتماعي، ويرجع الفضل في ذلك -إلى حد كبير- إلى سياسات الرقابة الصارمة في الصين، حيث جرى حظر (فيس بوك) منذ عام 2009 لعدم امتثاله لقواعد الرقابة الصينية، بينما استسلمت (جوجل) لقواعد بكين، وأعلنت أمازون أنها ستغلق عمليات كيندل في الصين.
وذكرت المجلة، أن قيود بكين الصارمة على مشاركة المعلومات، إلى جانب التهديدات الأمريكية، أجبرت عددًا كبيرًا من شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية، بما في ذلك ديدي وعلي بابا وبيدو، وشركات صناعة السيارات الكهربائية نيو وأكس بانغ، على مواجهة احتمال "الشطب" من السوق الأمريكي.
وبينت أنه من يونيو الجاري، حددت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية نحو 150 شركة أغلبيتها مقرها الصين يمكن شطبها، بدعوى انتهاكها لقواعد التدقيق الأمريكية.
أما في ما يتعلق بالتجارة الشاملة بين الولايات المتحدة والصين في السلع والخدمات، فإن الفصل لم يحدث بأي طريقة مهمة، وليس من المرجح حدوثه، رغم الحرب التجارية التي بدأها ترامب ودعمها بايدن.
ومن السلع الزراعية -التي كانت الصين أكبر سوق لها في الولايات المتحدة- إلى مجموعة من المواد الخام وبعض مكونات التصنيع، تظل العلاقة الاقتصادية عميقة وتنمو بشكل أعمق في العديد من القطاعات.
ففي مايو الماضي، أفادت وزارة الزراعة الأمريكية بأن الصادرات الزراعية إلى الصين وحدها من المتوقع أن تصل إلى 36 مليار دولار في السنة المالية الحالية، أي أكثر من ضعف 17 مليار دولار في السنة المالية 2020.
على الورق -حسب المجلة الأمريكية- انخفض العجز التجاري الأمريكي مع الصين بشكل كبير، حيث انخفض بـ 8.5 مليار دولار إلى 34.9 مليار دولار في أبريل، وفقًا لبيانات وزارة التجارة الأمريكية الصادرة يونيو الجاري.
ونقلت المجلة عن خبراء في التجارة والاقتصاد، قولهم: إن ذلك يعكس جزئيًا قرار الصين بإعادة توجيه صادراتها الأمريكية عبر دول أخرى ، لاسيما اقتصادات شرقي آسيا مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا وتايوان، حيث تهيمن الشركات المملوكة للصين على هذه الأسواق.
بينما ارتفع العجز التجاري الأمريكي -بشكل كبير- خلال العامين الماضيين، لاسيما مع تلك البلدان التي حولت بكين عملياتها نحوها، وكذلك البلدان الأخرى الأقرب إلى الوطن، مثل المكسيك، التي تلقت طفرة في الاستثمار التجاري الصيني في السنوات الماضية.
بينما ذكرت "رويترز" قبل أيام، أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في التجارة مع أمريكا اللاتينية.
استحالة اقتصادية
في هذه الأثناء -حسب "فورين بوليسي"- تواصل الشركات الأمريكية الاستثمار بكثافة في الصين، بينما وصف إيفان جرينبيرج، الرئيس السابق لمجلس الأعمال الأمريكي الصيني -في خطاب ألقاه في واشنطن هذا الشهر- الفصل بـ "استحالة اقتصادية"، وحث الشركات الأمريكية على مضاعفة جهودها لدخول السوق الصينية.
وقال جرينبيرج: الفصل لن يؤدي إلا إلى "تغذية أسوأ غرائز الصين" وفي الوقت نفسه تقويض القدرة التنافسية العالمية للولايات المتحدة، مضيفًا: "كلما قل اعتماد الصين على التكنولوجيا التي تنتجها أمريكا، قل تأثير الولايات المتحدة في كيفية متابعة الصين لمصالحها بمرور الوقت".
ووفقًا لمسح جديد أجرته غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي، لأكثر من 300 شركة أمريكية في الصين، أبلغ 60 بالمئة عن زيادة الاستثمار مقارنة بعام 2020.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه ربما أدت "الصدمة الصينية" الناجمة عن اندفاع المنتجين الأمريكيين في الخارج إلى فقدان ملايين الوظائف الأمريكية، خاصة في التصنيع، خلال العقود الأخيرة، ما ساعد في إثارة صعود الشعبوية المناهضة للصين، لكن العديد من الاقتصاديين يقولون إن الفصل الصعب، أو الفصل التام بين الاقتصادين، سيكون مدمرًا للبلدين.
وأمام استحالة (الفصل التجاري والاقتصادي)، كتب ألين جيه موريسون وجي ستيوارت بلاك، وهما خبيران تجاريان، في كتاب بعنوان "الشركات الصينية"، أن الفصل من الناحية الاقتصادية يعني سيناريو مدمرًا، يخسر فيه الصين والغرب، وأضافا: "رغم أنه ليس تمامًا مثل الدمار المؤكد المتبادل في حرب نووية، فإن العقلاء في الجانبين يدركون مخاطر وقوع هذا الفصل تجاريًا واقتصاديًا".
ومع ذلك، يقول المسؤولون التنفيذيون -حسب المجلة- إن النتيجة الحقيقية لاستمرار التجارة بين الولايات المتحدة والصين هي الأرباح، وبذلك ليس هناك دوافع تجعل الطرفين يتنازلان عن هذه الأرباح الكبيرة.
وفي ذلك، تنقل المجلة عن دوج باري، المتحدث باسم مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، وهي منظمة غير ربحية تمارس ضغوطًا لصالح الأعمال الأمريكية في الصين، قوله: "سيخبرك المسؤولون التنفيذيون -بشكل غير رسمي- بمقدار الأموال التي يجنونها، ومدى جودة السوق الصينية، لكنهم يدفنون هذه البيانات في تقاريرهم المالية"، مشيرًا إلى أنهم يمتنعون عن ذكر اسم السوق الصيني في هذه التقارير، وبدلاً من ذلك يطلقون عليها عائدات "آسيا والمحيط الهادئ"، لأهداف سياسية.
مشكلة معقدة
وبينت "فورين بوليسي" أن الثروات المختلطة لشركة علي بابا -العملاق الرقمي المملوك للصين- دليل على مدى تعقيد المشكلة، ففي حين أنها قد تتعرض لضغوط من بكين، لفصل قوائم أسهمها عن الأسواق المالية الأمريكية، إلا أنها لا تزال تبيع كميات قياسية من السلع الأمريكية إلى السوق الصينية على منصات التجارة الإلكترونية الخاصة بها، خصوصًا أنه في أعقاب جائحة كورونا بات البيع بالتجزئة الرقمي اتجاه المستقبل.
ونقلت المجلة عن إريك بيليتيير، رئيس الشؤون الحكومية الدولية في علي بابا، قوله: "في التجارة الإلكترونية، لا نرى الكثير من الأدلة على الانفصال".
وبشكل عام -حسب المجلة الأمريكية- بلغت صادرات السلع الأمريكية إلى الصين أعلى مستوى لها على الإطلاق عام 2021، ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة إن دي بي أناليتيكس للبرمجيات، (بتمويل جزئي من علي بابا)، حققت الشركات الأمريكية قرابة 40 مليار دولار من عائدات المنتجات المباعة للمستهلكين الصينيين - خاصة الإلكترونيات والملابس والمنتجات الجلدية ومنتجات العناية الشخصية- من خلال علي بابا عام 2020.
وقال روبرت سكوت، الخبير في التجارة بين الولايات المتحدة والصين في معهد السياسة الاقتصادية التقدمي: معظم العلاقات التجارية المستمرة مدفوعة بارتفاع الدولار، الأمر الذي يجعل الفصل أكثر صعوبة.
وأضاف سكوت: "المشكلة الأساسية التي لم نواجهها هي حقيقة أن الدولار الأمريكي الآن أعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 25 إلى 30 في المئة".
الفصل ببطء
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه في ظل الضغوط التضخمية، بدأت إدارة بايدن التخفيف قليلاً من خطابها ضد بكين والنظر في رفع بعض الرسوم الجمركية على الصين التي فرضها ترامب.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، في خطاب مهم أواخر مايو: "لا تريد الولايات المتحدة فصل اقتصاد الصين عن اقتصادنا أو عن الاقتصاد العالمي، رغم أن بكين تسعى إلى الفصل غير المتكافئ، وتسعى إلى جعل الصين أقل اعتمادًا على العالم، بينما يكون العالم أكثر اعتمادًا على الصين".
ولكن -حسب المجلة الأمريكية- مع تباطؤ النمو الصيني بشكل كبير في ظل سياسات (شي) المتشددة، هناك بعض الدلائل على أن الصين أيضًا، تعيد النظر في نهجها الخاص.
ومع ذلك -تضيف المجلة- بدأت أيضًا تظهر درجة معينة من الفصل الأوسع في أرقام التجارة، مشيرة إلى أنه رغم تضاؤل جائحة كورونا، الذي أدى إلى زيادة الطلب بشكل كبير على السلع الاستهلاكية الرخيصة، ظلت تجارة السلع الأمريكية مع الصين عام 2021 أقل من ذروتها عام 2018.
وحسب المجلة، يعتقد بعض الخبراء أن المزيد من الفصل سيحدث ببطء من تلقاء نفسه، لاسيما عندما تبدأ مخاوف حقوق الإنسان بالتأثير في قرارات المستهلك.
حتى وول مارت، أكبر بائع تجزئة في العالم -الذي كان منتجون أمريكيون مسلحون بقوة ينتقلون إلى الصين وغيرها من الاقتصادات منخفضة الأجور لضمان أسعار منخفضة للغاية لعملائها في الولايات المتحدة- وجد نفسه محرجًا في الأسابيع الأخيرة، عندما سعت إلى حظر الصادرات من شينجيانغ، امتثالًا لقانون أمريكي جديد يسعى لمعاقبة الصين لقمعها الوحشي للأقلية الأويغورية.
ومع ذلك، هناك شركات أمريكية تبحث عن حلول للبقاء في الصين، إذ أفاد موقع بيزنس انسايدر في ديسمبر 2021 بأن فيس بوك، استمر في "جني الإيرادات من خلال إعلانات الشركات الصينية"، مضيفًا أن 40 بالمئة من صافي مبيعات آبل جاء من الصين في الربع السابق من هذا العام، بينما لا يزال كبار مزودي البحث عبر الإنترنت -بما في ذلك جوجل- يبيعون مليارات الدولارات سنويًا من الإعلانات إلى الشركات التي تتخذ من الصين مقرًا لها.
ورأت "فورين بوليسي" أنه مع شدة تعقيد الأمور في الارتباطات المالية والاقتصادية بين البلدين، اتضح أن الانفصال صعب.