بعد نحو عام ونصف العام، من وصوله إلى البيت الأبيض، من المقرر أن يبدا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، زيارة إلى المملكة العربية السعودية، منتصف يوليو المقبل، يلتقي خلالها ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان.
مجلة فورين أفيرز الأمريكية، سلَّطت الضوء على الزيارة المرتقبة، مشددة على ضرورة أن يقدم للرياض عددًا من الضمانات، وتوقيع ميثاق استراتيجي مُحكم، مقابل مطالبه.
وتساءلت المجلة -في تقرير- لـ"ستيفن كوك ومارتن إنديك": "ماذا تفعل مع زعيم عربي غني بالنفط من الصعب التعايش معه، لكن لا يمكنك العيش من دونه أيضًا؟" لافتة إلى أن هذه هي المعضلة التي يواجهها الرئيس بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأشارت إلى أن بايدن، دأب منذ بداية إدارته، على إبعاد الأمير محمد بن سلمان، لكن مع ارتفاع أسعار الغاز، وما ترتب على ذلك من تأجيج التضخم، تقلصت أرقام استطلاعات الرأي لبايدن، ما يهدد بإعاقة المرشحين الديمقراطيين بشدة، في انتخابات التجديد النصفي المقررة نوفمبر المقبل، مشيرة إلى أنه "مفتاح عكس هذه الديناميكية يكمن في يد بن سلمان، لأن بلاده المنتج الوحيد للنفط، الذي يمتلك قدرة فائضة كافية لتهدئة أسواق النفط".
ورأت "فورين أفيرز" أنه مع أخذ كل ذلك في الاعتبار -التضخم وتراجع شعبية بايدن وارتفاع أسعار الغاز- فإن الرئيس الأمريكي سيضطر لزيارة المملكة العربية السعودية في يوليو المقبل، مشيرة إلى أن مؤيدي هذه الرحلة يبررونها على أنها صفقة سياسية واقعية، ومن ثمّ فإن فوائد المصالحة بديهية، إذ يرون أن ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية يعني الراحة في ضخ الغاز للأمريكيين.
وبينت أنه من خلال إسقاط الاعتراضات على الطريقة التي يحكم بها بن سلمان بلاده، ستعمل إدارة بايدن على حث الحكومة السعودية في ضبط (أو تقليل) علاقاتها بالصين وروسيا على حساب الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه أمر مهم في عصر المنافسة الشديدة بين القوى العظمى.
ووفقًا لصحيفة بوليتيكو الأمريكية، فقد عارض بايدن في البداية لقاء محمد بن سلمان ، إلا أنه سرعان ما غيّر رأيه، مع تزايد الحاجة لبلد في حجم المملكة كمنتج كبير للنفط.
في المقابل -حسب "فورين أفيرز"- فإن الزيارة قد ترضي بن سلمان، إلا أنها لن تفعل الكثير لطمأنته بشأن المصداقية الأمريكية.
وأشارت إلى أنه مع مرور الوقت، ومع انحسار آثار الحرب في أوكرانيا، فإن المنطق الكامن وراء مصالحة ضيقة نسبيًا سيضعف حتمًا، ما يجعل استمرارها أكثر صعوبة، وبذلك يجب على بايدن -بدلاً من ذلك- التفكير في إعادة صياغة مفاهيم أكثر جوهرية للعلاقة الثنائية، مشددة على أن ما يحتاجه البلدان هو "ميثاق جديد يركز على مواجهة التهديد الاستراتيجي الكبير الذي يواجهانه، وهو برنامج إيران النووي".
وبينت "فورين أفيرز" أن أسعار الغاز قد تكون العامل المحفز على المدى القريب لرحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، لكن في صميم أي تقارب يجب أن تكون الحاجة المشتركة لمواجهة إيران أكبر من أي هدف آخر.
وأوضحت أنه بالنسبة للولايات المتحدة ، تظل إيران المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن ثمّ تحتاج واشنطن إلى شركاء إقليميين موثوقين وقادرين لتحقيق التوازن ومواجهة طموحات طهران المهيمنة والطائفية.
ورأت أنه يمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد، ليس بسبب ثقلها العسكري فقط، لكن بسبب تأثيرها الهائل في سوق النفط العالمي ودورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي.
أما بالنسبة للسعودية -حسب المجلة- فتمثل إيران بالمثل التهديد الرئيس لمصالحها، لاسيما الدفاع عن وطنها، وحماية مصالحها النفطية، والاستقرار الداخلي لأصدقائها في المنطقة.
وأشارت إلى أن السعوديين يشعرون بالقلق من أن الولايات المتحدة تفضل التكيف مع طموحات إيران الإقليمية بدلاً من مواجهتها.
وأمام هذه التحديات، شددت المجلة على ضرورة أن يقدم بايدن -الذي يزور السعودية ودولًا أخرى في منطقة الشرق الأوسط الشهر المقبل- ضمانات أمنية تشمل مظلة نووية للمملكة في مواجهة إيران، إذا فشل التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران.
وذكرت أن ولي العهد السعودي يتطلع إلى الولايات المتحدة، لتوفير رادع أكثر موثوقية ضد طموحات إيران النووية والإقليمية ووسائل أكثر فاعلية للمملكة للدفاع عن نفسها، ضد هجمات الصواريخ والطائرات من دون طيار التي يشنها وكلاء إيران في المنطقة.
وأوضحت "فورين أفيرز" أن هذه الضمانات ستفتح الباب أمام تصور أكثر جوهرية للعلاقات السعودية الأمريكية، لافتة إلى أنه بالنظر إلى توتر العلاقات بين الجانبين في الفترة الأخيرة، سيكون من الضروري اعتماد نهج آخر لتحسين العلاقة، لكن على بايدن محاولة وضع خارطة طريق لمحادثاته في الرياض.
وحتى تكون هذه الصفقة أكثر واقعية، شددت المجلة الأمريكية، على أن أي التزام أمريكي شبيه بحلف شمال الأطلسي تجاه السعودية –ببساطة- غير قابل للتحقيق في الفترة الحالية حتى لو كان مرغوبًا فيه، ومن ثمّ على بايدن أن يكرر علنًا التزامه بمنع إيران من حيازة أسلحة نووية، وأن يضيف تعهدًا أكثر صرامة، وهو ما سبق أن أعلنه الرئيس جيمي كارتر عام 1980، من منع أي محاولة من قِبل قوة معادية للسيطرة على منطقة الخليج.
وبينت أن الولايات المتحدة يمكنها -بعد ذلك- الدخول في اتفاقية إطار عمل استراتيجي مع السعودية كما فعلت مع سنغافورة، لافتة إلى أن تلك الاتفاقية تنص على التزام الولايات المتحدة بتعزيز التعاون الدفاعي والأمني الثنائي، للتعامل مع التهديدات المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين.
ونوهت إلى أنه في حين أن هذا المزيج لا يوفر ضمانًا أمنيًا، فإنه سيلزم الولايات المتحدة بالحفاظ على توازن ملائم للقوى في المنطقة، وتوفير الوسائل اللازمة للسعودية للدفاع عن نفسها، من خلال تعاون دفاعي أوثق مع واشنطن.
وأضافت: "يمكن دعم هذه الالتزامات الشفهية من خلال إنشاء آليات استشارية رسمية، وتدريبات عسكرية مشتركة، ودفاعات متكاملة، وغيرها من مظاهر القوة الصارمة للالتزام الأمريكي بالأمن السعودي".
على غرار تايوان
وبينت "فورين أفيرز" أنه مع تحسن العلاقات، يمكن لواشنطن معاملة السعودية كتايوان، بشأن الالتزام بالتعامل مع أي هجوم ضد المملكة، باعتباره تهديدًا للسلام والأمن في الخليج ومصدر قلق بالغ للولايات المتحدة، لافتة إلى أنه يمكن لبايدن أيضًا أن يلتزم بتوفير الأسلحة اللازمة، لتمكين المملكة من الاحتفاظ بقدرات كافية للدفاع عن النفس.
وأوضحت أنه إذا انهارت المفاوضات الحالية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، واستمرت طهران في دفع برنامج أسلحتها النووية، فإن الولايات المتحدة ستحتاج أيضًا للنظر في تقديم مظلة نووية للمملكة، مقابل التزام سعودي بالتخلي عن حيازة أسلحة نووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.
ورأت المجلة أن تزويد السعودية بأحد أشكال المظلة النووية سيمثل التزامًا بعيد المدى من قِبل الولايات المتحدة، للرد على أي هجوم نووي محتمل ضد المملكة.
وأشارت إلى أنه كلما بدا التزام الولايات المتحدة، بمنع إيران من حيازة أسلحة نووية موضع شك، أصبح الردع الموسع ضروريًا، لافتة إلى أنه قد يكون البديل أن تسعى السعودية للحصول على أسلحة نووية خاصة بها، ما يساعد في إشعال سباق التسلح النووي بالشرق الأوسط.