العلاقات الجزائرية الروسية قد تصطدم بعقوبات واشنطن

 تصريحات تبون من روسيا، عدَّها مراقبون تحديًا واضحًا لفرنسا، التي لم يتبق لها كثيرًا من إرث نفوذها التاريخي، في إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بل ذهبوا الى التحذير من رد فعل واشنطن على هذه التطورات

العلاقات الجزائرية الروسية قد تصطدم بعقوبات واشنطن
الرئيس الروسي ونظيره الجزائري

السياق

تصريح للرئيس عبدالمجيد تبون، يميط اللثام عن موقف الجزائر من الوجود الروسي في مالي، الرئيس الجزائري سبق أن انتقد وجود "فاغنر" في البلد الإفريقي الجار.

 تصريحات تبون من روسيا، عدَّها مراقبون تحديًا واضحًا لفرنسا، التي لم يتبق لها كثيرًا من إرث نفوذها التاريخي، في إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بل ذهبوا الى التحذير من رد فعل واشنطن على هذه التطورات.

وخلال زيارة دولة، تكللت باتفاقيات مهمة، أعرب تبون لنظيرة بوتين عن مباركته للعلاقات الروسية مع مالي، وكذلك للمقاربة الروسية في الأزمة الليبية.

وفاء وصداقة

وأكد الرئيس الجزائري أن "مالي تبقى دولة قريبة إلينا وإذا أمكن نتشاور في تسيير ملفها".

كما طلب من نظيره الروسي "المساعدة لتثبيت اتفاق الجزائر لأنه الحل الوحيد لإنهاء الأزمة".

وأكد تبون أن بلاده "وفية لصداقتها مع روسيا، وأن التطورات في الأوضاع الدولية لا تؤثر في علاقاتها معها".

وهذا هو الموقف الذي تعلنه الجزائر، ويعده مراقبون ردًا على الضغوط الغربية، الرافضة لوجود علاقات قوية بين البلدين، حتى أن أعضاء في الكونغرس الأمريكي طالبوا بفرض عقوبات اقتصادية على الجزائر "لدعمها حرب روسيا"... حسب قولهم.

شراكة استراتيجية

وأبرم الرئيسان بوتين وتبون اتفاقيات عدة في موسكو، تهدف إلى تعميق "الشراكة الاستراتيجية"، بينما تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها في إفريقيا، وسط أجواء غير مستقرة سياسيًا في مالي وليبيا، فالأخيرة يبدو أن الآمال بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فيها تتبدد، وسط خلافات بين القوى السياسية والعسكرية، ما ينذر بعودة تحريك عجلة الحرب ثانية، إذا غابت الحلول التشاورية واحتكم كل طرف لسلاحه.

الوضع في مالي

في مالي يغيب الاستقرار عن كثير من مناطقها، وتعيش أزمة أمنية وسياسية واقتصادية عميقة متعددة الأوجه، وتواصل الجماعات الجهادية القتال ضد الدولة، لكنها ستشهد تصويتًا على دستور جديد للبلاد الأحد المقبل.

وهذا التصويت هو الأول من نوعه الذي ينظمه العسكريون -المدعومون من قوات فاغنر الروسية- منذ حكمهم البلاد في أغسطس 2020.

وتسعى روسيا إلى تقديم نفسها شريكـًا مميزًا لعديد من الدول في إفريقيا، أحيانًا على حساب فرنسا القوة الاستعمارية السابقة.

وقال بوتين -الخميس- خلال لقائه تبون: "هذا العام مميز بالنسبة للعلاقات بين روسيا والدول الإفريقية"، إذ يستضيف عددًا من الزعماء الأفارقة في يوليو بقمة في سانت بطرسبرغ.

ويشكل الاستفتاء في مالي، خطوة مهمة على الطريق الذي يفترض أن يفضي إلى عودة المدنيين إلى قيادة البلاد عام 2024 بموجب التعهدات التي قطعها العسكريون.

وقبل أقل من تسعة أشهر من الموعد المعلن، ما زالت شكوك كبيرة تتعلق بعدد من النقاط، بينها الموقع الذي يحتله الرجل الأول الحالي الكولونيل أسيمي غويتا.

كان الرئيس الجزائري استقبل -نهاية فبراير- انفصاليين ماليين سابقين، تحدّثوا عن توقعاتهم وأولوياتهم، ووضعوا سبلاً "للخروج من المأزق الراهن".

اضطرابات باماكو

وفي أبريل الماضي، أكدت مالي والجزائر رغبتهما في إعادة إطلاق اتفاق السلام الموقع عام 2015 بين الانفصاليين الطوارق السابقين شمالي مالي والحكومة المالية.

وقال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، عقب زيارة إلى باماكو حيث التقى رئيس المجلس العسكري الكولونيل أسيمي غويتا: "درسنا بشكل دقيق جداً الشروط التي يجب تلبيتها، لتحقيق انتعاش فعال ومنتج، من خلال عملية سياسية تكون بمنأى من الاضطرابات الاقتصادية"، بحسب بيان الرئاسة المالية.

كذلك شدد عطاف على تقارب وجهات النظر بين باماكو والجزائر بشأن الأساليب والخطوات والأهداف الواجبة.

مطلع أبريل، قال الانفصاليون الطوارق السابقون شمالي مالي إنه "لا توجد طريقة لبناء مستقبل مشترك" مع باماكو.

وفي ديسمبر، أعلنت مالي تعليق مشاركتها في تنفيذ اتفاق 2015 الموقع في الجزائر العاصمة.

ونص اتفاق السلام خصوصًا على تدابير اللامركزية ودمج الانفصاليين السابقين في الجيش الوطني، وقد نُفّذ بشكل محدود جداً.

التعاون الجزائري الروسي

وقال فلاديمير بوتين: "الجزائر شريك مهم لنا عربيًا وإفريقيًا"، مؤكدًا أنه أجرى محادثات "مثمرة للغاية" مع نظيره الجزائري.

وفي الكرملين، حيث أقام الرئيس الروسي حفلًا لنظيره الجزائري، على هامش توقيع عدد من الاتفاقيات وإعلان نوايا بشأن "تعميق الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين، وتثبيت مواقف بشأن الأوضاع في دول الجوار الجزائري، أكد محللون أن واشنطن لن تمرر التعاون الوثيق بين البلدين، وأنها ستلجأ إلى سياسة "الترهيب" لضبط وضع الجزائر مع روسيا.

ووفق الإعلان المنشور في موقع الكرملين الإلكتروني، تعتزم روسيا والجزائر تعزيز تعاونهما على المستوى العسكري وفي مجال الطاقة.

وتعهد البلدان "بتوسيع الشراكة لنقل التكنولوجيا" وتنفيذ "مناورات وتمارين مشتركة"، بحسب النص.

لكن لم يعلن عن أي "صفقة سلاح" وهو ما أرجعه محللون لتوجس جزائري من الغرب، بخلاف حاجة موسكو للسلاح، كما أن الحصار الاقتصادي عليها قد يعيق تحصيلها ثمنه.

الطاقة

أما في مجال الطاقة، فتعهدا "بتكثيف التعاون في مجال التنقيب عن المحروقات وإنتاجها، وتكرير النفط والغاز".

من جهته، قال عبدالمجيد تبون إن لقاءه ببوتين كان "صريحًا ووديًا، وهو ما يشهد على المستوى الرفيع للعلاقات الروسية الجزائرية".

وأضاف أنه ناقش مع بوتين عديد القضايا الدولية، بما في ذلك الوضع في الصحراء الغربية المتنازع عليها.

وحافظت الجزائر وموسكو على علاقات مميزة، منذ أن دعم الاتحاد السوفييتي السابق الجزائريين، خلال حرب الاستقلال عن فرنسا (1954-1962).

وتناهز قيمة التبادلات التجارية بين البلدين ثلاثة مليارات دولار، كما أن روسيا  أكبر مورد للسلاح لأكبر بلد إفريقي من حيث المساحة.

ومنذ بدء النزاع في أوكرانيا، تعزز روسيا علاقاتها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.