سلالة نادرة... هل انتهى عصر المؤسسين في قطاع التكنولوجيا؟
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، سلطت الضوء على الرؤساء التنفيذيين المؤسسين، الذين يقفون وراء كل ما هو جديد في قطاع التكنولوجيا، مشيرة إلى أنهم طبقة رفيعة المستوى في الولايات المتحدة.

ترجمات - السياق
"الهوس بالتكنولوجيا"... شعار رفعه القرن الحادي والعشرون، وعامًا بعد عام، يتزايد شغف الناس بكل ما هو جديد في هذا القطاع الحيوي، الذي تقوم عليه اقتصادات كبرى، وربما تنهار أخرى بسببه، لكن من يقف وراء هذا الهوس، وهذا الكم من الابتكارات الجديدة؟
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، سلطت الضوء على الرؤساء التنفيذيين المؤسسين، الذين يقفون وراء كل ما هو جديد في قطاع التكنولوجيا، مشيرة إلى أنهم "طبقة رفيعة المستوى في الولايات المتحدة".
وبينت -في تحليل للكاتبة إيلين مور- أن هؤلاء المديرين التنفيذيين ينالون إشادة دائمة، بصفتهم عباقرة في مجال الأعمال، وليس فقط مبتكرين موهوبين بشكل خارق للطبيعة، مشيرة إلى أن الازدهار التكنولوجي أُسس جزئيًا على الفكرة المشوقة، بأن بعض الناس يمكنهم رؤية المستقبل وتكييف البقية منا لإرادتهم.
لكن هؤلاء الأشخاص يغادرون المجال الآن، لأسباب غير واضحة، فها هي "نتفلكس" تقدم أول مجموعة لأرباحها من دون ريد هاستينغز، المؤسس المشارك، الرجل الذي حوَّل شركة تأجير أقراص "دي في دي" إلى واحدة من أكبر القوى في مجال الترفيه.
وقد سبقه جيف بيزوس، الذي استقال من منصب الرئيس التنفيذي لشركة أمازون عام 2021، وهو العام نفسه الذي استقال فيه جاك دورسي من "تويتر"، بينما أدار غير المؤسسين "مايكروسوفت وأبل وألفابت" أعوامًا.
بقية قليلة
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه يتبقى فقط قليل من المؤسسين الأوائل في سوق العمل حاليًا، بينهم: (مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وبراين تشيسكي الذي يرأس شركة إيربنب، ومايكل ديل الرئيس التنفيذي لشركة ديل تكنولوغيز المصنعة للحاسب الآلي، بينما يدير إيفان شبيغل شركة سناب للتواصل الاجتماعي).
وأوضحت أن مارك بينيوف يحاول إدارة خلافته في "سيلز فورس" من خلال تعيين رؤساء تنفيذيين مشاركين، لكنهم يواصلون المغادرة، ما يعني أن فترة توليه المنصب مستمرة.
وحسب الصحيفة، يشير أداء السوق إلى أن رحيل الرؤساء التنفيذيين المؤسسين ليس مدعاة لليأس دائمًا، موضحة أن التحركات الأخيرة تمثل تحولا ثقافيًا.
وبينت أن ما يزيد المخاوف من رحيل الرؤساء التنفيذيين المؤسسين، أنه بمجرد مغادرتهم يتدخل التكنوقراطيون وتحل إدارة روتينية تتبع سياسة تنفيذ القواعد محل الإبداع، الذي أسهم في توجيه العالم، خلال الفترة الماضية.
ونوهت إلى أنه "قد يكون هذا هو سبب عدم تعيين إيلون ماسك رؤساء تنفيذيين في شركاته، بما فيها "سبيس إكس" و"تسلا" و"تويتر".
وقالت الصحيفة: "فكرة أن الشركات تُدار بشكل أفضل من الذين شاركوا في تأسيسها، حتى لو لم يعودوا ذوي تأثير قوي، تحظى بشعبية خاصة لدى أصحاب رأس المال المغامر في وادي السيليكون".
فقد كتب بن هورويتز، المؤسس المشارك لشركة أندرسون هورويتز في "تويتر"، أن الشركة تفضل الرؤساء التنفيذيين المؤسسين لأنهم كانوا مفتاح الإبداع.
وأضاف: "الابتكار دائمًا ما يكون جنونيًا بحكم التعريف والتنفيذ"، مشيرًا إلى أن "معظم الناس ينظرون إلى أي فكرة مبتكرة على أنها غبية في البداية، لأنها إذا كانت فكرة جيدة، لكان شخص ما قد فعلها".
أساطير التكنولوجيا
وترى "فايننشال تايمز" أنه في أساطير عالم التكنولوجيا، غالبًا ما يُرحب بعودة مؤسسين، مثل ستيف جوبز إلى "أبل"، وستيف هوفمان إلى "ريديت" باعتبارها لحظات استعادة رؤية الشركة.
وحسب الصحيفة "تلاشى بعض السِحر مع إخفاقات مذهلة لمؤسسين مثل آدم نيومان من وي ويرك، وسام بانكمان فرايد من إف تي إكس".
ووصفت "فايننشال تايمز" المؤسسين التنفيذيين بأنهم "سلالة نادرة"، مشيرة إلى أنه رغم أن أندرسون هورويتز شهد انهيار "وي ويرك"، إلا أنه لا يزال يختار دعم أحدث مشروع تجاري لنيومان.
هورويتز، رجل أعمال ومستثمر ومؤلف أمريكي إنجليزي، كما يعد أحد كبار رجال الأعمال في تكنولوجيا المعلومات، والشريك المؤسس في شركة آندرسن هورويتز التي تستثمر في الشركات الخاصة.
شارك هورويتز في تأسيس شركة أوبسوير للبرمجيات، وشغل فيها منصب المدير التنفيذي، حتى استحواذ شركة هيوليت باكارد عليها مقابل 1.6 مليار دولار في يوليو 2007.
كان آدم نيومان قد التزم الصمت، بعد عزله من وظيفته رئيسًا تنفيذيًا لشركة وي وورك عام 2019، إذ سافر مع عائلته وأجرى عددًا قليلاً من المقابلات، بينما ألف الناس كتبًا وأعدّوا مدوّنات صوتية وبرامج تلفزيونية روائية عن سقوطه المدوّي من قمة المجد، لكن بعد مرور ثلاث سنوات، يبدو جليًا أن نيومان وجد شغفًا جديدًا في عالم التشفير خلال السبات الذي تبعه إقصاؤه من "وي وورك".
فقد ساعد نيومان بتأسيس شركتين ناشئتين منفصلتين، تعتمدان التشفير في أعمالهما: "فلو" و"فلوكاربون"، وقد بيّن نيومان أن كلمة "فلو"، التي تعني التدفق، إحدى كلماته المفضلة.
وأثار "المستثمرون المغامرون" بوادي السيليكون الشكوك، وأحيانًا العداء، منذ أن أصبحت كلاينر بيركنز عام 1972 أول شركة تضامن تفتتح مكتبًا لها في طريق ساند هيل، وهو طريق سريع عادي شمالي كاليفورنيا، أصبح مكافئًا لشارع وول ستريت .
ووصفهم المستثمر التكنولوجي المؤثر، بول غراهام، بأنهم "الشرير الكلاسيكي الذي يتعاقب عليه الجبن والجشع والخداع والاستبداد"، بينما وصفهم ناقد آخر بأنهم "أتباع إبليس الذين لا يعرفون الرحمة".
التهام العالم
بعد مرور نصف قرن من الزمان، في الوقت الذي نجد "البرمجيات تلتهم العالم"، على حد تعبير مارك آندرسن، الذي شارك في بناء متصفح موزاييك الرائد، التهم رأسُ المال المغامر سوقَ الأَوراق المالية، فشركة أبل، التي يُضرب بها المثل بالمخاطرة في مجال التكنولوجيا بكاليفورنيا، وصلت قيمتها السوقية إلى ثلاثة تريليونات دولار، بينما تهيمن "فيسبوك" و"غوغل" و"تسلا" التابعة لإيلون ماسك على المحافظ الاستثمارية.
رقابة محدودة
ترى "فايننشال تايمز" أن الرقابة المحدودة يمكن أن تؤدي إلى معاقبة السلوك السيئ من قادة الأعمال متقلبي المزاج، ويمكن أن تؤدي أيضًا إلى اختلالات هائلة في القوة، حتى في الشركات العامة، لكن من الصعب المجادلة ضد مجموعة أوجدت تريليون دولار من الأسهم، وأطلقت أفكارًا مثل الحوسبة السحابية والبث والذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، في أغلب الأحيان، يجب ألا يكون استبدال الرئيس التنفيذي المؤسس مدعاة للقلق، إذ يمكن لشركات التكنولوجيا الراسخة أن تحقق نجاحًا أكبر من غير المدير المؤسس.
فقد وجد بحث أجراه أكاديميون بجامعة نورث كارولينا، في تشابل هيل، وجامعة كاليفورنيا في إيرفين، نشرته مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، أن الشركات ذات الرؤساء التنفيذيين المؤسسين لديها تقييمات أعلى عند إدراجها، لكن هذه القيمة الإضافية لا تدوم، إذ يبدو أداؤهم على المدى الطويل ضعيفًا.
ووفقًا للباحثين، فإن الأفضل وجود رئيس تنفيذي خبير يختاره المؤسس، وهو ما أيدته "أبل" و"ألفابت"، إذ إن كلتيهما يديرها قائد أثبت ولاءه للشركة وعين مع وضع الاستمرارية في الحسبان.
فقد انضم تيم كوك إلى "أبل" عام 1998 ووصل سوندار بيتشاي إلى "غوغل" عام 2004.
وهو ما يعد بشرى طيبة لآندي جاسي، الذي يعمل في "أمازون" منذ عام 1997 ويقول إنه لا يزال يتحدث إلى بيزوس أسبوعيًا، رغم أن بدايته في العمل كانت غير مريحة، إذ إنه منذ توليه المنصب، انخفض سعر سهم "أمازون" نحو 40 في المئة.
لكن باستخدام بعض الحيل، نجح جاسي في جذب مستثمرين جدد، ففي خطاب أرسله إلى المساهمين، أعلن أن أفضل أيام "أمازون" لم تأتِ.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن جاسي نجح بهذا التصريح في جعل أسهم شركة قيمتها تريليون دولار -التي بدت كأنها خاسرة من خلال الإشارة إلى أن 80 في المئة من مبيعات التجزئة العالمية لا تزال في المتاجر الفعلية- تعود إلى الارتفاع مجددًا، بعد أن صدقه مستثمرو العالم.