بعد تزايد الصراع بين الجيش وعمران خان... هل باكستان بحاجة إلى قائد جديد؟

الصراع بين رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان والجيش وصل إلى ذروته، بعد قرار اعتقاله الأخير، قبل أن تفرج عنه المحكمة العليا.

بعد تزايد الصراع بين الجيش وعمران خان... هل باكستان بحاجة إلى قائد جديد؟

ترجمات - السياق

تعيش باكستان على صفيح ساخن، منذ أن صوَّت البرلمان بعزل رئيس الوزراء السابق عمران خان في أبريل 2022، بتهم تتعلق بسوء الإدارة، قبل أن يُكمل مدته في الحكم المقدرة بـ 5 سنوات.

ورد خان، باتهام الجيش بالتآمر عليه مع واشنطن لإسقاطه، ودعا أنصاره إلى التظاهر من أجل عودته إلى السلطة، ما ردت عليه السلطات العسكرية باعتقاله على خلفية تهم بالفساد، إلا أن المحكمة العليا الباكستانية أفرجت عنه.

ووصفت المحكمة اعتقال خان، زعيم أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، بأنه إجراء "غير سليم وغير قانوني".

كان خان -زعيم حزب تحريك إنصاف- نجا من محاولة اغتيال في نوفمبر الماضي، ومنذ ذلك الحين يعده أنصاره الصوت الصامد للشعب، لكن في المقابل، يرى معارضوه أنه شعبوي خطير، وأحد عوامل الفوضى، أكثر من كونه قوة تدفع بالبلاد نحو التغيير.

فمع اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان، يجد الجيش الباكستاني القوي -الذي يعترف منذ فترة طويلة بأنه "يدير" المشهد السياسي من وراء الستار- تفوقه الآن في حالة يرثى لها.

والخميس الماضي، دعت المحكمة العليا لباكستان إلى الإفراج الفوري عن قائد الكريكيت السابق، رئيس الوزراء السابق، وأعلنت أن اعتقاله غير قانوني، في ما عُرف بأسرع قضية لكفالة ما بعد الاعتقال في التاريخ القانوني للبلاد.

وللمرة الأولى في تاريخ باكستان، وقعت مواجهات بين أنصار عمران خان وقوات الأمن، أحرق خلالها المتظاهرون سيارات الشرطة وهاجموا مقرات الجيش، ما دفع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الاستعانة بالجيش لاستعادة النظام في ولايات خيبر وبنغاب وإسلام أباد، التي يقدر عدد سكانها بنحو 23 مليون نسمة.

واعتقلت شرطة البنغاب بباكستان أكثر من 3500 شخص بجميع أنحاء الإقليم، في إطار حملة لفرض إجراءات صارمة ضد العاملين في حزب حركة إنصاف الباكستانية، إلى جانب تحديد المشتبه بهم في ارتكاب هجمات على مقر القيادة العامة ومنزل قائد فيلق لاهور.

 

ذروة الصراع

وعلى خلفية تسارع الأحداث، رأت "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن الصراع بين رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان والجيش وصل إلى ذروته، بعد قرار اعتقاله الأخير، قبل أن تفرج عنه المحكمة العليا.

وأشارت، في تحليل لكاتبها المتخصص في الشأن الباكستاني ساداناند دوم، إلى أن القوات شبه العسكرية ذات الخوذ السوداء ألقت القبض على خان البالغ من العمر 70 عامًا بتهم فساد، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات مثيرة، تهدد بزعزعة استقرار الدولة المسلحة نوويًا التي يبلغ عدد سكانها 230 مليون نسمة.

والخميس الماضي، رأت المحكمة العليا أن اعتقال "خان" غير قانوني، لكنها قالت إنه يجب أن يبقى في دار ضيافة تابعة للشرطة تحت إشراف المحكمة، قبل أن تقرر إطلاق سراحه.

وما بين قرار اعتقاله وإطلاق سراحه، شهدت باكستان اضطرابات غير مسبوقة.

فالثلاثاء الماضي، لأول مرة في تاريخ البلاد، اخترق متظاهرون مدنيون مقر الجيش في روالبندي.

وفي لاهور، نهب الغوغاء المؤيدون لخان المقر الرسمي لقائد فيلق الجيش القوي، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.

وفي بيشاور، هاجم المشاغبون المجلس الإقليمي، وأضرموا النار في المقر الإقليمي لراديو باكستان، الإذاعة الحكومية.

وبينما لقي ثمانية أشخاص على الأقل مصرعهم، في اشتباكات بين المتظاهرين والسلطات، احتشد أنصار خان في لندن ونيويورك وتورنتو للمطالبة بالإفراج عنه.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه حتى الآن، لا الحكومة الائتلافية لرئيس الوزراء شهباز شريف ولا الجيش -الذي يعتقد على نطاق واسع أنه صاحب القرار- يظهر أي بادرة على الخضوع للمتظاهرين.

وبالفعل، فقد اعتقلت الشرطة -الأربعاء الماضي- أعضاءً بارزين في حزب خان "تحريك إنصاف".

وفرضت السلطات قيودًا شديدة على الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك، وتويتر، ويوتيوب".

 

فرص الجيش

وتتساءل "وول ستريت جورنال" عن فرص نجاح الجيش -الذي هيمن على السياسة في البلاد معظم تاريخها- في قمع محاولة خان استعادة السلطة.

ووصفت رئيس الوزراء السابق، بأنه "شعبوي ذو شخصية كاريزمية وله عدد كبير من الأتباع "، مشيرة إلى أنه رفض -حتى الآن- الخضوع لكل الضغوط التي تعرض لها.

ونوهت الصحيفة إلى أن تداعيات التنافس بين الجيش وخان على السلطة في باكستان، ستؤثر بلاشك في علاقات إسلام آباد بالولايات المتحدة ودول الخليج، والهند "النووية" المجاورة.

وأشارت إلى أن الفوضى التي حدثت مؤخرًا، تعد علامة فارقة في تاريخ البلاد، التي تتعرض -منذ فترة طويلة- لسيطرة غير متناهية للجيش، بخلاف ركود اقتصادي متوحش، وأصولية دينية متزايدة.

ونوهت إلى أنه رغم أن باكستان تمر بظروف اقتصادية قاسية، فإنها تفتخر بامتلاكها سادس أكبر جيش على مستوى العالم.

وترى الصحيفة أن البلاد لن تكون قادرة على سحب نفسها من حافة الهاوية، ما لم يُراجع قادتها الأفكار التي أوصلتها إلى مصيبتها الحالية.

واستشهدت بنموذج بنغلاديش المجاورة، التي انفصلت عن باكستان عام 1971 لتصبح دولة مستقلة، إذ إنها خلال العقدين الماضيين برزت كواحدة من أكبر مصدري الملابس في العالم، وأقامت علاقات اقتصادية ودبلوماسية وثيقة مع الهند، وأخضعت جيشها بقوة للسلطة المدنية.

وبينت أنه عام 1999، كان دخل الفرد في بنغلاديش يبلغ قرابة 400 دولار، وهو أقل قليلاً من دخل الفرد في باكستان (420 دولارًا)، لكن بحلول عام 2021، أصبح دخل الفرد في بنغلاديش نحو 2460 دولارًا أمريكيًا، بنسبة أعلى 60% منه في باكستان.

وأفادت بأن ما يقرب من ثلاثة أرباع البنغلاديشيات متعلمات، مقارنةً بأقل من نِصف الباكستانيات.

بينما يُمثل التصنيع، وهو مقياس مهم لقدرة أي بلد فقير على زيادة الإنتاجية عن طريق نقل العمال من المزارع إلى المصانع، 21% من اقتصاد بنغلاديش، مقارنةً بـ 12% فقط في باكستان.

كما يبلغ احتياطي النقد الأجنبي لبنغلاديش البالغ نحو 30 مليار دولار، سبعة أضعاف احتياطات باكستان.

 

سبب الأزمات

وأرجعت "وول ستريت جورنال" مشكلات باكستان إلى ما سمتها "الأيديولوجية التأسيسية المتجذرة"، بعد اقتطاع وطن تقطنه أغلبية مسلمة من شبه الجزيرة الهندية باسم باكستان.

ونقلت عن السفير الباكستاني السابق في واشنطن حسين حقاني، ما صاغه في كتابه الذي نُشر عام 2018 "إعادة تصور باكستان"، أن البلاد "قررت أن تؤسس نفسها كدولة مستقلة على الأسس نفسها التي سعت إلى إنشائها (القومية الإسلامية، والإسلاموية الشاملة والتنافس مع الهند الهندوسية)، بديلًا لنهج أكثر براغماتية يحتضن "الاختلافات العرقية واللغوية والثقافية" للباكستانيين، مع السعي لتحقيق مصالحهم المادية أيضًا.

وحسب حقاني "تشبثت باكستان بأيديولوجية تؤدي إلى نتائج عكسية، تشمل العسكرة، والأيديولوجية الإسلامية الراديكالية، والصراع الدائم مع الهند، والاعتماد على الدعم الخارجي، ورفض الاعتراف بالهويات العرقية والتعددية الدينية".

أمام ذلك، ترى الصحيفة الأمريكية، أن مواجهة خان مع الجيش قد تكون أشعلت الاضطرابات الأخيرة، لكن الجذور الأيديولوجية التي تمنع القادة الباكستانيين من اتباع سياسات أكثر عملية، مثل التحديث الاقتصادي والسلام مع الهند، تعد سببًا رئيسًا في إشعال هذه التوترات، واستمرارها أيضًا.

وبينما يرى أنصار خان أن خلافه مع قائد الجيش الجنرال عاصم منير، دليل على أنه السياسي الوحيد القادر على إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، لكن بفحص سجله وخطاباته، تظهر صورة معاكسة تمامًا لذلك.

فحسب الصحيفة، يُمثل خان مزيجًا غريبًا من النزعة الإسلامية الباكستانية التقليدية، والمناهضة اليسارية المعادية لأمريكا، مشيرة إلى أنه قد يصور نفسه كشخصية ثورية، إلا أنه مازال يتمسك بالأفكار القديمة، في وقت باتت البلاد في أشد الحاجة لقائد مدني مختلف، أو قيادة عسكرية أكثر استنارة، لتغيير مسار البلاد نحو النهضة.