نيويورك تايمز: مهما يحدث في الانتخابات... تركيا في ورطة

المعارضة التركية لم تكن متفائلة كاليوم، ورغم الصعوبات التي واجهتها المعارضة -على مدى العقدين الماضيين- لم تتوحد الظروف في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية مثل اليوم.

نيويورك تايمز: مهما يحدث في الانتخابات... تركيا في ورطة

ترجمات - السياق

سلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على الانتخابات التركية، المقرر إقامتها 14 مايو الجاري، التي توصف بأنها الأهم في تاريخ الجمهورية، وتشهد تحديات غير مسبوقة للحزب الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان، تنذر برحيله عن الحكم بعد 20 عامًا، لكن حتى حال خسارة أردوغان، فإن تركيا لاتزال في ورطة، حسب الصحيفة.

وبعنوان "مهما يحدث مُستقبلاً، فتركيا في ورطة"، نشرت الصحيفة الأمريكية مقالًا للبروفيسور جيهان توجال، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، قال فيه إن المعارضة التركية لم تكن متفائلة كاليوم، ورغم الصعوبات التي واجهتها المعارضة -على مدى العقدين الماضيين- لم تتوحد الظروف في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية مثل اليوم.

وأشارت الصحيفة إلى حالة الفوضى التي يعانيها الاقتصاد التركي منذ الانهيار الحاد لليرة عام 2018 التي لم تفلح أي من السياسات العشوائية للحكومة في إعادتها إلى مسارها الصحيح، وتفاقم الفقر بمناطق مختلفة في البلاد، بما فيها معقل حزب العدالة والتنمية، وتزايد القلق إزاء إدارة أردوغان الاستبدادية، على حد وصف الصحيفة.

 

زلزالان

وأضافت أن الزلزال المدمر الذي أودى بحياة 50 آلف شخص في تركيا، فبراير الماضي، وألحق دمارًا هائلًا بالبلاد، ربما يكون القشة الأخيرة في عرش أردوغان.

وللمفارقة فإن زلزالًا آخر وقع عام 1999 ساعد في بزوغ نجم "العدالة والتنمية" ووصوله للسلطة، بعدما كشفت الكارثة عجز الأحزاب الحاكمة والرئيسة، وظهر حزب الرئيس أردوغان كالخيار الوحيد الكفء والنزيه، بحسب الصحيفة.

الصحيفة الأمريكية أوضحت أن صورة الحزب الكفء والنزيه لم تعد موجودة، ووفقًا لاستطلاعات الرأي يبدو أن الناخبين الأتراك سينهون 21 عامًا من حكم المحافظين السلطويين.

وأضافت أن انتهاء حكم أردوغان يبقى احتمالًا مثيرًا، لكن في الوقت نفسه، أي نشوة حالية تعد مبكرة للغاية، فحتى لو انتصرت المعارضة ستواجه المشكلات الهيكلية نفسها، التي أعاقت البلاد سنوات. 

ولفت بروفيسور جيان توجال، مؤلف كتاب "سقوط النموذج التركي" إلى أنه حتى لو رحل أردوغان عن الحكم، فمشروعه السياسي باقٍ، وهو أمر يكفي لكبح جماح الحماسة، فربما تتخلص تركيا من قائدها الاستبدادي لكنها لاتزال في ورطة كبيرة.

 

الاستعادة

وركز توجال على أكثر كلمات المعارضة استخدامًا وهي "الاستعادة"، موضحًا أنه رغم عدم توافق الأحزاب الستة المكونة لتحالف المعارضة في كل الأمور هناك مؤشرات قوية لما يرغبون في استعادته.

وقال إن اثنين من الأحزاب المعارضة يتزعمهما قياديان سابقان بالعدالة والتنمية، الأول هو علي باباجان، الذي وضع السياسة الاقتصادية السابقة للحزب، والآخر أحمد داود أوغلو الذي يعود إليه الفضل في نهج السياسة الخارجية لتركيا، مشيرًا إلى أن الانحياز التركي إلى الغرب وأسواقه، بزغ تحت قيادة هذين الزعيمين.

 وعد الكاتب العودة لهذا النهج غير ممكنة، فاقتصاديًا المناخ  العالمي غير ملائم للأسواق المفتوحة، التي تعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر ورفع أسعار الفوائد وتحرير التجارة، كما كان الحال في العقد الأول من صعود العدالة والتنمية للسلطة.

جيوسياسيًا، موقف الاتحاد الأوروبي تجاه انضمام تركيا تغير -وأقرب إلى الاستبعاد- وعلى نطاق أوسع لم يعد ممكنًا الاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية أو هيمنتها الدبلوماسية.

ويوضح الكاتب أن الحكومة كانت تعلم ذلك جيدًا، وتحولت من سياسيات على باباجان والأسواق المفتوحة بشكل فعال، من خلال الانكماش بالأسواق العالمية خلال العقد الأخير، وعلى مستوى العلاقات الدولية، فالسبب الرئيس لاستقالة أحمد داود أوغلو من منصبة رئيسًا للوزراء عام 2016 كانت ابتعاد الحزب الحاكم عن النهج المنحاز للغرب، وسط تنامي للنفوذ الروسي والصيني بالمنطقة، الذي لجأ معه حزب العدالة والتنمية إلى التوازن في رؤيته الدولية، وعدم الاعتماد على خيار واحد، في الوقت نفسه لم يبتعد كُليًا عن الحلفاء الغربيين.

وفي السنوات الأخيرة حاول "العدالة والتنمية" اللجوء إلى عدد من الخيارات الواقعية لإداراة الاقتصاد لكنها لم تفلح، ورغم الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الحزب، فإن مواصلته على رأس السلطة كان وراءها دعم شعبي واسع، بُني على مدى خمسة عقود من العمل الذي دمج بين التواصل المباشر، والروابط غير الرسمية كمساعدة الناس في إقامة فعاليات اجتماعية على سبيل المثال، أو الوساطة في المشكلات، إضافة إلى الإنضمام الرسمي للحزب.

 

استفادة هشة

ويرى الكاتب أن تلك الاستفادات الهشة، التي قدمها "العدالة والتنمية" للناس، أسهمت في نوع من الروابط المتماسكة مع الشعب، حتى مع تغير السياسات الموجهة نحو السوق، وأن أحد أسباب استمرارها أنه لم تنجح أي قوى سياسية بالبلاد في إقامة هذه الروابط، عدا الحركة الكردية وحلفائها الاشتراكيين الصغار.

ويضيف أنه من دون بديل واضح للوضع الراهن، كثيرون سيظلون مع القيادة السياسة التي يعرفونها، وأن الوعود الأخرى التي أطلقها المرشح الرئاسي كمال كليغدار أوغلو، لا تكفي لكسر قمع "العدالة والتنمية" للمجتمع.

 وبدلا من ذلك فإن الأحزاب السياسية عالقة في التفكير القديم الخاص بإنعاش الاستثمار الأجنبي المباشر رغم تراجعه العالمي، وتوجه انتقادات حادة للمشاريع الحكومة مثل صناعة السيارات، من دون أن توضيح بديلًا مقنعًا وجيدًا، وهو ما يعد تحذيرًا لما هو قادم.

 ويقول الكاتب إنه مع ذلك فالتصويت ضد أردوغان يسبب ارتياحًا كبيرًا، بعد أكثر من عقدين من القيادة التي ركز خلالها أردوغان السلطة في يده، وسجن معارضيه وقمع المحاكم.

وفي السنوات الأخيرة تدهور الاقتصاد، فزادت نبرة التمييز الديني والعرقي، وفتح ذراعيه للجماعات المتطرفة المعادية للنساء، لذا فهزيمة ذلك الاتجاه اليميني المتشدد ضرورية.

ويختم الكاتب بأن الفوز الانتخابي لن يكون نهائيًا، فحال الهزيمة، سيواصل حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه حملاتهم المثيرة للكراهية في مناطق متشددة، وقد يلجأون إلى قضايا تتعلق بالهوية، لن تطول الأكراد والنساء والمجتمعات المتحولة جنسيًا والأقليات الدينية، مشيرًا إلى أن أفضل دواء لهذا التهديد، برنامج تنظيمي متماسك، بالتحديد ما يبدو أن المعارضة تفتقر إليه، فتركيا لا تحتاج إلى استعادة ماضيها، بل إلى وضعها على مسار جديد تمامًا.