التلغراف: ببناء الجسور مع الجميع... الإمارات تمارس سياسات ناضجة

رغم خروج الاتفاق النووي، بين الولايات المتحدة وإيران عن مساره، فإن هناك بوادر على ذوبان الجليد.

التلغراف: ببناء الجسور مع الجميع... الإمارات تمارس سياسات ناضجة

ترجمات – السياق

"تبني جسورًا مع الجميع، ولا تتوقف عن مد يد العون هنا وهناك"، هكذا وصفت صحيفة التلغراف البريطانية، دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مشيرة إلى أنه مع تشتت القوى العظمى، أثبتت أبوظبي أنها حليف مخلص للمملكة المتحدة.

وذكرت، في تحليل للنائب توبياس إلوود، رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، أنه مع تركيز انتباه العالم على أكبر تهديد جيوسياسي في العالم من المحور الروسي الصيني الجديد، يُظهر شريك استراتيجي للمملكة المتحدة، قيادة هادئة في الشرق الأوسط، وهي منطقة رغم أنها قد تكون قد "فقدت الزخم الدبلوماسي، فإن استقرارها أمر حيوي للعالم".

وأشار الكاتب إلى أن طموحات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كانت قد تلاشت منذ الانسحاب الكارثي من أفغانستان، إلا أن البيت الأبيض أعاد اهتمامه بهذه المنطقة، لما لها من أهمية كبرى في نواحٍ عدة.

واستشهد بتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال قمة الرياض، العام الماضي، التي قال فيها: إن الولايات المتحدة "لن تنسحب وتدع الصين أو روسيا أو إيران تملأ الفراغ".

وأضاف الكاتب: "قد تكون الولايات المتحدة قلقة بشأن الامتداد الاقتصادي للصين عبر المنطقة، لكنها -حتى الآن- لم تُخرج سوى قليل من البدائل".

وعاب النائب البريطاني على الإدارة الأمريكية الحالية، تراجعها في دفعها باتجاه سلام أوسع، كالذي تبنته إدارة سلفه دونالد ترامب، عبر اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

 

خطوة للأمام

ورغم تراجع إدارة بايدن عن استكمال ما بدأه ترامب في المنطقة، خصوصًا في ما يتعلق باتفاقات إبراهيم، فإن إلوود وصف دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها "اتخذت خطوة للأمام بتوقيعها الاتفاقية قبل نحو ثلاثة أعوام".

وأشار إلى أنه منذ توقيعها اتفاقيات إبراهيم عام 2020، دخلت الإمارات العربية المتحدة -التي بدأت تطبيع العلاقات مع إسرائيل- في سياسات ناضجة تُمثل فِكر وأهداف القرن الحادي والعشرين، لتشكيل السلام والاستقرار في المنطقة، من خلال العمل للتوافق وحُسن الجوار.

وأوضح النائب البريطاني أنه رغم الاضطرابات السياسية داخل إسرائيل، فإن الإماراتيين مازالوا يراقبون الوضع، لاستكمال ما بدأوه، مشيرًا إلى أنهم يدركون جيدًا أن مسار هذه اللعبة غالبًا ما يأخذ وقتًا طويلًا.

وما يؤكد هذا التوجه، أن إسرائيل والإمارات، وقعتا الشهر الماضي، "الاتفاقية الجمركية بين الجانبين"، بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية، إيلي كوهين، وسفير الإمارات لدى إسرائيل، محمد آل خاجة.

كما تتداول مئات الشركات الإسرائيلية والإماراتية مع بعضها، بينما ألغى اتفاق جديد وقِّع هذا الشهر 96 في المئة من الرسوم الجمركية على البضائع بين البلدين.

وفي لفتة أخرى، افتتح الإماراتيون البيت الإبراهيمي هذا العام، وهو مركز ديني واحد في أبوظبي به مسجد وكنيسة وكنيس، حيث يمكن للديانات الثلاث أن تتعبد في وئام وسلام.

وبعد زلزال 6 فبراير الذي ضرب تركيا وسوريا، وأودى بحياة 50 ألف شخص، لعب الإماراتيون دورًا غير مسبوق في سوريا، لفتح ممرات إنسانية لضحايا الكارثة.

وشدد النائب البريطاني على أنه "من دون هذا التدخل، كان عدد الضحايا سيتضاعف"، مشيرًا إلى أن دور أبوظبي لم يتوقف عند ذلك فقط، وإنما أيضًا أسهمت في توزيع أكثر من 100 مليون دولار (80 مليون جنيه استرليني) من المساعدات الإنسانية على متضرري الزلزال.

 

تغيير المنطقة

ورأى إلوود أن هذه التحركات التي وصفها بـ"الجريئة" غيّرت ديناميكية المنطقة، لافتًا إلى أنه خلال الشهر الماضي، بعد سنوات من العلاقات الفاترة، وقَّعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية تجارية مع تركيا، يمكن أن تضاعف حجم التجارة إلى 40 مليار دولار في غضون خمس سنوات.

ورأى النائب البريطاني أنه في ظِل غياب أي استراتيجية للقوى العظمى بالمنطقة خلال الفترة الأخيرة، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تتبنى سياسة المشاركة البنّاءة مع خصومها التقليديين (إسرائيل وقطر وتركيا وإيران).

فببطء وثبات، يواصل الإماراتيون فتح الاتصالات مع الجميع، وتوسيع الجهود الدبلوماسية والوساطة، مع تجنُّب أي مواجهة محتملة.

وأشار الكاتب إلى دور جديد تخطط له الإمارات، من خلال تقريب وجهات النظر بين إيران والغرب.

وبيّن أنه رغم خروج الاتفاق النووي، بين الولايات المتحدة وإيران عن مساره، فإن هناك بوادر على ذوبان الجليد.

وشدد النائب البريطاني، على أنه رغم الخلافات بين الغرب وطهران، فإن الإماراتيين رحبوا بحذر بالتدخل لاستكمال المفاوضات، ودعوا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة أبوظبي، التي ستكون الأولى منذ عام 2007، للمشاركة في فعاليات مؤتمر المناخ الدولي الذي تستضيفه هذا العام بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر.

في الوقت نفسه، وقَّعت الإمارات العربية المتحدة، الدولة المضيفة لمؤتمر كوب28 هذا العام، صفقة مع الولايات المتحدة لإنفاق 100 مليار دولار على مشاريع الطاقة النظيفة، و100 جيغاوات من قدرة توليد الطاقة بحلول عام 2035 "لتعزيز أمن الطاقة ونشر تكنولوجيا الطاقة النظيفة ودعم العمل المناخي".

وفي المملكة المتحدة، يستثمر الإماراتيون مئات الملايين في مشروعات علوم الحياة "من دون ضجة كبيرة"، حسب وصف الكاتب

ومن المقرر أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين، عبدالله بن زايد وجيمس كليفرلي، الاثنين، لاستعراض التقدم المحرز في شراكة الاستثمار السيادي بين الإمارات والمملكة المتحدة، التي تستثمر ملايين في قطاعات "التكنولوجيا والبنية التحتية والرعاية الصحية وعلوم الحياة والطاقة النظيفة والمتجددة".

وتعليقًا على التحركات الإماراتية الأخيرة، قال إلوود: "تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومد يدها لإيران، والاستثمار في مستقبل المملكة المتحدة وتوقيع أكبر صفقة في العالم مع الولايات المتحدة لتعزيز الاستدامة بين الدول الأكثر تضررًا من تغير المناخ، سياسة الناضجين سياسيًا واقتصاديًا، التي تتسم باحترافية متناهية، من دون السعي إلى الحصول على مقابل أو لتسليط الضوء".

وأضاف: "مع تشتيت انتباه القوى العظمى، تثبت الإمارات أنها حليف مخلص للمملكة المتحدة وعضو جدير في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2023، ما يدفع باتجاه المشاركة البناءة من دون المساس بقيمها الأساسية في منطقة مضطربة".