تتويج تشارلز الثالث... كيف كانت الاحتفالات الأكبر في بريطانيا منذ 70 عامًا؟

من الإمارات، شارك الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، لتمثيل البلاد في حفل التتويج،

تتويج تشارلز الثالث... كيف كانت الاحتفالات الأكبر في بريطانيا منذ 70 عامًا؟

السياق

في حدث بعبق الماضي ولمسات الحاضر، توج الملك تشارلز الثالث ملكًا لبريطانيا، في أكبر احتفال رسمي تشهده منذ 70 عاما، اتسم بالأبهة والفخامة.

وبإحياء تقاليد وعادات أكثر من ألف عام، شاهد ملايين -عبر المملكة المتحدة وغيرها من بلدان العالم- مراسم تتويج تشارلز الثالث بلقب الملك رقم أربعين، في احتفالات جمعت بين المراسم الدينية ومظاهر الأبهة.

كيف كان الاحتفال؟

بعد ساعات من السماح للشعب بدخول مناطق مشاهدة الموكب الملكي في السادسة صباحًا، بدأت الاحتفالات الرسمية بموكب من قصر باكنغهام إلى كنيسة وستمنستر.

وبينما اصطفت الحشود على جانبي طريق «ذا مال»، نصبت أمام قصر باكينغهام مقاعد مخصصة للضيوف المدعوين، بينهم قدامى المحاربين وعاملون بخدمات الرعاية الصحية الوطنية ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.

وشارك قرابة 200 من وحدة سلاح الفرسان الملكية التابعة للقوات المسلحة البريطانية، في موكب الملك الذي انطلق من كنيسة وستمنستر، بينما اصطف ألف من القوات المسلحة على جانبي الطريق.

خط سير الموكب

في خروج على التقاليد، جلس الملك تشارلز الذي ارتدى زيه العسكري، في عربة اليوبيل الماسي الملكية وليس كالمعتاد، في العربة الذهبية الملكية الأقدم.

وانطلق الموكب الذي كان أصغر بكثير من نظيره عام 1953، من قصر باكنغهام عبر طريق «ذا مال»، في اتجاه ميدان الطرف الأغر، مرورًا بطريق وايتهول وشارع البرلمان، حتى وصل الباب الغربي لكنيسة وستمنستر.

ومن الباب الغربي العظيم دخل الملك تشارلز، ثم سار عبر صحن الكنيسة إلى أن وصل إلى قاعتها الوسطى، بينما تقدمه زعماء دينيون وممثلون لبلدان الكومنولث يحمل كل منهم علم بلاده، يرافقه رؤساء وزراء بينهم رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك، وممثلو التاج البريطاني ببلدان الكومنولث.

وما أن بدأ الاحتفال، انطلقت المقطوعات الموسيقية التي اختارها الملك تشارلز بنفسه، منها 12 مقطوعة كتبت خصيصًا لهذه المناسبة، بينها مقطوعة للفنان أندرو لويد ويبر، وموسيقى أرثوذوكسية يونانية إحياءً لذكرى والده الأمير فيليب.

مراحل التتويج

في مراسم استمرت قرابة ساعتين، مر التتويج بمراحل عدة، بينما دعي أفراد من عامة الشعب، لأداء قسم بالولاء للملك.

إلا أنه في مخالفة أخرى للتقاليد، ستلعب قسيسات دورًا بارزًا في المراسم، كما كان لزعماء دينيين غير مسيحيين دور ملموس.

الإقرار

في أولى مراحل التتويج، جرى تقديم الملك تشارلز إلى الرعية، في تقليد يعود إلى العصور الأنغلو-ساكسونية، بينما وقف جاستين ويلبي كبير أساقفة كانتربري، إلى جانب كرسي التتويج الذي يبلغ عمره 700 عام، والتفت إلى جانبي الكنيسة، معلنًا أن تشارلز الملك، لينطلق الحضور هاتفين: «فليحفظ الله الملك».

القسم

تلا كبير أساقفة كانتربري قسم التتويج، الذي يعد شرطًا قانونيًا، ثم طلب من الملك تشارلز تأكيد التزامه بالقانون وتعاليم الكنيسة الإنجليزية خلال عهده.

المسح بالزيت المقدس

في مرحلة كانت مقتصرة على الملك، كونها الأكثر قداسة بين مراسم التتويج، خلع تشارلز الثالث عباءة التشريفات وجلس على كرسي التتويج، كي يُمسح بالزيت لتأكيد المكانة الروحية للملك، الذي يعد أيضًا رأس الكنيسة الإنجليزية.

وصب كبير الأساقفة زيتًا خاصًا من قارورة ذهبية تسمى «الأمبولة» في ملعقة التتويج، ومسح به رأس الملك وصدره ويديه بعلامة الصليب.

واستُخرج الزيت الذي دهن به الملك تشارلز من ثمار أشجار الزيتون، في اثنين من بساتين جبل الزيتون بالقدس، وبورك خلال مراسم خاصة بكنيسة القيامة في المدينة.

وتعني لحظة التتويج، ارتداء الملك تشارلز، تاج القديس إدوارد للمرة الوحيدة في حياته، الذي يحمل اسم تاج آخر أقدم بكثير كان قد صُنع للملك والقديس الأنغلو-ساكسوني إدوارد المعترف.

وسيكون الملك تشارلز الثالث سابع ملك يرتدي ذلك التاج، بعد تشارلز الثاني وجيمز الثاني وويليام الثالث وجورج الخامس وجورج السادس وإليزابيث الثانية التي كانت آخر من ارتداه خلال مراسم تتويجها عام 1953.

وبينما قدمت إلى الملك تشارلز الثالث رموز الملكية، مثل كرة الملك الذهبية وخاتم التتويج وصولجان الملك ذي الصليب وصولجان الملك ذي الحمامة، يضع كبير الأساقفة التاج فوق رأس الملك، وتعزف الأبواق وتطلق الأعيرة النارية الاحتفالية عبر أنحاء المملكة المتحدة.

المرحلة الأخيرة من التتويج شملت جلوس الملك على العرش، بينما رفعه كبير الأساقفة والأساقفة وأعضاء بمجلس اللوردات بالبرلمان البريطاني على العرش، ثم انحنى عدد من أفراد الأسرة المالكة وأعضاء مجلس اللوردات بالبرلمان واحدًا تلو الآخر أمام الملك الجديد، وأقسموا بالولاء له وقبلوا يده اليمنى.

وجرى مسح الملكة كاميلا بالزيت وتتويجها، ثم جلوسها على العرش خلال مراسم، لم تتضمن الإدلاء بالقسم، ووضع على رأسها تاج الملكة ماري، الذي جرى تعديله وإزالة بعض أقواسه وترصيعه بماسة كلينان الثالثة وماسة كلينان الرابعة وماسة كلينان الخامسة.

شمل الجزء الأخير من المراسم الكنسية، مشاركة الملك والملكة في "المناولة"، وهو طقس العبادة الرئيس في الكنيسة، بينما وقف الملك والملكة تاركين عرشيهما، ودخلا مصلى القديس إدوارد، وخلع الملك تشارلز تاج القديس إدوارد ووضع على رأسه تاج الامبراطورية.

عاد الملك والملكة إلى قصر باكنغهام عبر الطريق الذي سلكاه من هناك إلى الكنيسة، بالعربة الملكية الذهبية التي يبلغ عمرها 260 عامًا، والتي استُخدمت في جميع مراسم التتويج، منذ الملك ويليام الرابع الذي توج عام 1831.

وتقول هيئة الإذاعة البريطانية، إن الأبناء الثلاثة للأمير ويليام، الأميرين جورج ولوي والأميرة شارلوت، انضموا إلى والديهما في عربة تسير خلف العربة الملكية الذهبية، بطريق يبلغ طوله 2.29 كم.

شرفة القصر

يقف الملك الجديد منذ تتويج الملك إدوارد السابع عام 1902، في شرفة قصر باكنغهام لتحية الجماهير المحتشدين أمام القصر، بينما قال قصر باكنغهام إن الملك تشارلز والملكة كاميلا سيواصلان ذلك التقليد، لكن لم يتأكد مَن ينضم إليهما في الشرفة مِن أعضاء الأسرة الملكية.

وباحتفالات جوية لطائرات السهام الحمراء، شهدت الحشود التي اجتمعت أمام القصر ختام احتفالات التتويج الرسمية بتشكيلات جوية تحلق فوق القصر.

أجواء عكرت صفو الاحتفالات

في مشاهد عكرت قليلًا صفو الاحتفالات، ألقت السلطات البريطانية القبض على مجموعة من المتظاهرين المناهضين للنظام الملكي، أثناء محاولتهم الانضمام إلى الحشود، حيث كانوا يحملون لافتات ويرتدون قمصانًا تظهر معارضتهم للحفل.

وبهتاف «ليس ملكي»، سُمع عشرات يهتفون ضد الملك تشارلز الثالث، بينما رد آخرون بين الحشود النشيد الوطني لبريطانيا «حفظ الله الملك».

وبحسب «بي بي سي»، فإن ما بين 1500 و2000 شخص من مؤيدي النظام الجمهوري، قد يتظاهرون يوم تتويج الملك تشارلز الثالث، منددين بالملك والملكية في بريطانيا.

القادة المشاركون

في الاحتفالات المهيبة، شارك ممثلون لدول عدة، بينهم قادة عرب وأفارقة، كالعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وولي العهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

ومن الإمارات، شارك الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، لتمثيل البلاد في حفل التتويج، بينما شارك من السعودية، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء.

ومن سلطنة عُمان، شارك نجل السلطان هيثم بن طارق، ذي زين بن هيثم آل سعيد، في مراسم التتويج، بأكبر احتفال رسمي في بريطانيا منذ 70 عامًا، وشارك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

كما وصل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزوجته الملكة رانيا، مساء الجمعة، إلى العاصمة لندن، حيث أقام الملك تشارلز حفل استقبال لزعماء العالم المجتمعين في لندن، بينهم زوجة الرئيس الأمريكي جيل بايدن وحفيدتها فينيغان، وملك إسبانيا فيليب السادس والملكة ليتيزيا، وسلطان بروناي حسن البلقية، ورئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي.

كما حضر ملك وملكة إسبانيا، وولي عهد الدنمارك، وولي عهد اليابان، وأمير موناكو، وملك ماوري، وملك تايلاند.

وشارك -كذلك- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ورئيس الوزراء النيوزيلندي كريس هيبكنز، والوزيرة الأولى في حكومة إيرلندا الشمالية ميشيل أونيل، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ورئيس الفلبين فرديناند ماركوس.

كما حضر نائب الرئيس الصيني هان جينغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وزوجته أكشاتا مورتي، إلى جانب أعضاء الحكومة.

كما حضر الرئيس إيمرسون منانجاجوا، وهو أول رئيس لزيمبابوي يزور بريطانيا منذ عقدين، إضافة إلى حضور الرئيس الرواندي بول كاغامي، والملك مسواتي الثالث من إيسواتيني "سويزلاند سابقًا".

ورغم انتقاده بشدة العائلة المالكة، بعد انسحابه من واجباته الملكية ورحيله مع زوجته وأطفاله إلى الولايات المتحدة، حضر الأمير هاري الابن الأصغر للملك، مراسم التتويج.

غائبون عن مراسم التتويج

تغيب عن مراسم تتويج تشارلز الثالث ملكًا، ميغان ميركل زوجة الأمير هاري، إذ ستبقى في كاليفورنيا مع ولديهما ليليبت وآرتشي، كما غاب معظم أفراد الطبقة الأرستقراطية البريطانية.

وغابت -كذلك- سارة فيرغوسون، الزوجة السابقة للأمير أندرو شقيق الملك، إضافة إلى ليدي باميلا ماونتباتن (94 عاما) ابنة لويس ماونتباتن المقرب جدًا من الملك تشارلز، والرئيس الأمريكي جو بايدن.

وعن سبب غياب بايدن، قال البيت الأبيض، إن الرئيس تلقى دعوة، لكنه أرسل زوجته، السيدة الأولى جيل بايدن، ومبعوثاً دبلوماسياً، من دون أن يقدم أي سبب لغياب الرئيس.

الأبعاد الدينية لمراسم التتويج

في مراسم جرى التحضير لها منذ أشهر، اتسمت الطقوس بالبعد الديني، الذي حافظت عليه الملكية البريطانية منذ قرون، رغم تغير الزمن، واختلاف السياقات المحيطة باعتلاء الملك عرش بريطانيا.

ويعد الملك في بريطانيا حارس العقيدة، وهو لقب منحه بابا الكنيسة الكاثوليكية ليو العاشر للملك هنري الثامن عام 1521، وبقي الملوك من بعده يحملونه، حتى بعد انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.

إلا أن البرلمان البريطاني أقر بعد الانفصال، تعيين الملك كرأس لكنيسة إنجلترا، وهو لقب حمله كل الملوك المتوجين منذ ذلك الحين، وسيحمله تشارلز الثالث أيضاً.

يعد احتفال التتويج مناسبة للاعتراف بالتنوّع الديني، الذي يعد إحدى سمات المجتمع البريطاني، ومن الملفات التي شكلت صورة تشارلز العامة منذ سنوات.

وتقول هيئة الإذاعة البريطانية، إن تشارلز الثالث لن يتخلى عن ألقابه الدينية، كحارس للعقيدة ورأس لكنيسة إنجلترا، لأن ذلك يتطلب تعديلاً للقانون. 

إلا أن طقوس التتويج شهدت مشاركة ممثلين لمختلف الأديان، ما يؤكد رغبة الملك تشارلز الثالث في احتضان العقائد والشعائر كافة، بما يتناسب مع شكل المجتمع البريطاني، بكل شرائحه.

وتأكيدًا لذلك، تقدم مسيرة التتويج في كاتدرائية وستمنستر، ممثلون دينيون للمسلمين الشيعة والسُّنة، واليهود، والهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجاينيين، والبهائيين، والزرادشتيين.

كما شارك ممثلون لعدد من الأديان، في تسليم تشارلز بعض الشعارات الملكية غير المرتبطة برموز مسيحية، أثناء مراسم التتويج، وارتدائه الصولجان والتاج.

بدورها، قالت صحيفة التلغراف البريطانية، إن العظة كانت مناسبة للتركيز على فهم كنيسة إنجلترا الحديث لدورها، في حماية التنوع وحرية المعتقد.