شلل في الجهاز الإداري وقصف واتهامات... 32 يومًا من الأزمة السودانية

ضربات جوية واشتباكات وانفجارات جنوبي الخرطوم، إضافة إلى قصف عنيف في أجزاء من مدينتي بحري وأم درمان المجاورتين، اللتين يفصلهما نهر النيل عن العاصمة، هكذا كان المشهد في السودان، الذي أثار القتال المتخذ من الخرطوم مركزًا، اضطرابات في أنحاء أخرى من البلد الإفريقي، خاصة في إقليم دارفور غربي البلاد

شلل في الجهاز الإداري وقصف واتهامات... 32 يومًا من الأزمة السودانية

السياق

بعد أكثر من شهر على اندلاع الأزمة السودانية، بات ثالث أكبر بلد إفريقي مهددًا بالاندفاع إلى الانهيار، خاصة بعد انسداد أفق الحوار بين الطرفين المتناحرين، ما أثار قلق دول الجوار التي تعاني أزمات.

تلك الأزمة التي اندلعت في 15 أبريل الماضي، بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، أوقعت أكثر من 750 قتيلًا وآلاف الجرحى، إضافة إلى قرابة مليون نازح ولاجئ، وجعلت قرابة 45 مليون مواطن يعيشون في الخوف، ويعانون أزمات غذائية تصل إلى حد الجوع.

تطورات ميدانية

ضربات جوية واشتباكات وانفجارات جنوبي الخرطوم، إضافة إلى قصف عنيف في أجزاء من مدينتي بحري وأم درمان المجاورتين، اللتين يفصلهما نهر النيل عن العاصمة، هكذا كان المشهد في السودان، الذي أثار القتال المتخذ من الخرطوم مركزًا، اضطرابات في أنحاء أخرى من البلد الإفريقي، خاصة في إقليم دارفور غربي البلاد.

شهود عيان، قالوا إنهم سمعوا أصوات ضربات جوية وقصف مدفعي، تصاعدا بشدة مساء الثلاثاء، مؤكدين أن قوات الدعم السريع هاجمت قواعد عسكرية رئيسة شمالي أم درمان وجنوبي الخرطوم، في مسعى لمنع الجيش من نشر أسلحة ثقيلة وطائرات مقاتلة.

وقال أحد السكان ويدعى أيمن حسن (32 عامًا) في تصريحات لوكالة رويترز: «هذا وضع لا يطاق، خرجنا من منزلنا إلى منزل أحد الأقرباء في الخرطوم هربًا من الحرب، لكن الضرب يلاحقنا أينما نذهب (...) لا نعرف ما ذنب المواطن، لماذا الحرب وسط البيوت؟».

طرفا الأزمة

أعلن الجيش السوداني، أن قواته صدت هجومًا وصفه بـ«اليائس» لقوات الدعم السريع بمعسكر الكدور، ما أسفر عن تكبد الأخيرة خسائر في الأرواح، والحصول على عدد من العربات.

وزعم الجيش السوداني، أن قواته بسطت سيطرتها على منطقة السجانة وأبوحمامة ضمن محلية الخرطوم، مدعيًا أسر عدد من قوات الدعم السريع والاستيلاء على عرباتهم، بعد أن حاولوا دخول مدينة الأبيض.

وأشار إلى أن مفرزة من الاستخبارات والقوات الخاصة، ضبطت وسيطرت على محطة الاتصالات الإلكترونية المركزية، الخاصة بقوات الدعم السريع.

وفي بيان آخر، اطلعت «السياق» على نسخة منه، قال الجيش السوداني، إن وزارة الخارجية دفعت بمذكرة رسمية إلى منظمة الصحة العالمية، عبر بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف.

وأوضح أن عدد المرافق الصحية التي «تعدّت عليها قوات الدعم السريع، مُتخذةً منها ثكنات عسكرية وأخرجت منها المرضى والحوامل، مع الاعتداء على الفرق الطبية، 22 مرفقًا، أبرزها: «مستشفى الخرطوم، مستشفى الشعب، مستشفى الأنف والأذن والحنجرة، مستشفى الأسنان، مستشفى الرازي، مستشفى الساحة، مجموعة من المستشفيات الخاصة».

قوات الدعم السريع

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن قوات الجيش حاولت «مهاجمة قواتنا في منطقة الخرطوم، حيث تصدت قواتنا للقوة المعتدية وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري».

وأوضحت قوات الدعم السريع أنها «تمكنت من السيطرة على معسكر الدفاع الجوي وفرع الرياضة العسكري وجميع المواقع العسكرية في منطقة شارع 61 بالخرطوم».

وزعم البيان، أن قوات الدعم السريع، «أسرت عددًا كبيرًا من قوات الجيش بينما هرب آخرون، وسط انهيار قوات الجيش في عدد من المعسكرات»، على حد قوله.

الوضع الإنساني

فجَّر الصراع أزمة إنسانية، تنذر بزعزعة استقرار المنطقة، وأجبر نحو 200 ألف شخص على الفرار إلى بلدان مجاورة، وأدى إلى نزوح ما يربو على 700 ألف داخل السودان، بينما يكافح من بقوا في العاصمة للنجاة بحياتهم، في ظل شح الإمدادات الغذائية وانهيار الخدمات الصحية وانتشار الفوضى.

وضع قال عنه الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إن تسعة ملايين شخص يعيشون على مقربة من المعارك ويعانون أشد المعاناة، مشيرًا إلى تقارير عن زيادة العنف الجنسي ضد النازحين.

تدمير المنازل

واتجه معظم الفارين من السودان شمالًا إلى مصر، أو غربًا إلى تشاد المتاخمة لإقليم دارفور، وتوجه آخرون إلى مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر على أمل اللحاق بإحدى السفن المتجهة للسعودية.

وقالت ريم، التي تقيم مع مئات في طقس شديد الحرارة بمخيم في بورتسودان: «احنا جينا من الضرب وفقدنا أزواجنا، بيوتنا اتدمرت، حتى لو جات السلام احنا نرجع نقعد وين؟».

وقبل الحرب كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نُهبت كما علق كثير من هذه المنظمات العمل، بعد قتل 18 من موظفيها.

ويعيش سكان الخرطوم الخمسة ملايين مختبئين بمنازلهم في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، بينما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي تشمل المستشفيات والمنازل.

وبحسب الأمم المتحدة، تخطّت حصيلة النازحين داخليًا، هربًا من المعارك 700 ألف شخص، وبلغ عدد اللاجئين إلى بلدان مجاورة 200 ألف شخص.

وقال محمد عثمان من "هيومن رايتس ووتش" لـ«فرانس 24»: «نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته»، مضيفًا أن «أشخاصًا جُرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم، لأنهم لا يستطيعون الخروج منها».

الجهاز الإداري للدولة

أغلقت الإدارات الحكومية، حتى إشعار آخر، وانتقلت بقية إدارات الدولة إلى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتر شرقًا على ساحل البحر الأحمر.

وأصبحت السيولة نادرة، فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، بينما سجلت الأسعار ارتفاعًا حادًا وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية، و20 ضعفًا للوقود.

ولم يعد هناك في الخرطوم مطار ولا أجانب، بعد إجلائهم جميعًا على عجل في الأيام الأولى للقتال، ولا مراكز تجارية إذ تعرضت كلها للنهب.

ويسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة إلى التفاوض على مرور المساعدات الإنسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحفية يومية، يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة.

محاولات التوصل إلى وقف النار

بينما يحتدم القتال في الخرطوم والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، يحاول طرفا الصراع التوصل إلى حلول في محادثات تعقد في مدينة جدة، بوساطة من السعودية والولايات المتحدة.

المحادثات أثمرت إعلان مبادئ، ينص على تسهيل وصول المساعدات وحماية المدنيين، لكن آليات إنشاء ممرات إنسانية والموافقة على وقف إطلاق النار لا تزال قيد المناقشة، إلا أنها لم تسفر عن اتفاق يسهم في تبريد المعارك.

وأعلن الطرفان موافقتهما على عديد من فترات وقف إطلاق النار لكن القتال لم يتوقف في أي منها.

الالتزام بالاتفاقات

يقول الباحث علي فرجي: «إذا لم يغير الطرفان طريقة تفكيرهما، من الصعب تصور ترجمة حقيقية على الأرض للالتزامات التي يوقعانها».

ويكرر الخبراء والدبلوماسيون أن كلّا من الجنرالين مقتنع بأنه يستطيع حسم الأمر عسكريًا، فلكل منهما عدد كبير من القوات ودعم كبير من الخارج.

ويقول أليكس روندوس، ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الإفريقي، إن «الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام، ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع».