قبر مهسا أميني يجدد روح الاحتجاجات في إيران.. وسجن إيفين يشتعل
على قبر رمز الاحتجاجات الأخيرة مهسا أميني، احتشد مواطنون إيرانيون، الأربعاء، للمشاركة في الذكرى الأربعين لقتلها، مرددين شعارات مناهضة للنظام الإيراني.

السياق
مع استمرار الاحتجاجات في إيران، للأسبوع السادس على التوالي، من دون أن تخمد جذوتها، ووسط فشل القوات الأمنية في التعامل معها رغم أدواتها العنيفة في قمعها، دخلت طهران مرحلة «ذروة الثورة الشعبية» ضد النظام.
تلك المرحلة التي عُرفت بالتظاهرات الكبيرة، لأنها تتزامن مع الذكرى الأربعين لوفاة مهسا أميني، التي أشعلت وفاتها على يد ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق»، وتيرة الاحتجاجات في البلد المتعثر اقتصاديًا، والمحكوم بقبضة أمنية فولاذية.
إلا أنه مع استمرار الاحتجاجات كسر الإيرانيون مرحلة الخوف، وباتت القبضة الأمنية مرتعشة ومتخبطة في آن، الأمر الذي بدا واضحًا في مشاركة فئات كثيرة في التظاهرات، التي رفعت شعار إسقاط النظام الإيراني.
فما جديد احتجاجات إيران؟
على قبر رمز الاحتجاجات الأخيرة مهسا أميني، احتشد مواطنون إيرانيون، الأربعاء، للمشاركة في الذكرى الأربعين لقتلها، مرددين شعارات مناهضة للنظام الإيراني.
وبهتافات «هذا العام عام الدم سيسقط فيه المرشد خامنئي والموت للديكتاتور والمرأة، الحياة الحرية وكلنا مهسا قاتلوا لنقاتل»، ردد المتظاهرون الشعارات المناهضة للنظام الإيراني، متعهدين بالاستمرار حتى إسقاطه.
احتشاد المواطنين على قبر مهسا، جاء رغم الضغوط المكثفة للنظام الإيراني على أسرة الفتاة، لعدم إقامة مراسم ذكرى الأربعين، بل إن وكالة أنباء إرنا الرسمية نشرت بيانًا أعلنت فيه الأسرة أنها لن تقيم مراسم هذه الذكرى.
إلا أن «إيران إنترناشیونال»، قالت إن عائلة مهسا أميني تعرضت للتهديد في الأيام الأخيرة، إضافة إلى الضغوط الأمنية، بينما قالت منظمة حقوق الإنسان «هنغاو»، الأربعاء، إن السلطات الأمنية اعتقلت أشكان شقيق مهسا.
من جانبها، قالت منظمة هنغاو لحقوق الإنسان، إن لاعبيْ كرة القدم، علي دائي وحامد لك، ذهبا إلى سقز للمشاركة في مراسم أربعين مهسا أميني، واستقرا في فندق كرد بهذه المدينة، إلا أن قوات الأمن نقلتهما إلى دار ضيافة حكومية، وأجبرت صاحب الفندق علی إغلاقه.
فئات جديدة
واعتقلت السلطات الأمنية، مشجع كرة القدم الإسباني سانتياغو سانشيز، الذي اختفى قبل ثلاثة أسابيع بعد دخوله إيران، في مدينة سقز قرب ضريح مهسا أميني، بحسب وسائل إعلام معارضة، قالت إنه اعتُقل مع مترجمه ثم نُقلا إلى طهران.
وبينما نزل مواطنو سقز بسياراتهم إلى الشوارع، انتشرت القوات الأمنية حول ساحة مادر في هذه المدينة، لمنع الاحتجاجات الهادفة لإحياء الذكرى الأربعين لوفاة مهسا أميني.
ومن سقز إلى طهران، التي شهدت احتجاجات عارمة في بعض المدن، انتشرت إلى عمال مصافي النفط، بحسب مقاطع فيديو نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب مقطع فيديو نشره حساب (تصوير1500) الذي يحظى بمتابعة كبيرة على "تويتر"، بدأ عمال مصفاة نفط في طهران إضرابا عن العمل، الأربعاء، بعد 40 يومًا من وفاة مهسا أميني في الحجز لدى الشرطة.
أسرار أحداث إيفين
ومن الاحتجاجات إلى التفتيش في الذاكرة، كان الموعد مع سجن إيفين، الذي شهد قبل قرابة أسبوعين ما تعرف بـ«المجزرة»، التي تتكشف تفاصيلها يومًا تلو الآخر.
فلأكثر من 40 عامًا، كان سجن إيفين في طهران، الرمز الأكثر وضوحًا للحكم الاستبدادي للجمهورية الإيرانية، وهو عقدة خطيرة مبنية على الخوف والسيطرة المطلقة، فنادرًا ما تخترق الاضطرابات جدران السجن.
لكن في ليلة 15 أكتوبر الجاري، اندلعت حرائق هائلة في مدينة إيفين، أسفرت عن قتل ثمانية أشخاص على الأقل وإصابة 61، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية، إلا أن عائلات السجناء تخشى أن تكون الخسائر الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
وتزامنت الكارثة مع مظاهرات على مستوى البلاد، اجتاحت إيران الشهر الماضي، وحملة قمع وحشية من قوات الأمن، التي قتلت عشرات المتظاهرين واعتقلت الآلاف، بينما نُقل بعض المعتقلين إلى إيفين، حيث وثقت جماعات حقوق الإنسان تاريخًا طويلًا من التعذيب والانتهاكات.
وتُظهر مقاطع فيديو غير عادية من ليلة الحريق أشخاصًا يهتفون، «الموت للديكتاتور والموت لخامنئي»، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، بينما أطلقت قوات الأمن الرصاص.
ولفهم ما حدث في تلك الليلة، حللت صحيفة واشنطن بوست عشرات الصور ومقاطع الفيديو، وتحدثت إلى نشطاء ومحامين وسجناء سابقين وعائلات سجناء حاليين، وتشاورت مع خبراء في الحرق العمد والأسلحة والطب الشرعي الصوتي.
النتائج كانت مدهشة، فبحسب «واشنطن بوست»، فإن حريقًا واحدًا على الأقل في تلك الليلة اندلع عن قصد، في وقت كان فيه السجناء محبوسين في زنازينهم، مشيرة إلى أنه بينما كان السجناء يحاولون الفرار من النار، اعتدى عليهم الحراس وقوات الأمن بالهراوات والذخيرة الحية والكريات المعدنية والمتفجرات.
بدأت الاضطرابات الساعة 8:45 مساءً، وفقًا لمقطع فيديو بثه "ميزان"، الموقع الإخباري للقضاء الإيراني، بينما زعم الفيديو أن شجارًا اندلع في العنبر 7 وأن السجناء أشعلوا النار بعد ذلك في ورشة منسوجات قريبة.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية، التي حللتها الصحيفة، أضرارًا جسيمة لسقف المبنى المكون من طابقين وسط السجن الذي يضم ورشة المنسوجات، إضافة إلى قاعة دينية تسمى الحسينية في المستوى أدناه.
ليس الحريق الوحيد
ولم يكن هذا الحريق الوحيد بالسجن في تلك الليلة، فقبل ظهور أي ألسنة لهب من الخارج من ورشة المنسوجات، كشفت مقاطع الفيديو ما لا يقل عن ثلاثة أفراد يلقون سائلًا قابلًا للاشتعال على نار فوق مبنى مجاور في الجناح 7، وفقًا لما ذكره فيليب فوتس، محقق حريق معتمد.
وأضاف فوتس، أن الحريق الذي اندلع على السطح، ربما لم يشتعل بسبب نقص المواد القابلة للاحتراق، بينما أظهرت الصور حريقًا اشتعل عالياً في الهواء داخل أراضي العنبر 7، بالقرب من المكان الذي سبق أن اشتعلت فيه النيران على السطح.
ويبدو أن الحريق الثاني نشأ من مدخل العنبر 7، بالقرب من مركز حراسة، فبحسب نزيل سابق قضى سنوات داخل إيفين، فإن عائلات السجناء الحاليين قالت إن تحركاتهم تعرضت لمزيد من القيود، منذ اندلاع الاحتجاجات الشهر الماضي، ما يجعل من غير المحتمل أن يتمكن النزلاء من الوصول إلى أي من المناطق الثلاث التي اندلعت فيها الحرائق.
وأفادت منظمة العفو الدولية بأن أصوات الطلقات النارية والصراخ في العنبر 7 سمعها السجناء في العنابر المجاورة، الساعة 8 مساءً، قبل ظهور ألسنة اللهب بوقت طويل، مشيرة إلى أن «السلطات سعت إلى تبرير حملتها الدموية على السجناء بموجب ستار محاربة النار».
وقال صالح نكباخت المحامي، الذي لديه العديد من الموكلين في إيفين: «كان هذا حادثًا غريبًا، حدث في وقت كان يجب أن ينام فيه السجناء، وكان كبيرًا».
ويضم الجناح 7 لصوصًا ومجرمين ماليين، وفقًا للحكومة، رغم أن السجين السابق قال لصحيفة واشنطن بوست، إنه تم أيضًا احتجاز المزيد من المجرمين هناك.
قمع مميت
ومع تدفق الدخان الضار من الجناح 7 إلى العنبر 8، بدأ الناشط الحقوقي آراش جوهاري السعال والتقيؤ، كما أخبر عائلته.
وقال جوهاري، 30 عامًا، إنه واجه وبقية السجناء في جناح 8 خيارًا قاسيًا: اقتحام البوابات أو الاختناق. وأثناء اقتحامهم للأبواب المغلقة وامتدادهم إلى ساحة السجن، قابلهم الحراس الغاضبون الذين تعاملوا بوحشية بالهراوات والرصاص والغاز المسيل للدموع، وفقًا لأفراد الأسرة الذين تحدثوا بشرط عدم كشف هويتهم، خوفًا من تداعيات السلطات.
ستيفن بيك خبير الطب الشرعي الصوتي، والباحثون في جامعة كارنيجي ميلون، حللوا مقاطع الفيديو التي قدمتها «واشنطن بوست» بشكل منفصل، ووجدوا أنه تم إطلاق أكثر من 100 طلقة نارية، مشيرين إلى أن كان هناك أيضًا انفجاران على الأقل «متوافقان مع القنابل اليدوية».
محمد خاني، المعارض في الجناح 8، أصيب في صدره بكريات معدنية وبرصاصة في جنبه، بحسب أحد أفراد الأسرة، الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته.
وفحص آميل كوتلارسكي، كبير المحللين وخبراء الأسلحة من جينيس، مزود دفاع المخابرات، اللقطات التي قدمتها صحيفة واشنطن بوست، وخلص إلى أن القنابل الصوتية تم إطلاقها على الأرجح في السجن، «بناءً على الفلاش والانفجار المسموع».
وقال مسؤول السجن حشمت الله حياة الغيب، في شريط فيديو القضاء، إنه تم إرسال تعزيزات إلى إيفين للتعامل مع الاضطرابات، بما في ذلك «قوات الأمن والقوات القضائية والباسيج ووحدات الشرطة الخاصة».
وتم إخماد الحريق في إيفين والسيطرة على الاضطرابات قبل منتصف الليل بقليل، وفقًا للحكومة، رغم أن المصادر التي لديها أقارب وأصدقاء يعيشون حول السجن، أخبرت "واشنطن بوست" بأنه لا يزال من الممكن سماع صوت إطلاق النار حتى الساعة 2 صباح الأحد.
وتم إرسال ثلاث حافلات مليئة بالسجناء من جناح 8، بما في ذلك جوهري، من إيفين إلى سجن رجائي شهر، على بعد نحو 40 ميلاً إلى الغرب، وفقًا لأحد أفراد عائلة جوهاري.
ويظهر مقطع الفيديو القضائي هذه الحافلات ترافقها سيارات الشرطة بأضواء حمراء.
في أماكن أبعد، كان خوف مماثل يسيطر على عائلات أخرى، ومن بين المحتجزين في إيفين، سياماك نمازي وعماد شرقي، وهما مديران تنفيذيان أمريكيان إيرانيان.
وعندما اندلعت الاضطرابات ليلة السبت، نُقل نمازي من العنبر 4 إلى العنبر 2 أ، الذي يديره الحرس الثوري الإيراني، وفقًا لشقيقه باباك، الذي قال لـ «واشنطن بوست» في مقابلة هاتفية، إن نمازي كان يسمع صوت إطلاق النار ويشم رائحة الدخان أثناء الاضطرابات.