لا يتضمن بند الإسلام دين الدولة... أبرز ملامح الدستور التونسي الجديد
أوضح الرئيس التونسي، أن الدولة -تونس- هي ذات معنوية كالشركة والمؤسسات الإدارية، ولن تدخل الجنة أو النار، وأن الأمر يتعلق بالإنسان بمفرده،

ترجمات - السياق
حلقة جديدة من حلقات الجدل المحتدم في تونس، على وقع مشروع الدستور الجديد، الذي يفترض أن يوافق عليه الرئيس التونسي، قبل عرضه على استفتاء في 25 يوليو المقبل، في الذكرى الأولى لقراراته الاستثنائية.
ذلك الجدل أثارته تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال كلمته في مطار تونس قرطاج الدولي، لحظة توديعه الحجيج في أولى رحلاتهم إلى مكة المكرمة.
وتعليقًا على إلغاء عبارة «تونس دولة دينها الإسلام» من مشروع الدستور الذي تسلَّمته الرئاسة التونسية، بدأ الرئيس سعيد تصريحاته بالآية القرآنية «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، لينطلق قائلًا: "إن الله قال كنتم خير أمة أخرجت للناس، ولم يقل كنتم خير دولة أخرجت للناس».
وأوضح الرئيس التونسي، أن الدولة (تونس) هي ذات معنوية كالشركة والمؤسسات الإدارية، ولن تدخل الجنة أو النار، وأن الأمر يتعلق بالإنسان بمفرده، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى إلى تحقيق مقاصد الإسلام، لذا سيكون الدستور المقبل لتونس «لا يتحدث عن دولة دينها الإسلام، بل عن أمة دينها الإسلام».
الرئيس سعيد قال إن القاعدة القانونية والعبادات كلها بمقاصدها، فـ«ليس الهدف الصلاة والصيام والحج وإنما المقصد من هذه العبادات»، مضيفًا: «للأسف في ظل الأنظمة الدكتاتورية يصنعون الأصنام ثم يعبدونها، وهذا نوع من الشرك، يصنعون اللات والعزة في القرن 21 والإسلام براء منهم».
نظام الحكم
وعن طبيعة نظام الحكم الذي سيعتمده الدستور الجديد، قال الرئيس سعيد: «القضية ليست نظامًا رئاسيًا أو برلمانيا. المهم أن السيادة في الدستور ستكون للشعب، بينما الباقي وظائف وليست سلطات (...) هناك الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية وهناك الفصل بين الوظائف».
تصريحات الرئيس التونسي تأتي بعد يوم من استقباله العميد صادق بلعيد، الرئيس منسق الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، الذي سلَّمه مشروع الدستور بعد إعداده في إطار الهيئة.
ورغم أن الرئيس قيس سعيد تسلَّم مشروع الدستور، فإنه قال إنه ليس نهائيًا، مشيرًا إلى أن بعض فصوله قابلة للمراجعة والمزيد من التفكير.
كان العميد بلعيد صرح -قبل أن يعرض مشروع الدستور على الرئاسة في 6 يونيو- بأنه سيعرض على الرئيس قيس سعيد مسودة للدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، مشيرًا إلى أن الهدف من حذف تلك العبارة، التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، على غرار حركة النهضة الإخوانية، ما أثار جدلًا كبيرًا في البلاد.
وبينما ينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامة لدستور 2014 على أن «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها»، من المقرر أن يحل الدستور الجديد محل دستور 2014 الذي أنشأ نظامًا مختلطًا كان مصدر نزاعات متكررة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ملامح الدستور الجديد
وبحسب مصادر تونسية، فإن مسودة الدستور التونسي الجديدة توليفة بين دستوري 1959 و2014، بينما لن يتعلق الباب الأول من الدستور بالمبادئ العامة والحريات بل بالنهوض الاقتصادي.
وأوضحت أن سبب إيلاء النهوض الاقتصادي أولوية، على عكس دستور 2014، يعود إلى سببين: الأول الاستجابة لأهداف ومبادئ ثورة 17 ديسمبر، بينما السبب الثاني يتمثل في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها تونس.
وأشارت إلى أن النظام السياسي في مسودة الدستور سيكون نظامًا رئاسيًا أقرب منه إلى 1959، وسيمكن الرئيس التونسي قيس سعيد من سلطات أوسع من دستور 2014.
أما باب الحريات، فستتم المحافظة على المبادئ التي وردت في دستور 2014، بحسب المصادر التي تحدثت عن إلغاء الهيئات الدستورية باستثناء هيئتي الانتخابات والإعلام، على أن تنشر تلك التعديلات -حال إقرارها- بشكل رسمي في 30 يونيو الجاري.
تلك الملامح أشار لبعضها رئيس اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، الذي قال -السبت الماضي- إن مسودة الدستور الجديد ستكون مبنية على منظومة لبناء تونس الجديدة.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري، أن منظومة بناء تونس الجديدة ستركز على بناء اقتصاد البلاد لتحسين الوضع الاجتماعي للتونسيين، ومساعدتهم في تلبية حاجاتهم أمام الارتفاع الجنوني للأسعار.
وأشار إلى أن الدستور الجديد سيتضمن بابًا خاصًا بعد التوطئة، يحمل عنوان «أسس النهوض بالاقتصاد التونسي»، على النقيض من دستور 2014 الذي لم يهتم بالمسائل الاجتماعية، بل فاقم الاقتصاد الموازي واحتكر 40% من الناتج القومي الخام، على حد قوله.
ليس نهائيًا
من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري في تونس رابح لخريفي، في تصريحات صحفية، إن مشروع الدستور بيد رئاسة الجمهورية، مشيرًا إلى أنه ليس نسخة نهائية، فهناك 8 أيام لمراجعته وإجراء أي تعديلات عليه.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري، أن مسودة الدستور حافظت على الحقوق والحريات في دستور 2014، وكذلك على باب السلطة التنفيذية التي كرَّسها المؤسسون في دستور 1959.
وأشار إلى أن لفظ الأمة الذي تحدث عنه الرئيس التونسي، لفظ خلافي، فهو يمكن أن يشمل الأمة العربية أو التونسية أو الإسلامية، مؤكدًا أن الفصل الأول من الدستور حذف عام 2014 من قِبل حركة النهضة وحلفائها، التي أعادته في ما بعد.
تلك التعديلات كانت الرئاسة التونسية تمهد لها، ففي سبتمبر الماضي قال وليد الحجام مستشار الرئيس قيس سعيد، إن دستور 2014 وضع نظامًا سياسيًا أثبتت التجربة أنه لم يعد مجديًا وليست فيه منافع»، مشيرًا إلى أنه أسهم في تفتيت السلطة وتشابكها، وأصبح من الصعب مواصلة العمل به.
وأوضح مستشار الرئيس التونسي، أن الاتجاه سيكون نحو تغيير النظام السياسي الراهن، إلى نظام أكثر عدلًا وتحديدًا للمسؤوليات، ويمنح فرصة للسلطات لممارسة مهامها كما يجب.
إلا أن الاتجاه لتلك التعديلات، كان يقف خلفها ظهير شعبي، وهو ما كشفت عنه نتائج الاستشارة الإلكترونية الوطنية، التي أجرتها رئاسة الجمهورية بين يناير ومارس 2022، التي أظهرت أن 86.4% من المشاركين يريدون تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي.