هل يتشكل صراع عسكري بين الولايات المتحدة وروسيا؟

نظراً للأهداف المتضاربة لروسيا وأوكرانيا، وآمالهما المتناقضة لكيفية تطور الصراع، والوضع المتقلب في ساحة المعركة، فإن التوصل إلى اتفاق بينهما في هذه المرحلة لا يزال بعيد المنال

هل يتشكل صراع عسكري بين الولايات المتحدة وروسيا؟

ترجمات-السياق

قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إنه مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا في شهرها الرابع، بات من الواضح -بشكل متزايد- أنه لن يحقق أي من الجانبين نصراً حاسماً في وقت قريب، محذرة من أن ترك الطرفين يتضرران من بعضهما، في حال ظل الصراع محدوداً، أمر طائش للغاية.

وأضافت المجلة، في تحليل لرئيسها التنفيذي ديميتري ك. سايمز، أن الخلاف الجديد بين روسيا وليتوانيا بشأن قرار الأخيرة بالحد الشديد من نقل البضائع الروسية إلى كالينينجراد، أحدث مثال على سهولة خروج المواجهة بين الجانبين عن السيطرة، كما تلوح في الأفق تكاليف الأعمال العدائية، من التأثير المحلي الكارثي في أوكرانيا نفسها، إلى العواقب الاقتصادية العالمية الوخيمة، لاسيما في قطاعي الغذاء والطاقة، التي تتجاوز أوكرانيا وأوروبا، مع إمكانية زعزعتها لاستقرار النظام الدولي.

نكسة عسكرية

أشارت المجلة إلى أنه صحيح أنه يمكن لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بلا شك تعزيز موقف أوكرانيا، من خلال توفير المزيد من الأسلحة والتدريبات العسكرية، ما يمكّن كييف من تحقيق نجاحات تكتيكية محدودة، لكن في حال تجاوز هذه النجاحات المناطق التي احتلتها روسيا بعد 24 فبراير الماضي وبدت كأنها هزيمة مُذلة لحكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن موسكو قادرة على التصعيد بشكل كبير، سواء من خلال التعبئة العسكرية أم الحرب الاقتصادية المضادة.

ورأت المجلة أن هذا التطور قد يجبر الولايات المتحدة على الاختيار بين إما المعاناة من نكسة عسكرية كبيرة في أوكرانيا، وإما صعود سلم التصعيد، لتصل إلى العتبة النووية بشكل أقرب.

وتابعت: "أولئك الذين يرفضون تصديق قدرة موسكو على تحسين وضعها العسكري، ينسون أن روسيا لا تخوض مجرد (عملية عسكرية خاصة) فقط كما تطلق عليها، لكنها في الواقع حرب محدودة، تختلف تماماً عن الحرب الشاملة، التي قد تنشر فيها جميع الموارد التي يمكنها حشدها، العسكرية والاقتصادية والسياسية، في حال كانت ضرورية لحماية النظام".

مصداقية أمريكا

في غضون ذلك، فإن واشنطن تواصل رفع المخاطر، إذ إنه كلما جرى نقل أسلحة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الأكثر حداثة وفتكاً إلى حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكلما صوَّرت واشنطن وبروكسل أوكرانيا كمدافع رئيس عن المصالح والقيم الغربية، فإنهم سيصبحون أصحاب المشروع الأوكراني بحكم الأمر الواقع.

وبذلك فإن انهيار هذا المشروع تحت قوة السلاح الروسي، لن يكون مهيناً للولايات المتحدة فحسب، بل سيقوِّض مصداقية وفعالية أمريكا العالمية أيضاً، وهي النتيجة التي ستكون كارثية لإدارة الرئيس جو بايدن والديمقراطيين، قبل انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل، ولذا فإن حديث الرئيس الأمريكي عن الحرب العالمية الثالثة لم يكن مُبالغة، لكنه يعكس مخاطر حقيقية، حسب المجلة.

ورأت المجلة أنه لم يكن هناك سوى القليل من التقييم الجاد لكيفية وصولنا إلى هذه النقطة الخطيرة، وأضافت: "المشكلة الرئيسة لإدارة بايدن أن حكومة بوتين أنجزت نجاحات مبهرة من جانبها، إذ تقف روسيا بمفردها تقريباً وغير مهزومة ضد الغرب، بما في ذلك الدول الديمقراطية الأكثر تقدماً في أمريكا الشمالية وأوروبا والمحيط الهادئ".

وبعد الانتكاسات التي أجبرت موسكو على تقليص أهدافها الأولية، فإنها حققت نجاحات تكتيكية في ساحة المعركة بمنطقة دونباس وجنوبي أوكرانيا، وحتى بعد تجميد نصف احتياطات الذهب والعملة الصعبة للبنك المركزي الروسي، فإن العقوبات الغربية لم تلحق -حتى الآن- ضرراً يُذكر بقدرة موسكو في الحفاظ على المستوى الطبيعي من النشاط الاقتصادي ومستويات عالية من إنتاج الأسلحة والذخائر.

كما رفضت أغلبية الدول، باستثناء الغرب، عزل روسيا، حتى أولئك الذين صوتوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لدعم القرارات غير الملزمة التي تنتقد الإجراءات الروسية، فعلوا ذلك في معظم الحالات تحت الضغط الغربي وليس عن قناعة، ورفضت دول مهمة -مثل الصين والهند- إدانة موسكو، وأوضحت أنها تريد الحفاظ على علاقات طبيعية معها، وكذلك تقوية علاقاتها الاقتصادية إلى أقصى حد ممكن، ولعل الأهم من ذلك أن وحدة الغرب على العقوبات الصارمة والشاملة جاءت بثمن باهظ، وهو توحيد الجزء الأكبر من المجتمع الروسي حول بوتين، إذ تشير استطلاعات الرأي -بما في ذلك تلك التي أجرتها مجموعات مستقلة وذات توجه معارض- إلى أنه بعد أربعة أشهر من الحرب، فإن روسيا، المسلحة نووياً، باتت موحدة ومستعدة لمواجهة التحدي الغربي".

تفوق روسي

ذكرت المجلة أنه -حتى الآن- كانت عملية موسكو العسكرية في أوكرانيا محدودة، ليس بالاسم فقط، إذ إنه منذ البداية لم يكن هناك عدد كافٍ من القوات للغزو الشامل، وكانت هذه الحقيقة أحد الأسباب التي دفعت حكومة زيلينسكي للتعبير عن شكوكها في ذلك الوقت من أن روسيا كانت تخطط لغزو واسع النطاق.

ورغم أن روسيا متفوقة في معظم فئات المعدات العسكرية، فإن العديد من الخبراء يعتقدون أن أوكرانيا لديها جنود في الميدان أكثر من الجيش الروسي، بعد التعبئة العسكرية، إذ لم تبدأ روسيا -حتى الآن- أي تعبئة عسكرية، وفي حين أن الأخيرة لم تتردد في استخدام القصف العشوائي، عندما كانت تفتقر إلى ما يكفي من الذخائر الدقيقة الموجهة وللمعلومات الاستخباراتية، فقد تصرفت بشكل عام بضبط النفس إلى حد كبير، إذ لم تهاجم المباني الحكومية الرئيسة أو محطات الطاقة أو التليفزيون أو القصور الرئاسية في كييف.

وقالت المجلة: صحيح أن بوتين يبدو مصمماً على المضي قدماً لأطول فترة ممكنة في عملية عسكرية محدودة، لكن ليس هناك يقين بالخطوط الحمراء التي وضعها لاتخاذ قرار بالتصعيد، من العملية العسكرية المحدودة إلى مستوى "الحرب الوطنية".

ولفتت "ناشيونال إنترست" إلى أن المسؤولين الأوكرانيين يتحدثون عن استخدام أسلحة "الناتو" الجديدة لتدمير جسر القرم أو حتى الحديث عن استعادة شبه جزيرة القرم، وهي الخطوة التي قالت إن موسكو ترى أنها يمكن أن تشكل هجوماً كبيراً على الأراضي الروسية، ثم هناك بولندا ودول البلطيق، التي لا تنظر إلى روسيا على أنها تهديد فحسب، بل على أنها وحش يجب كسره أو إذلاله على الأقل، ما يفرز انطباعاً بأنهم يبحثون عن قتال معها، وبعد تقييد خطوط النقل عبر أراضيها إلى كالينينجراد، فإن ليتوانيا تركت المقاطعة الروسية معتمدة على الإمدادات عن طريق البحر، ومما يصب الزيت على النار أيضاً، فإن المسؤولين البولنديين يهددون بتقييد وصول روسيا إلى البحر كما اقترحت كالينينجراد أنها قد تتحمل مسؤولية توفير الدفاعات الجوية لغربي أوكرانيا، الإجراء الذي قد يجعل "الناتو" مشاركاً مباشراً في الحرب في أوكرانيا.

رد فعل حاسم

وحذرت المجلة من أنه إذا استمرت هذه القيود، فإن رد الفعل الروسي لن يختلف -بشكل كبير- عن رد فعل الولايات المتحدة على حصار الاتحاد السوفييتي لبرلين الغربية عام 1948، قائلة إن آمال البعض في أن تتردد موسكو بعد ذلك بالمضي قدماً في الرد العسكري تثبت أنها مجرد أمنيات.

وأضافت: "هناك زخم متزايد في موسكو لإعداد قائمة من الخيارات، بدءًا من العقوبات الاقتصادية المضادة إلى الإجراءات الفعالة، التي يمكن إتاحتها لبوتين في أي لحظة، أما في ما يتعلق بالخطر الأكبر المتمثل في الكارثة النووية، فإن السيناريو الأكثر مناقشة ولكن الأقل احتمالاً هو السيناريو الذي يُسمع أحياناً في التلفزيون الروسي، حيث يتحدث الضيوف عن استخدام الصواريخ الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة لإبادة الساحل الشرقي، وفي حال عانت روسيا انتكاسات كبيرة تهدد سيطرتها على شبه جزيرة القرم أو كالينينجراد، أو قدرتها على تصدير الغذاء والطاقة، أو استقرارها المالي والمحلي، فإن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية سيكون الرد المناسب للعقيدة العسكرية الروسية، إذ إنه من المحتمل أن ينظر كبار المسؤولين الروس في هذا السيناريو بجدية".

وقالت المجلة إنه نظراً للأهداف المتضاربة لروسيا وأوكرانيا، وآمالهما المتناقضة لكيفية تطور الصراع، والوضع المتقلب في ساحة المعركة، فإن التوصل إلى اتفاق بينهما في هذه المرحلة لا يزال بعيد المنال، مشيرة إلى أن "الخطر اليوم ليس في أن يصبح هناك صراع مجمّد، لكنه يتمثل في أن يصبح هناك حريق أوسع نطاقاً قد ينفجر في أي لحظة، بسبب حدث غير متوقع مثل اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914".