بعد أزمة مبروك عطية... هل تستطيع قائمة الخمسين إعادة ضبط الفتوى بمصر؟

قال رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، لـ السياق، إن من يتصدون للفتوى من غير المؤهلين ويحدثون بلبلة بين الناس، يستحقون -الشفقة-، كونهم يدفعون أنفسهم دفعًا إلى عاقبة وخيمة، ويتحملون آثام من يفتونهم بفتاوى غير منضبطة، ولا تراعي حال الناس.

بعد أزمة مبروك عطية... هل تستطيع قائمة الخمسين إعادة ضبط الفتوى بمصر؟
مبروك عطية

السياق

على وقع حادث قتل طالبة مصرية «نحرًا» على يد أحد زملائها، أمام إحدى بوابات جامعة المنصورة، شمالي القاهرة، أصيب الرأي العام في مصر بصدمة، دفعت الأغلبية العظمى إلى البحث والتنقيب عن أسباب ودوافع تلك الجريمة.

ذلك التنقيب عن الأسباب والنتائج، التي أدت إلى وقوع جريمة تعد الثانية من نوعها خلال أشهر، شمل مؤسسات اجتماعية ورسمية وقضائية، بينما لم يكن علماء الدين بعيدين عنه، بل إنهم كان لهم باع طويل في تلك القضية، التي راح ضحيتها طالبة في مقتبل العمر.

أحد علماء الدين، المنضوي تحت لواء الأزهر الشريف، كان الدكتور مبروك عطية أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي أثار تعليقه على قتل الطالبة نيرة أشرف، غضبًا وجدلًا كبيرين في الشارع المصري.

فالعالم الأزهري ربط بين قتل الطالبة العشرينية وحجابها، قائلًا إن «البعض يرى أن الحجاب حرية شخصية (...) طالما حرية شخصية، سيبي المهفهف على الخدود يطير والبسي محزق، هيصطادك اللي ريقه بيجري ويقتلك»، مضيفًا: «لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتكم قفة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود».

تلك التصريحات التي أثارت الكثير من الجدل في الشارع المصري، عدَّها البعض تحريضًا على القتل ضد غير المحجبات، ودفعت به إلى أتون معركة قضائية، بعد إعلان المجلس القومي للمرأة، الذي استنكر تلك التصريحات، تقدمه ببلاغ للنائب العام ضد العالم الأزهري.

 

جامعة الأزهر تتبرأ

إلا أن جامعة الأزهر التي ينتسب إليها عطية، تبرأت من تصريحاته، مؤكدة أنها لا تتناسب مع تقدير المؤسسة الأزهرية للمرأة واحترامها لها، والخطوات العملية التي اتخذتها للحفاظ على حقوقها وتعزيز مكانتها وتمكينها من المناصب القيادية بجميع قطاعات الأزهر الشريف، وتقلدها لأرفع المناصب داخل الجامعة.

وأكدت جامعة الأزهر، أن هذه التصريحات شخصية لا تعبِّـر إلا عن رأي صاحبها، داعية منتسبيها إلى التمسك بالمنهج الأزهري في طرح الموضوعات ومناقشتها، ومخاطبة الجماهير بما يتناسب مع تاريخ المؤسسة العريق، وتقدير واحترام عموم الناس لأساتذة الأزهر وتوقيرهم لعلمائه.

وأعاد الأزهر الشريف نشر موقفه من الحجاب، مؤكدًا أن «من أخلاق المُحجَّبة أو غير المُحجَّبة، أمرٌ يُحرِّمه الدِّين، ويرفضه أصحاب الفِطرة السَّليمة، واتخاذه ذريعة للاعتداء عليها جريمة كبرى ومُنكرة»، مؤكدًا أنه «لا مبرر لجريمة قتل النّفس مُطلقًا».

أما دار الإفتاء المصرية، فكانت صاحبة المبادرة في الدخول على خط الأزمة، ببيان أشاد به الكثيرون، بعد أن قالت إن ما «اعتاده بعض المدعين عند حدوث حالات اعتداء على الفتيات من تحرش أو قتل، من ربط ذلك بترك الحجاب، حديث فتنة وليست له علاقة بالمنهج الصحيح، وفيه تحريض على العدوان على المرأة وتحقيرها».

ودخلت رئاسة الجمهورية على خط الأزمة، بعد أن أكد الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية أن خطاب عطية «مهين للمصريين جميعًا، ومعالجة شديدة السوء لقضية قتل نيرة الشريف».

ولم يكن البرلمان المصري بعيدًا عن تلك الأزمة، فبرلمانيون تقدموا بطلبات إلى البرلمان، لمنع مبروك عطية من الظهور في وسائل الإعلام، إلا أن الأخير استبق تلك المطالبات بإعلان اعتزاله.

ورغم أن تصريحات مبروك عطية لم تكن الأكثر إثارة للجدل في الشارع المصري، فإنها لمست قضية صدمت المجتمع، ودقت جرس إنذار بشأن فوضى الفتاوى، التي يتصدر لها غير المؤهلين، أو المرخص لهم.

تلك «الفوضى»، حاولت «السياق» التفتيش عن أسبابها وطرح حلول لها، مع بعض المختصين، الذين أكدوا ضرورة تفعيل لجنة الخمسين، التي تعد الضمانة، لمنع حدوث أزمة مماثلة.

ورغم أن هناك قرارًا استباقيًا من القضاء المصري صدر في هذا الشأن، في يونيو 2021، بقصر الإفتاء على المتخصصين في محاولة منه لمواجهة دعاة الإرهاب وفوضى الإفتاء، فإن هناك مخالفات عدة لهذا الحكم.

 

من له حق الفتوى؟

تساؤل، أجاب عنه الدكتور عباس شومان، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، الذي أكد أن «الفتوى من أدق وأصعب الصناعات الفكرية، التي لا يقوى على القيام بها إلا الراسخون في العِلم، الذين تأهلوا بعلوم كثيرة، وعلى اطلاع واسع بواقع الناس وأحوالهم، كما يتابعون تغيُّـر هذا الواقع وتطوره».

وأوضح شومان، في تصريحات لـ«السياق»، أن الفتوى تتطور وتتغير بتغير الواقع، مشيرًا إلى أن ميدان الفتوى يجب ألا يقتحمه إلا من تأهل له، من الأزهر الشريف والجهات التابعة له.

رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، قال إن من يتصدون للفتوى من غير المؤهلين ويحدثون بلبلة بين الناس، يستحقون «الشفقة»، كونهم يدفعون أنفسهم دفعًا إلى عاقبة وخيمة، ويتحملون آثام من يفتونهم بفتاوى غير منضبطة، ولا تراعي حال الناس.

فوضى الفتاوى التي تحدث عنها شومان، سبق أن أشار إليها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وأرجعها إلى خلط المستحب بالواجب، والمكروه بالحرام، والاستدلال على وجوب المستحب بمجرد ورود أمر، وعلى حرمة المكروه بمجرد ورود نهي، وما في ذلك من افتراء على شريعة الإسلام، مشددًا على أن أخطر ما في هذا الأمر اقتحام هذا «الفقه المعوج» لحياتنا الاجتماعية خاصة الأسرية.

 

مسؤولية إعلامية

من جانبه، قال على محمد الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف في تصريحات لـ«السياق»، إن الأزهر الشريف سبق أن صدر عام 2017، ما سُمي إعلاميًا «قائمة الخمسين»، التي تضم 50 من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر من المتخصصين، ممن لهم حق الفتوى والظهور بالإعلام.

إلا أن وسائل الإعلام المحلية لم تلتزم بتلك القائمة، وبحثت عن أصحاب الآراء «الغريبة والمختلفة» ودفعت بها إلى المشهد، بحسب الأزهري، الذي قال إن منصات التواصل الاجتماعي -التي يغيب عنها أي نوع من الرقابة أو المسؤولية- منحت مساحات واسعة بالغة الانتشار لهؤلاء المحسوبين على المؤسسات الدينية.

وشدد الأزهري، على ضرورة استمرار تصدي المؤسسات الدينية الرسمية في مصر خاصة الأزهر، لكل من يحاول الشطط والتضليل، أو إصدار فتاوى متطرفة، أو تصدر غير المتخصصين لنشر فتاوى تحض على العنف، أو القتل، حتى يمكن ضبط الخطاب الديني القائم على الكتاب والسُّنة من دون غلو ولا جهل.

ويضم الأزهر الشريف عددًا من الهيئات: هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في مصر)، ومجمع البحوث، ولجان الفتوى، ولجان الفتوى الإلكترونية، إضافة إلى مؤسسة دار الإفتاء التابعة لوزارة العدل.

 

فوضى الفتاوى

وعن إعادة ضبط بوصلة الفتاوى، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، الأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنه يجب منع غير المتخصصين من التصدر للمشهد وإحداثهم بلبلة اجتماعية، من خلال تجرؤهم على الفتوى، وتهديد استقرار وأمن المجتمعات وتشكيك الناس في أمور دينهم.

وأضاف مستشار مفتي الجمهورية، في تصريحات لـ«السياق»، أن بناء الوعي العام يتطلب أن تكون له مرجعية، تبدأ من أهل العلم والاختصاص حتى تستقيم أمور الدين والدنيا، خاصة في عصر الفضاءات المفتوحة، ما يحتم تحري الدقة والبحث عن مؤسسات الفتوى المعتمدة عند طلب الفتوى.

وحذر من «فوضى» الفتاوى التي تسيطر على الساحة الدينية، بعد انتشار ظاهرة غير المتخصصين في الإفتاء، على شاشات القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سبيل القضاء على حالة فوضى الفتاوى، قال مستشار مفتي الجمهورية إن دار الإفتاء المصرية اتبعت منهجية تقوم على شقين، الأول احترازي وقائي من خلال نشر وزيادة الوعي بين الناس، وتتبع الفتاوى الشاذة ورصدها، والآخر معني بطرق العلاج عبر التصدي للفتاوى «الشاذة»، وتصحيح المفاهيم.

وأكد نجم أن دار الإفتاء تخطو خطوات واسعة في تصحيح الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تطلق باسم الدين، كما شهدت خدماتها تطورًا كبيرًا لضبط إيقاع الفتوى وتقديم المزيد من الخدمات الشرعية، وإعادة تأهيل المتصدرين للفتوى، وبناء أجيال جديد من المتخصصين المؤهلين والمدربين على مهارات الإفتاء.

وطالب بضرورة الرجوع إلى مؤسسات الفتوى الرسمية المعتمدة والمؤهلة عند طلب الفتوى، وعدم الاكتراث بما يشاع على ألسنة البعض بغرض الظهور على الساحة، خاصة من يتصدرون على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون إدراك جوانب الفتوى.