بعد توتر في العلاقات، يبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن، زيارة الى المملكة العربية السعودية، منتصف يوليو، من المقرر أن يلتقي خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فهل تنجح الإدارة الأمريكية في إعادة العلاقات مع المملكة ودول الخليج؟
مؤسسة هوفر الأمريكية للأبحاث، سلَّطت الضوء على ما سمتها محاولة إعادة تحسين العلاقات الأمريكية مع دول الخليج، مشيرة إلى أنه لا يخفى على أحد أن علاقات الولايات المتحدة مع شركائها العرب في الخليج عانت كثيرًا خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس جو بايدن.
واستشهدت المؤسسة، في تحليل لـكول بونزيل، الخبير في شؤون داعش بجامعة برينستون، بتصريحات ليوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة في مارس الماضي، عن علاقة بلاده بواشنطن، قال فيها: "مثل أي علاقة، فيها أيام قوية، أحيانًا العلاقة صحية جدًا، وأحيانًا العلاقة موضع تساؤل، واليوم نحن نمر باختبار تحمُّل، لكنني أثق بأننا سنجتازه ونصل إلى وضع أفضل".
كما استشهدت بتصريح الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات العامة السعودية الأسبق، السفير السابق للمملكة لدى الولايات المتحدة، قال فيه: "لقد مررنا بأوقات صعود وهبوط على مر السنين، وربما، في هذا الوقت، كان واحدًا من الانزلاقات الصعبة".
وأشارت المؤسسة البحثية، إلى أنه رغم تفاؤل "الفيصل والعتيبة" بإمكانية إصلاح العلاقات العربية الأمريكية، فإنه لم يكن هناك من ينكر أن الضرر كان كبيرًا، لاسيما في حال المملكة العربية السعودية.
وأشارت المؤسسة إلى أنه في أبريل، ذكرت صحيفة وول ستريت الأمريكية، أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية "وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عقود"، مشددة على أن وصف الصحيفة "لم تكن فيه مبالغة".
وأوضحت أن الرئيس بايدن تولى منصبه، واعدًا بمعاملة المملكة العربية السعودية على أنها "منبوذة"، وهذا ما فعله إلى حد كبير - على الأقل حتى الأزمة الأخيرة في أوكرانيا- إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير، ورد الفعل الغربي الشديد عبر المزيد من العقوبات ضد موسكو، تسببا في ارتفاع أسعار النفط العالمية فوق 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014.
وأمام ذلك -حسب المؤسسة- ضغطت إدارة بايدن على الرياض، لزيادة إنتاج النفط، للمساعدة في تعويض النقص الروسي، وخفض الأسعار، إذ إن روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، والمملكة العربية السعودية ثاني أكبر دولة، إلا أن السعوديين اعترضوا ورفضوا المطالب الأمريكية، حتى أنهم رفضوا استقبال أي مكالمات هاتفية من البيت الأبيض، في الوقت الذي كانوا يستقبلون فيه مكالمات من القيادتين الروسية والصينية.
ورأت "هوفر" أن ذلك كان نتيجة لسياسة إدارة بايدن المتعمدة لتقليص العلاقة مع الرياض، أو "إعادة ضبط" العلاقة، كما قال مسؤولو الإدارة بشكل متكرر، إذ قالت المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض جين بساكي بمؤتمر صحفي في فبراير 2021: "لقد أوضحنا منذ البداية أننا سنقوم بإعادة ضبط علاقتنا مع المملكة العربية السعودية"، وبعد أيام، أعادت تأكيد "نية هذه الحكومة لإعادة ضبط مشاركتنا مع المملكة العربية السعودية"، ومرة أخرى، بعد أيام قالت: "هدفنا إعادة ضبط العلاقة".
وبالمثل، بإحاطة إعلامية في مارس 2021، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "الجهود المبذولة لإعادة ضبط علاقتنا مع المملكة العربية السعودية" وفقًا لمصالح أمريكا وقيمها.
ومع ذلك -حسب المؤسسة البحثية- تشير التقارير الأخيرة إلى أن إدارة بايدن تتراجع عن هذا الموقف المتشدد تجاه المملكة العربية السعودية، لافتة إلى أنه بينما يستعد بايدن لزيارة الرياض هذا الصيف، يبدو أن إعادة ترتيب العلاقة سيكون عنوان الزيارة، في ما يخدم المصالح الأمريكية.
الشراكة الأمريكية السعودية
وأشارت "هوفر" إلى أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما لعبت الشركات الأمريكية دورًا رائدًا في تطوير صناعة النفط السعودية الناشئة.
وبينت أنه في فبراير 1945، التقى الملك عبدالعزيز بن سعود، العاهل المؤسس للمملكة العربية السعودية، الرئيس فرانكلين روزفلت في البحيرة المرة الكبرى لقناة السويس، حيث وضع الجانبان أولى بذور شراكة دائمة بينهما.
وأوضحت أنه لم يكن للسعوديين والأمريكيين سوى القليل من القواسم المشتركة ثقافيًا -أحدهما مِلكية مطلقة والآخر ديمقراطية دستورية- لكنهما مرتبطان من خلال المصالح التجارية المشتركة، وأيضًا الخوف المشترك من (الشيوعية والقومية العربية الراديكالية).
وذكرت أن عنصر الطاقة كان استراتيجيًا في هذه العلاقة، إذ إنه منذ أربعينيات القرن الماضي فصاعدًا، رأى الأمريكيون أن موارد النفط في الخليج العربي ذات أهمية قصوى، ليس للاستهلاك المحلي للطاقة، لكن لأمن الطاقة في أوروبا الغربية.
لهذا السبب -حسب المؤسسة- أعلنت الولايات المتحدة، في السنوات الأولى من الحرب الباردة، سياسة حماية المملكة العربية السعودية من أي هجوم خارجي، وفي أكتوبر 1950، كتب الرئيس هاري ترومان إلى الملك عبدالعزيز مؤكدًا أن "الولايات المتحدة مهتمة بالحفاظ على استقلال المملكة العربية السعودية وسلامة أراضيها، وأن أي تهديد لمملكتك سيكون مصدر قلق فوري للولايات المتحدة".
وفي العقود التالية، استمر اعتبار موارد النفط بالخليج في واشنطن على أنها لا غنى عنها، حتى أن الرئيس جيمي كارتر، رأى في الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979 "تهديدًا لحقول النفط الغنية في منطقة الخليج، وصاغ في يناير 1980، بالخطاب السنوي عن حالة الاتحاد، سياسة تُعرف باسم عقيدة كارتر، قائلًا: "فليكن موقفنا واضحًا تمامًا... أي محاولة من قِبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستُعد اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".
وأشارت إلى أن السياسة الأمريكية نفسها صاغها أيضًا جورج بوش الأب، عندما غزا الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الكويت في أغسطس 1990، وبدا أنه مستعد للاستيلاء على حقول النفط القريبة شرقي المملكة العربية السعودية، حيث نشر الرئيس الأمريكي حينها قوات جوية وبرية في المملكة العربية السعودية.
وتبين "هوفر" أن معاداة القيادة السعودية للصهيونية -وأحيانًا معاداة السامية الصريحة- كانت مصدر خلاف لفترة طويلة بين الجانبين.
وأشارت إلى أن ما سمتها (أول صدمة نفطية) وقعت في سبعينيات القرن الماضي، عندما أعلنت الرياض فرض حظر على مبيعات النفط للولايات المتحدة خلال حرب أكتوبر 1973، بينما كانت حرب العراق عام 2003، التي عارضها السعوديون، مصدرًا آخر للتوتر.
كما ظهر خلاف آخر خلال رئاسة باراك أوباما، الذي كان سعيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران مصدر قلق شديد للسعوديين.
وكان مصدر ارتياح كبير للقيادة السعودية عندما جرى استبدال أوباما بدونالد ترامب، الذي انتقد مرارًا سياسات سلفه في الشرق الأوسط خلال الحملة الرئاسية، بل إنه بعد مرور عام واحد على توليه الحكم أعلن انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران.
وفي مايو 2017، جعل ترامب المملكة العربية السعودية موقعًا لزيارته الخارجية الأولى، حيث وقَّع اتفاقيات أمنية واستثمارية وأثنى على "الشراكة الدائمة" بين واشنطن والرياض.
وبينت المؤسسة البحثية الأمريكية، أن كل ذلك تزامن مع بزوغ نجم الأمير محمد بن سلمان، الابن الطموح للملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يحكم المملكة منذ عام 2015.
وأشارت إلى أنه تحت قيادة محمد بن سلمان -الذي أصبح وليًا للعهد عام 2017- أدخلت المملكة إصلاحات اجتماعية شاملة مكنت المرأة، و كبحت قوة المؤسسة الدينية المحافظة، وفتحت المجتمع السعودي لفرص أكثر انسجامًا مع الأعراف الغربية.
وأوضحت أنه رغم ازدياد الانتقادات للسعودية بشأن حرب اليمن، فإن ترامب وقف إلى جانب ولي العهد الشاب، واعترض على التشريعات العقابية من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) وتجاوز الكونغرس لدفع صفقة ضخمة لمبيعات الأسلحة مع الرياض.
في هذا السياق، خلال الحملة الانتخابية التمهيدية للرئاسة الديمقراطية، قال بايدن -المرشح آنذاك- إنه كرئيس سيعامل السعوديين على أنهم "منبوذون".
إعادة تقويم
وحسب المؤسسة البحثية، فإنه في دراسة كتبها دانييل بينعيم، مستشار سابق لسياسة الشرق الأوسط، كاتب خطابات نائب الرئيس آنذاك بايدن، نائب مساعد وزير الخارجية لشبه الجزيرة العربية حاليًا، بعنوان "تصحيح تدريجي للمسار للعلاقات الأمريكية السعودية"، زعمت أن سياسة إدارة ترامب المتمثلة في "أقصى حدود" تجاه السعودية، جعلت الجزيرة العربية بعيدة عن المصالح والقيم الأمريكية، وطالب بضرورة ما سماها "إعادة تقويم" للعلاقة.
وكتب بنعيم في دراسته، أن الإدارة التالية -إدارة بايدن- يجب أن تقدِّم للسعوديين "خيارًا صارمًا"، إما أن يقرروا رسم "مسار بناء أكثر إلى الأمام" وإما أنهم سيعانون عواقب "العلاقات المتناقصة"، كما أوصى بـ "فرض حظر مؤقت على مبيعات الأسلحة الجديدة الرئيسة" و "بدء مراجعة استراتيجية محددة زمنيًا بستة أشهر للتعاون بين الولايات المتحدة والسعودية".
خلال الأشهر الأولى -حسب هوفر- اتخذت إدارة بايدن العديد من الخطوات التي رسمها بنعيم في دراسته، إضافة إلى تبني مصطلح (إعادة ضبط العلاقة)، فقد أعلنت وقف بيع ذخائر دقيقة التوجيه بـ 478 مليون دولار للرياض، وإنهاء مبيعات الأسلحة للجهود الحربية السعودية في اليمن، وإزالة الحوثيين -الذراع المتشددة المدعومة من إيران في اليمن- من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
كما هو متوقع -حسب المؤسسة البحثية- لم تستجب الرياض بشكل جيد لخطاب إدارة بايدن، بشأن إعادة التقويم والإجراءات العقابية المرتبطة به.
وفي أغسطس 2021، وقَّعت الرياض اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا لتشجيع "التعاون العسكري المشترك بين البلدين"، وحصلت على دعم الجيش الصيني في إنتاج صواريخها البالستية. ولدى سؤاله عن نهج إدارة بايدن النقدي تجاه المملكة في مقابلة مع مجلة أتلانتيك، أجاب محمد بن سلمان: "ببساطة، أنا لا أهتم".
وأمام هذه التحولات، بينت المؤسسة البحثية، أن الحرب في أوكرانيا والارتفاع اللاحق في أسعار النفط، كانا سببًا مباشرًا في تغيير اللهجة الأمريكية تجاه السعودية، مشيرة إلى أنه بعد فترة وجيزة من الحرب في فبراير الماضي، زار كبار المسؤولين في الإدارة المملكة، على أمل إصلاح العلاقات وتشجيع الرياض على زيادة إنتاج النفط.
وقد لقيت هذه الخطوة استقبالًا حارًا في واشنطن، حيث غردت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية الجديدة للبيت الأبيض: "نحن ندرك دور المملكة العربية السعودية كرئيسة لمنظمة أوبك بلس، وأكبر منتج لها في تحقيق هذا الإجماع بين أعضاء المجموعة".
وبعد أيام، علقت كارين بشكل إيجابي على العلاقة الأمريكية السعودية قائلة: "المملكة العربية السعودية كانت شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة منذ ثمانية عقود".
حتى بايدن نفسه تراجع عن مقولته الشهيرة (المنبوذون)، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية شريك مهم في مجموعة من الاستراتيجيات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك الجهود الأخرى لإنهاء الحرب في اليمن، واحتواء إيران، ومكافحة الإرهاب.
وهو ما علقت عليه "هوفر" بالقول: إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه الملحمة، فهو أن العلاقة الأمريكية السعودية لا تزال تحمل قيمة كبيرة للجانبين، مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية قد تكون حليفًا غير كامل، لكنها مع ذلك قوة غنية ومستقرة قائمة في منطقة مضطربة، حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم.
وشددت على أنه "من الممارسات الاستراتيجية الخاطئة، المخاطرة بالمساس بالتوجه الموالي لأمريكا في الرياض".