واشنطن بوست: ماذا وراء كلمات الرئيس التركي؟

كيف يمكن أن يبدو أردوغان، وهو سياسي يتمتع بمواهب سياسية من جيل إلى جيل، حال عدم تمكنه من اجتياز السباق؟

واشنطن بوست: ماذا وراء كلمات الرئيس التركي؟

ترجمات -السياق 

قبل ساعات من الصمت الانتخابي، بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويكأنه يخسر السباق إلى القصر، لصالح مرشح المعارضة كمال كليغدار أوغلو، في أصعب استحقاق دستوري، تمر به تركيا خلال سنوات.

ذلك السيناريو تُرجم في تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، التي كانت مليئة بالرسائل السلبية، في الأسابيع والأيام التي سبقت الانتخابات التركية، متهمًا خصومه بصلاتهم بجماعات إرهابية وقوى غربية لم يذكر اسمها، يقول إنها تحاول تقسيم البلاد، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وقال مراقبون إن خطابه، الذي كان أكثر حقدًا من أي خطاب استخدمه، يعكس ضغوط ومخاطر هذه الانتخابات، على عكس أي انتخابات أخرى واجهها، خلال عقدين من حكمه في تركيا.

وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن لغة أردوغان تظهر –ببساطة- أنه يخسر السباق ضد منافسه الرئيسي كمال كليغدار أوغلو، مشيرة إلى أن آخرين صاغوا تكتيكات حملته، التي تضمنت موجة من الإغراءات المالية للجمهور والنداءات العارية للكرامة الوطنية، على أنها علامات على اليأس.

وقالت الصحيفة الأمريكية، إن كل ما يمكن لأي شخص أن يقوله على وجه اليقين، أن السباق قريب جدًا، وفقًا لاستطلاعات الرأي، ما يثير تساؤلاً عن كيف يمكن أن يبدو أردوغان، وهو سياسي يتمتع بمواهب سياسية من جيل إلى جيل، حال عدم تمكنه من اجتياز السباق؟

حكم الرجل الواحد

وأشارت إلى أن إحدى الإجابات تكمن في قراره إضفاء الطابع الرسمي على حكم الرجل الواحد، خلال الاستفتاء الذي دعا إليه عام 2017، الذي غيَّـر الحكومة التركية من نظام برلماني إلى رئاسي، مؤكدة أن التغيير سمح لأردوغان رئيس الوزراء آنذاك، بالبقاء في منصبه فترة أطول ومنحه سلطات واسعة، لكن مراقبين قالوا إن ذلك كانت له عواقب غير مقصودة على الرئيس.

وأكدت أن أردوغان تلقى نصيب الأسد من اللوم عن الأزمات الوطنية، بما في ذلك التباطؤ الاقتصادي المستمر منذ سنوات، الذي يقول الناخبون إنه همهم الأساسي، وساعد في توحيد حركة معارضة منقسمة ومحتضرة، تضافرت في حالة من الذعر من تراكم أردوغان للسلطة.

من جانبه، قال مسعود يغين، الباحث في معهد الإصلاح، وهو مركز أبحاث في اسطنبول: «لقد غيَّـر طبيعة النظام السياسي، باستثناء التدخلات العسكرية، فهذه هي المرة الأولى التي نمر فيها بمثل هذا النظام المعادي للديمقراطية»، مشيرًا إلى أن المعارضة أدركت أنه «إذا لم يوقف، سينتهي الأمر بتركيا مثل الدول الديكتاتورية الأخرى».

وقال سونر كاجابتاي، مؤلف عديد الكتب عن أردوغان: «لقد كان خطأ سياسيًا كبيرًا»، في إشارة إلى قرار الرئيس أن يصبح الرئيس التنفيذي لتركيا. 

رأب الصدع

وأضاف كاجابتاي: «كان ينعم بمعارضة تكره بعضها أكثر مما تكره أردوغان. منذ ذلك الحين، ساعد المعارضة في جسر كل خط صدع بالسياسة التركية».

ودعا أردوغان إلى استفتاء 2017 بعد أقل من عام على نجاته من محاولة انقلاب. وفي أعقاب ذلك، نفذت الحكومة حملة تطهير واسعة النطاق للمؤسسات الحكومية، إلى جانب حملة اعتقالات كاسحة استهدفت مدبري الانقلاب، وكذلك أعضاء المعارضة والصحفيين والمعارضين.

وفاز أردوغان في الاستفتاء بهامش ضئيل، وسط مزاعم المعارضة والمراقبين الأوروبيين، بأن مخالفات شابت التصويت، بينما طالبت جماعات المعارضة بإلغاء التصويت، وهو مطلب رفضه أردوغان، قائلًا بعد يوم من الاستفتاء: «انتهى الجدل في هذه القضية».

معارضة قوية

في تركيا المنقسمة، يدافع الرئيس عن الانتصار في الاستفتاء الذي يمنح سلطات جديدة، بحسب «واشنطن بوست»، التي قالت إن المعارضة التركية أقوى وأكثر تماسكًا. 

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن كليغدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، متحالف رسميًا مع خمسة أحزاب أخرى، بما في ذلك حزب قومي يمين الوسط، وحزبين برئاسة حلفاء سابقين لأردوغان، كما يدعم حزب معارضة كبير آخر، حزب الشعوب الديمقراطي الذي يقوده الأكراد، كليغدار أوغلو.

وقالت إن أردوغان استغل دعم حزب الشعوب الديمقراطي، الذي قد يمنح ملايين الأصوات لمنافسه كليغدار أوغلو، لاتهام المعارضة بعلاقتها بجماعة كردية محظورة.

كان أردوغان قال، في مدينة ماردين جنوبي شرق البلاد، في تصريحات أصبحت أساسية في خطابه: «أولئك الذين لديهم تحالف مع الإرهاب لا يمكن أن يكون لهم تحالف مع الأمة. لم نسمح لأي قوة أخرى غير أمتنا بمحاولة تقسيم جغرافيا مصيرنا واستخدام الإرهاب وسيلة لذلك».

ولحشد الدعم بين المحافظين المتدينين، اتهم أردوغان وحلفاؤه أيضًا المعارضة بدعم أفراد مجتمع الميم، قائلا، خلال لقاء تلفزيوني مع الشباب بعد سؤال عما إذا كان يستخدم «لغة مثيرة للانقسام أو الاستقطاب» في حملته: «الشيء المسمى LGBT هو سم، بمجرد إدخاله مؤسسة الأسرة».

وتقول «واشنطن بوست»، إن أردوغان حكم تركيا منذ عام 2003، في البداية رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا، مشيرة إلى أنه حتى ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان، كان خطاب حملته إيجابيًا إلى حد كبير، لكن ذلك بدأ يتغير بعد محاولة الانقلاب، كما قال ييجن، عندما بدأ إدارة حملات مختلطة هاجمت المعارضين.

وقال ييجن إن محاولته الحالية لإعادة انتخابه، تعتمد على الهجمات العنيفة، ووصف المعارضة بأنها مدعومة من الإرهابيين أو «الإمبرياليين الغربيين»، مشيرًا إلى أن الملاحظة الإيجابية الوحيدة خطاب أردوغان عن «قرن جديد» في تركيا يُعرف باعتمادها على الذات، كما يتضح من صناعة الدفاع والسيارات المحلية. 

قال ييجن: «ما هو مهم لكثيرين -والأكثر أهمية لآخرين- الأسعار في السوق، والبصل، والجبن، والحليب. هذه أسعارها مرتفعة. ومنذ جائحة كورونا، لم ينجح في خفض الأسعار».

ندم شعبي

وقال بعض الناخبين، الذين سبق أن أيدوا أردوغان، إن تصويتهم بنعم في استفتاء 2017، ومنحه صلاحيات تنفيذية، كان خطأ، بناءً على طريقة تعامله مع الاقتصاد، الذي عانى ارتفاع معدلات التضخم وانهيار الاقتصاد والعملة المحلية.

إلا أن أردوغان حاول معالجة هذه المخاوف بموجة من الإنفاق العام، في الأشهر التي سبقت الانتخابات، وإعلان إجراءات شعبوية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك زيادات كبيرة في رواتب موظفي القطاع العام وتوفير الغاز المجاني.

وقال محللون إن هذه التحركات تشير إلى حالة من الذعر، وقد لا تكون كافية لتغيير المزاج العام لصالحه، بينما قال ييجن: «لقد انتقد الحكومات الشعبوية قبله. المهم أن الناس ليسوا مستعدين لانتخابه بعد الآن».

ورغم ذلك، فإن محاولة أردوغان الأخيرة فشلت في استعادة مصداقية سياساته الاقتصادية -من خلال تعيين وزير اقتصادي سابق يحظى باحترام كبير في فريقه- عندما رفض الوزير السابق القدوم في السفينة. 

وفي اجتماع مجلس المدينة الخميس -في محاولة لإظهار أن أردوغان كان يتعامل مع مخاوف الشباب، وهي كتلة تصويتية مهمة- سُئل عن الانتقادات القائلة إن هناك «ظلًا» على استقلال القضاء التركي، إحدى المؤسسات التي سقطت أكثر تحت نفوذ الرئيس بعد الاستفتاء، رد أردوغان: «أختي لا أستطيع أن أوافق على هذا. أولئك الذين يقولون إن القانون أصبح مسيسًا، ملزمون بإثبات الادعاء في القانون، خاصة أن السيد كمال -في إشارة إلى كليغدار أوغلو- يكذب، من الصباح حتى الليل».