ماكرون يتجاوز الخطوط الحمراء.. هل يصمد أمام الاحتجاجات؟

دعم ماكرون انخفض إلى 28%، وفقًا لاستطلاعات الرأي، وهو أدنى مستوى منذ بداية انتفاضة السترات الصفراء الاجتماعية عام 2018.

ماكرون يتجاوز الخطوط الحمراء.. هل يصمد أمام الاحتجاجات؟

ترجمات -السياق 

بعد إقرار قانون يرفع سن التقاعد، من دون تصويت برلماني، يواجه الرئيس الفرنسي أزمة دستورية، بدت ملامحها مع تأجيل زيارة الدولة، التي كان الملك تشارلز الثالث يعتزم القيام بها إلى فرنسا.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إن تأجيل الزيارة كان حتميًا، فلم يكن تناول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العشاء مع ملك بريطانيا في قصر فرساي، بينما باريس تحترق، سيئاً فحسب، بل بدا كأنه استفزاز وقح للعمال ذوي الياقات الزرقاء، الذين يقودون موجة من المظاهرات والإضرابات في جميع أنحاء البلاد.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن طبيعة تلك الاحتجاجات الحاشدة تغيرت الأسبوع الماضي، فالمتظاهرون أصبحوا أكثر غضبًا، بينما باتت بعض المدن أكثر عنفًا، خاصة بعد حلول الظلام. 

وأشارت إلى أن المحتجين كانوا أقل اهتمامًا بالغضب، الذي شعروا به بشأن رفع سن التقاعد إلى 64 من 62، وأكثر من ذلك بشأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والطريقة التي طبق بها القانون في البرلمان، من دون تصويت كامل، مؤكدة أن الأزمة تفاقمت لتقترب من الأزمة الدستورية.

وقال لوران بيرغر، زعيم الاتحاد الفرنسي الديمقراطي للشغل، أكبر نقابة عمالية وأكثرها اعتدالاً في فرنسا، في مقابلة: «لقد انتقلنا من أزمة اجتماعية بشأن موضوع التقاعد إلى بدايات أزمة ديمقراطية، الغضب يتصاعد، وأمامنا رئيس لا يرى هذا الواقع».

إحدى الكتابات على جداران مبنى باريس، تصف الأزمة: «أنت تنتخبني، أنا قررت، وأنت تصمت»، في عبارة لخصت وجهة نظر متزايدة للرئيس ماكرون، كحاكم من أعلى إلى أسفل يلوح بالناس بعيدًا. 

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن فرنسا تحب أن تحلم بالثورة، وتعيد تمثيل الانتفاضة الشعبية التي اندلعت عام 1789 والتي أدت إلى قتل الملك والملكة وإلغاء النظام الملكي بعد ذلك بثلاث سنوات، مشيرة إلى أنه يكاد يكون من المؤكد أن البلاد ليست على شفا بعض التشنج التحويلي الجديد، لكن يبدو أن الفرنسيين يشعرون بأن ماكرون تجاوز خطاً أحمر.

ماكرون فرض إرادته

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن ماكرون فرض إرادته لتأمين قانون لم يصوت عليه من مجلس النواب، في وقت أظهرت استطلاعات الرأي أن ثلثي الشعب عارضوا هذا الإجراء، مشيرة إلى أن دعم ماكرون انخفض إلى 28%، وفقًا لاستطلاعات الرأي، وهو أدنى مستوى منذ بداية انتفاضة السترات الصفراء الاجتماعية عام 2018.

تنص المادة الثانية من الدستور الفرنسي، على أن مبدأ الجمهورية «حكومة الشعب وبالشعب وللشعب»، بينما تنص المادة 3 على أن «السيادة الوطنية ملك للشعب، ويمارسها من خلال نائبه وعن طريق الاستفتاء».

لكن المادة 49.3، التي استخدمت 100 مرة منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958 و11 مرة من حكومة إليزابيث بورن، رئيسة الوزراء التي اختارها ماكرون الصيف الماضي، تسمح للحكومة بالمضي قدمًا في مشروع قانون من دون تصويت. 

لأن ماكرون رأى أن مشروع قانونه الخاص برفع سن التقاعد قد لا ينجو من التصويت، لكن حكومته كانت تتمتع بفرصة أفضل لذلك، اختار استخدام 49.3 من أعلى إلى أسفل، التي ينظر إليها منتقدوه على أنها معادية للديمقراطية.

مقامرة محفوفة بالمخاطر

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن خطوة ماكرون كانت مقامرة محفوفة بالمخاطر، مشيرة إلى أن ردود الفعل السلبية كانت شديدة الانتقاد للرئيس الفرنسي وسياسته.

واقترحت مدونة استضافتها Mediapart، على الإنترنت، أن النسخة الأكثر دقة للمادة 3 من الدستور ستكون: «السيادة الوطنية ملك للشعب، ويمارسها من خلال ممثليهم وعن طريق الاستفتاء، إلا في حالات استثنائية. الحالات التي يعد فيها الرئيس رغبة صاحب السيادة غير مناسبة».

وقد زاد رفض الرئاسة القوية، التي تصورها شارل ديغول للجمهورية الخامسة، بعد الفوضى البرلمانية للجمهورية الرابعة، من خلال المقابلة التلفزيونية التي أجراها ماكرون هذا الأسبوع، التي قال فيها إنه «لن يقبل التمرد أو الفصائل في الوقت الذي عاشت فيه الولايات المتحدة ما كانت تعيشه في مبنى الكابيتول».

ووجد كثيرون مقارنة ماكرون بين الاحتجاجات الفرنسية ضد قانون لا يحظى بشعبية، انزلق فقط إلى العنف خلال الأيام العشرة الماضية، واقتحام الغوغاء لمبنى الكابيتول في واشنطن عام 2021، بأنها استفزازية.

ويقول بيرغر، زعيم النقابة: «رأينا العمودية المتطرفة لسلطة ماكرون، اتحادنا يرغب في مفاوضات والتوصل إلى حل وسط، لكن من أجل ذلك تحتاج إلى اثنين»، مضيفًا أنه منذ يناير الماضي، لم يستقبله ماكرون أو بورن أو وزير العمل أوليفييه دوسوبت.

نظام التقاعد الفرنسي 

في مقابلة تلفزيونية، قال ماكرون أيضًا إنه شعر بإحساس بالمسؤولية، لضمان بقاء نظام التقاعد الفرنسي قابلاً للتطبيق، بحجة أن ذلك مستحيل مع مطالبة العمال النشطين بدعم مزيد من المتقاعدين الذين يعيشون فترة أطول.

والإصلاح الشامل، من وجهة نظر ماكرون، ضروري لاقتصاد مستقر وديناميكي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الإصلاحات الاقتصادية أدت خلال فترة رئاسته إلى انخفاض حاد في البطالة، وتوفير فرص العمل والاستثمار الأجنبي، ونمو قطاع التكنولوجيا الفرنسي بشكل كبير، إلا أن كثيرين من الفرنسيين غاضبون من الاستماع إلى الدروس الاقتصادية لماكرون.

وقال جاي جروكس، المتخصص في النقابات الفرنسية بمعهد «ساينس بو» في باريس: «هناك مزيد من الناس في مرحلة قتال، ولا يريدون الاستماع إلى لغة الاعتدال. المتظاهرون ينفصلون عن النقابات ويخرجون إلى الشوارع طوال الليل».

بدورها، قالت صحيفة الغارديان إن الإضرابات ليست المشكلة، مشيرة إلى أن روح التمرد في التطرف السياسي تثير القلق، لأنها تسمم الجدل وتؤدي إلى تطرف الرأي. 

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن المزاج في فرنسا تحول إلى الكآبة والتقلب، مشيرة إلى أنه منذ إجبار ماكرون على إصلاح المعاشات التقاعدية قانونًا من خلال البرلمان، ورفض التصويت بحجب الثقة عن رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، بأغلبية تسعة أصوات فقط، تصاعد التوتر. 

المواجهة... السبيل الأوحد

وتقول أنياس بوارير المحللة السياسية، الكاتبة المقيمة في باريس: «للأفضل أو للأسوأ، سواء أحببنا ذلك أم لا، سواء كنا ندرك ذلك أم لا، غيرت ثورة 1789 الطريقة التي نرى بها أنفسنا ونتعامل مع السلطة. التسوية فن مخصص للآخرين. في المناسبات النادرة التي جربناها، فشلنا بشكل مؤسف. المواجهة هي ما يبدو أننا ولدنا من أجله، ما نسعى إليه سرًا، ما يجعلنا نتحرك». 

ومع إصلاح نظام التقاعد، الذي شُرح بشكل سيئ للجمهور من قبل بورن وحكومتها، فقد غامر ماكرون من أجل مالية البلاد، قائلًا إنها ستكون لمصلحة الأجيال القادمة، الذين سيتحملون -بشكل متزايد- أعباء تكلفة كبار السن، إلا أنها قالت: بينما من المحتمل أن يكون شباب الغد ممتنين له، فإن شباب اليوم يميلون إلى الانضمام للاحتجاجات.

وحذرت من أنه مع تصاعد التوتر وشعور الشرطة بالإرهاق، يتزايد الخطر، فبالنسبة لحكومة فرنسية، الأمر كابوس، فعندما ينضم الشباب إلى الاحتجاج بشكل جماعي، تتراجع الحكومة في النهاية.

لكن ماكرون صمد حتى الآن، فالرجل مختلف عن سابقيه، يجازف ولا يخجل من الصعوبات، تقول أنياس بوارير المحللة السياسية والكاتبة المقيمة في باريس، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي غير قادر دستوريًا على السعي لإعادة انتخابه، عندما تنتهي ولايته عام 2027، لذلك لا مانع من أن يكون غير محبوب. 

كما قد يأمل الرئيس الفرنسي أن تصاب «الأغلبية الصامتة» من الشعب الفرنسي بالرعب نهاية المطاف، من القذارة في الشوارع وعنف وجفاف المعارضة، وأن تنقلب ضد كل الانتهازيين الذين يسكبون الزيت على النار.

وختمت الصحيفة البريطانية تقريرها متسائلة: هل يكون إيمانويل ماكرون الرجل الذي يروِّض مواطنيه؟ وهل يستطيع مصارع الثيران الهروب من ملايين الثيران الغاضبة؟