انفصام اليسار... يدافع عن البيئة وينسى معاناة الكادحين
سلَّطت مجلة سبايكد، الضوء على الناشطة السويدية للمناخ، اليسارية غريتا تونبرغ، التي انضمت إلى المتظاهرين أثناء احتجاجهم على إزالة وتدمير قرية غربي ألمانيا، من المقرر أن تفسح المجال لتوسيع منجم فحم.

ترجمات – السياق
"اليسار بات منفصلًا عن الواقع، فبينما يدافع عن البيئة، ينسى معاناة الكادحين من الطبقة العاملة"، هكذا قال الكاتب فريزر مايرز في تحليل لمجلة سبايكد السياسية البريطانية.
وسلَّطت المجلة الضوء على الناشطة السويدية للمناخ، اليسارية غريتا تونبرغ، التي انضمت إلى المتظاهرين أثناء احتجاجهم على إزالة وتدمير قرية غربي ألمانيا، من المقرر أن تفسح المجال لتوسيع منجم فحم.
غريتا -ابنة العشرين عامًا- صاحبة أشهر الكلمات أمام الأمم المتحدة بشأن المناخ، حينما قالت في قمة أممية للعمل من أجل المناخ عام 2019: "ينبغي ألا أكون هنا، كان يجب أن أكون فى المدرسة على الجانب الآخر من المحيط، لقد سرقتم أحلامى وطفولتي بكلماتكم الفارغة".
ومؤخرًا اعتقلتها برلين، خلال المظاهرات في منطقة لوتزيرات الألمانية.
جاء قرار الاعتقال والترحيل من ألمانيا للسويد، إثر مشاركة غريتا -خلال عطلة نهاية الأسبوع- في تظاهرة ضد فتح منجم فحم في قرية لوتزيرات الألمانية.
وخلال التظاهرة، قالت غريتا: "من السخف أن يحدث هذا عام 2023... علينا إبقاء الفحم في الأرض... على ألمانيا أن تخجل من نفسها".
استمرار المعاناة
وحسب "سبايكد"، فإنه في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا نقصًا كارثيًا في الطاقة، حيث يكافح الملايين لتدفئة منازلهم، يبدو أن الأمر يتطلب جهدًا أكبر للدفاع عن معاناة الآلاف من الناس هناك.
توضيح معاناة الناس، كانت رسالة الناشطة المناخية غريتا ثونبرج وآلاف من نشطاء البيئة، تجمعوا في لوتزيرات غربي ألمانيا نهاية الأسبوع، للاحتجاج على التوسع في منجم فحم، إلا أن احتجاجاتهم السلمية لم تغير مجريات الأمور.
حتى أن غريتا -حسب المجلة البريطانية- تم جرها واحتجازها من قِبل الشرطة الألمانية، بعد أن رفضت مغادرة المنطقة لمساندة المحتجين من أهالي القرية.
وترى المجلة أن منطقة لوتزيرات، أصبحت نقطة اشتعال ضمن حروب المدافعين عن المناخ، خصوصًا بعد أن منحت الحكومة الألمانية عملاق الطاقة "ريو" إذنًا لتوسيع عمليات تعدين الفحم، التي ستلتهم القرية ضمن خططها.
وقد احتل دعاة حماية البيئة القرية غير المأهولة لمدة عامين، لمنع توسع المنجم، وعمدوا إلى بناء بيوت من الأشجار لأنفسهم، رغم أن حماية البيئة تتطلب الحفاظ على هذه الأشجار.
ومؤخرًا، وصل ما بين 6 آلاف و10 آلاف متظاهر، بينهم غريتا، إلى لوتزيرات، في محاولة لمنع الشرطة من تفكيك مخيم نشطاء البيئة، والاستمرار في بناء منجم الفحم.
لكن، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد أجبرت الحرب على أوكرانيا بعض الدول الأوروبية للتوسع في مناجم الفحم لاستخدامه في التدفئة، بعد توقف الغاز الروسي، خصوصًا ألمانيا التي كانت تعتمد على الغاز الروسي قبل الحرب.
ووصفت المجلة البريطانية، أزمة الطاقة في ألمانيا بأنها "يائسة للغاية"، لدرجة أنه حتى وزراء حزب الخضر في الحكومة الائتلافية، الذين عادةً ما يعارضون بشدة جميع أنواع الوقود الأحفوري، يؤيدون توسع المنجم.
وذكر وزير شؤون الاقتصاد وحماية المناخ الألماني، روبرت هابيك، أن نشطاء المناخ، الذين يحتلون قرية لوتزيرات غربي ألمانيا، المقرر هدمها لإفساح الطريق لحفر منجم للفحم، يقاتلون من أجل "الرمز الخطأ".
وقال السياسي بحزب الخضر لمجلة دير شبيغل الألمانية: "هناك كثير من الأسباب الوجيهة للتظاهر من أجل توفير حماية أكثر للمناخ، حتى ضد حزب الخضر".
وأضاف الوزير: "لكن لوتزيرات –ببساطة- الرمز الخطأ"، موضحًا أن هدم القرية، لم يرمز في الحقيقة إلى النشاط المستمر، في منجم جارتسفايلر القريب لكن نهايته، موضحًا أن المنجم ضروري لمواجهة أزمة الطاقة في البلاد.
كان القرار الروسي بوقف ضخ الغاز نحو الدول الأوروبية، أدى إلى بلوغ سعره في السوق العالمية خلال أغسطس الماضي نحو 3100 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز، ما يعادل ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 610% مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.
هذا الارتفاع في أسعار الغاز، دفع عددًا من محطات توليد الطاقة لإعلان التوقف عن العمل، لعدم قدرتها على مسايرة تكاليف الإنتاج، خصوصًا أن أسعار الكهرباء في أوروبا ارتفعت بنسبة 300% خلال سنة 2022، وهو ما يعادل 10 أضعاف أسعارها قبل 5 سنوات فقط.
حماس النشطاء
ورغم ذلك -حسب "سبايكد"- فإن أزمة الطاقة لم تفعل شيئًا لتثبيط حماسة معظم المدافعين عن البيئة، إذ جرى تصوير غريتا في لوتزيرات وهي تحمل لافتة تطالب بـ "الحفاظ على الفحم في الأرض".
وقالت في رسالة إلى الحكومة الألمانية أثناء وجودها في المخيم: "أوقفوا ما يحدث هنا على الفور، أوقفوا الدمار".
وطالب النشطاء، خلال احتجاجاتهم، الدول الأوروبية، بضرورة تخصيص صندوق مالي لمواجهة حالات الطوارئ المتعلقة بالطاقة أو التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى ذلك.
لكن بالنسبة إلى أعضاء حزب الخضر، تظل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سابقة لجميع الاعتبارات الأخرى، بما في ذلك قدرة الأشخاص العاديين على تدفئة منازلهم وتزويدها بالطاقة.
وحسب المجلة البريطانية، يُنظر إلى احتياجات ورغبات وتطلعات الجمهور على أنها تافهة، مقارنةً بنهاية العالم البيئية المزعومة المنتظرة، لافتة إلى أن هذا موقف يكشف عن مستوى غير عادي من الرفاهية والانفصال عن الحياة اليومية، تمامًا كما قال المتظاهرون ذوو السترات الصفراء في فرنسا عن النخب المدافعين عن البيئة في بلادهم: "أنت قلق بشأن نهاية العالم... بينما نحن قلقون بشأن نهاية الشهر".
الأمر الأكثر غرابة أن من يهاجم بناء المناجم الآن "الجناح اليساري والتقدمي"، رغم أنه قبل نحو أربعين عامًا، كان اليسار يقاتلون مع عمال المناجم لإبقاء حفر الفحم مفتوحة، ليس فقط من أجل الوظائف التي يوفرونها، لكن أيضًا من أجل الطاقة التي ينتجونها لتشغيل الصناعة الثقيلة والتصنيع.
أمام ذلك، ترى المجلة، أن اليسار التابع لغريتا اليوم قد يظهر على أنه راديكالي ومناهض للمؤسسة الحاكمة، لكنه -بشكل واضح- لا يقف إلى جانب العمال.
ووصفت المجلة غريتا، بأنها "تقاتل بضراوة -وكأنها مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة- لضمان إغلاق كل حفرة فحم أخيرة، موضحة أن الاحتفاظ بالفحم داخل الأرض مهم بالنسبة إلى اليسار الأخضر أكثر من مصير الطبقة العاملة الصناعية.
وقالت: "يمكن القول إن ألمانيا فعلت أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، لتنغمس في أهواء النشطاء من أجل حماية البيئة، حيث أنفقت أكثر من 500 مليار يورو على خطط الانتقال إلى الطاقة المتجددة، بل استجابت لمطالب الخضر بالتخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية في ألمانيا، رغم عدم وجود بصمة كربونية للطاقة النووية".
وأشارت إلى أن ما يسمى "إنرغيفيندي" أي الانتقال إلى الطاقة النظيفة، أدى إلى كارثة في ألمانيا، لافتة إلى أنه حتى قبل أن يكشف غزو أوكرانيا اعتماد ألمانيا الخطير على الغاز الروسي، كان تحول الطاقة يرفع الأسعار، بينما لم يفعل شيئًا يذكر لخفض انبعاثات الكربون، ولا يزال الخضر البرجوازيون لا يحسبون حسابًا لهذا الفشل، ومع ذلك تتواصل مطالبهم بلا توقف.
وفي المناسبات النادرة، التي يعترف فيها الخضر بأزمة الطاقة، فإنهم ينظرون إليها على أنها فرصة للضغط من أجل مزيد من التخفيضات في استخدام الطاقة، حيث التعامل مع أزمة تكلفة المعيشة التي تبعت ذلك على أنها بروفة لمستقبل أكثر صرامة.
ورغم أن غريتا هاجمت السلطات، بدعوى تدمير البيئة وتعريض عدد لا يحصى من الناس للخطر، فإن المجلة البريطانية علقت على ذلك قائلة: "ربما تكون غريتا مخطئة أكثر، إذ ما تبدو عليه تلك الاحتجاجات حقًا هو نوبة غضب للطبقات الوسطى العليا، الذين يعتقدون أن بإمكانهم فرض المشقة والتقشف والقيود على الجماهير، ومن ثمّ حان الوقت للوقوف في وجه غطرستهم".