وول ستريت جورنال: إيران تطالب سوريا بالدفع مقدمًا مقابل النفط
النظام الإيراني استخدم -حتى الآن- الأموال والنفط المخفض، في حملة لاستمالة القلوب والعقول، لتوسيع نفوذه في سوريا، بحسب وول ستريت جورنال

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة وول ستريت الأمريكية، أن السلطات الإيرانية قيدت إمدادات النفط الإيراني بالسعر المخفض لسوريا، وضاعفت أسعار النفط المصدر إلى دمشق بسبب مشكلاتها الاقتصادية، تاركة حليفتها -التي تعاني نقص الوقود- في مأزق كبير.
ومنذ صيف 2019، يستورد النظام السوري نحو مليوني برميل من الخام شهريًا من إيران، ما يجعله في المرتبة الثانية من قائمة مستوردي النفط الإيراني بعد الصين.
وأكدت الصحيفة الأمريكية أن النظام الإيراني استخدم -حتى الآن- الأموال والنفط المخفض، في حملة لاستمالة القلوب والعقول، لتوسيع نفوذه في سوريا، لكن في الوقت الحالي، مثلت المشكلات الاقتصادية ضربة جديدة لطموحات إيران.
مضاعفة السعر
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة قولها: السلطات الإيرانية أبلغت الحكومة السورية بأن عليها دفع مبالغ أكثر مقابل شحنات النفط.
وبحسب المصادر، تعتزم إيران مضاعفة سعر النفط، ليصل إلى سعر السوق الذي يزيد على 70 دولارًا للبرميل.
وطالبت طهران دمشق أيضًا بالدفع مقدمًا مقابل النفط، ورفضت الطلبات الجديدة للتسليم بالدين -كما أضافت المصادر- ما يزيد الضغوط على الاقتصاد السوري، الذي يعتمد على إيران أكثر من نصف احتياجاته النفطية.
وقالت الصحيفة: "النظام الإيراني رفض إرسال شحنات للنفط إلى سوريا بشكل عقود التسليم مؤجلة الدفع، وطالب دمشق بدفع ثمن النفط مقدمًا".
وتعاني سوريا أسوأ أزمة نقص في الوقود، منذ اندلاع الحرب عام 2011، إذ يصطف سكان العاصمة كل يوم ساعات بالقرب من محطات الوقود المعطلة، في حين ارتفعت تكلفة وسائل النقل، ما أدى إلى إجهاد الاقتصاد المتعثر مع ارتفاع أسعار السلع.
وقفزت تكلفة النقل، وتبعته بقية السلع، ما زاد الضغط على اقتصاد معتل، الأمر الذي أجبر الحكومة على إغلاق بعض المكاتب الإدارية التابعة لها، الشهر الماضي، لتوفير الطاقة.
كما أغلقت مصانع عدة أبوابها، بسبب عجزها عن الحصول على الوقود اللازم للتشغيل، وسط ندرة الكهرباء.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن أصحاب الدخل المنخفض أكثر المتضررين من الأزمة، حيث يكافح كثيرون منهم للعثور على مصادر للطهي والتدفئة.
وطالما اعتمدت الأسر السورية تاريخيًا على الوقود لتشغيل مدافئها، إلا أن الأسعار ارتفعت خمسة أضعاف العام الماضي، و لا تستطيع العائلات تحمُّل ذلك، وسط معدلات التضخم المرتفعة، وهبوط الليرة السورية إلى مستوى قياسي مقابل الدولار.
أسوأ أزمة
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن فابريس بالانش، الأستاذ المختص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة ليون الفرنسية، قوله: سوريا تشهد أسوأ أزمة وقود في تاريخها، في حين أن إيران لا تستطيع تحمُّل ذلك.
بينما قالت وسائل إعلام رسمية سورية وإيرانية، إن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، تعهد -خلال لقائه الأخير بالرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة دمشق- بالحفاظ على علاقات قوية مع سوريا.
كان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، ختم -الأحد الماضي- زيارته إلى سوريا، والتقى خلالها رئيس النظام، بشار الأسد، ووزير الخارجية، فيصل المقداد.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، أن الجانبين اتفقا على تجديد وثيقة التعاون الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدين لتوقيعها في المستقبل القريب، إلى جانب توقيعهما وثائق عدة بين البلدين يجرى تنفيذها.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إن الجانبين ناقشا مشروعًا لإنشاء محطات إنتاج الطاقة الحرارية في سوريا، إلا أنهما لم يتطرقا للحديث عن إمدادات النفط.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الأوضاع في دمشق "لن تتحسن ما لم يحدث تغيير في الأوضاع الإيرانية"، واستبعدت ذلك قريبًا، بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران، ووصول معدل التضخم إلى 50 في المئة، والقيود التي تفرضها السلطات على الإنترنت، وغيرها من الإجراءات التي تتخذها السلطات للقضاء على الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني أثناء اعتقالها لدى "شرطة الأخلاق" في سبتمبر الماضي.
ويعيش أكثر من ثلث سكان إيران في فقر، مقارنة بـ 20% عام 2015، وانخفضت العملة المحلية إلى أدنى مستوى تاريخي لها مقابل الدولار الأمريكي في الأسابيع الأخيرة.
وتعليقًا على ذلك، قال حميد حسيني، المتحدث باسم اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني للصحيفة: "نحن نتعرض لضغوط... ليس هناك ما يدعو للبيع إلى سوريا بأسعار مخفضة".
وذكرت الصحيفة أن وزارتي الخارجية في البلدين لم يردا -على الفور- على طلبات بالتعليق على الأمر.
وأوضحت أنه رغم أن كميات النفط التي أرسلتها طهران إلى دمشق في الربع الأخير من عام 2022 كانت مماثلة للكميات المرسلة العام السابق، فإن إيران رفضت زيادة إمداداتها لتلبية الطلب المتزايد في سوريا.
الدفع مقدمًا
مع تزايد الأزمة على المستويين الإيراني والسوري، نقلت "وول ستريت جورنال" عن مطلعين على الأمر، قولهم: خط الائتمان الذي سمح لسوريا بالدفع لاحقًا سرعان ما استنفد، بعد أن رفعت إيران سعر البرميل بمعدل 30 دولارًا، ما دفع إيران لرفض تسليم شحنات جديدة بالدين، وذكرت الصحيفة أن سوريا ستدفع مقدمًا مقابل إمدادات النفط الجديدة.
وبحسب الصحيفة فإن حكومة بشار الأسد تستورد أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من إيران، وسوف تؤدي القرارات الجديدة للسلطات الإيرانية إلى مزيد من المشكلات للاقتصاد السوري.
وأفادت شركة كبلر المهتمة ببيانات السلع الأساسية، بأن سوريا عادةً ما تستقبل شحنتي نفط على الأقل شهريًا من إيران، لكن الشحنة التالية لن تغادر إيران إلى سوريا قبل بداية مارس المقبل، ما يشكل فجوة 11 أسبوعًا في التسليم.
وبحسب البيانات، غادرت الشحنة الأخيرة منتصف ديسمبر الماضي، حسب "كبلر" التي تعتمد على التتبع البحري وبيانات الموانئ والمصادر في مجتمع الشحن.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه مع توقع استمرار العقوبات على مبيعاتها النفطية بعد توقف محادثات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 العام الماضي، تخفض إيران بشدة نفطها لمعظم العملاء، لكن من المحتمل أن تحصل على المزيد في السوق المفتوحة، مما دفعته سوريا حتى وقت قريب.
وأدت عقوبات فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عام 2018 بعد أن انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 إلى الحد من صادرات النفط الإيرانية، إذ استهدفت العقوبات ذلك، والحد من إيرادات الحكومة الإيرانية.
يأتي قرار الحكومة الإيرانية بتضييق تدفق النفط للنظام السوري، مع اشتداد الظروف الاقتصادية داخليًا، والاحتجاجات التي يواجهها النظام منذ أشهر.
وتستورد الصين عادةً قرابة مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني، معظمها عبر طرق سرية، كما يقول تجار النفط الإيرانيون، وعلى عكس دمشق، تدفع الصين ثمن نفطها مقدمًا.
ويقول مسؤولون في طهران، إن إيران مهتمة بزيادة تلك المبيعات لدعم اقتصادها بشكل أفضل، كما أن المخاطر تتصاعد بالنسبة للأسد.
وبدعم من موسكو وطهران، استعاد الأسد السيطرة على جزء كبير من سوريا من قوات المعارضة و"داعش"، لكن في ظل تدمير البنية التحتية في أجزاء كبيرة من البلاد ومكافحة الاقتصاد للتعافي من حرب استمرت أكثر من عقد من الزمان، فإن سوريا بحاجة ماسة إلى المساعدات الخارجية.
وحسب الصحيفة الأمريكية، كان من المتوقع أن تقدم روسيا وإيران بعض تلك المساعدة، على الأقل مع الاستفادة من العقود المربحة لإعادة الإعمار وتنمية الموارد الطبيعية لسوريا، من بين قطاعات أخرى من الاقتصاد.
ورغم أن سوريا تنتج بعض النفط الخام، فإن المتمردين الأكراد يسيطرون على حقول النفط شمالي شرق البلاد.
وتعطلت الإمدادات من هناك في الأشهر الأخيرة، بعد أن نفذت تركيا ضربات ضد الجماعات الكردية المتشددة المتمركزة في المنطقة.