لماذا فشلت العقوبات الأمريكية في إيقاف برنامج الطائرات من دون طيار الإيرانية؟
ما أسباب تحطم العقوبات الأمريكية على صخرة مسيرات إيران؟

ترجمات - السياق
بـ«سلاح العقوبات» تحاول الولايات المتحدة إرغام بعض الدول على الانصياع لسياستها، والتراجع عن مواقف تتخذها في قضايا معينة، بسلاح وُصف بـ«الأكثر نجاعة» وإيلامًا للخصوم.
إلا أن ذلك السلاح، فشل في تعطيل برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني، ما أثار تساؤلات عن مستقبل العقوبات الأمريكية، وما إذا كانت سلاحًا فعالًا، أم أن تأثيرها قد قل، مع تكاتف بعض الدول ضد السياسة الأمريكية.
فكيف فشلت أمريكا في إيقاف برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني؟
تقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، إن وزارة الخزانة الأمريكية، فرضت في 6 يناير الجاري، عقوبات على أعضاء المجلس التنفيذي لشركة القدس للطيران والصناعات الفضائية (IAIO) ، التي قالت عنها إنها شركة دفاع إيرانية أسسها الحرس الثوري الإيراني عام 1985.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الشركة الإيرانية تصمم وتصنع طائرات من دون طيار للاستطلاع والقتال متوسطة المدى، تسمى «مهاجر6»، ويفترض أنها نُقلت إلى روسيا في الصيف.
وقالت «ذا ناشيونال إنترست»، إن روسيا استخدمت في سبتمبر الماضي، «المهاجر 6» لتنسيق هجوم على ميناء أوديسا الأوكراني، ما يناقض الرواية الإيرانية التي ترفض الاعتراف بتزويد موسكو بطائرات من دون طيار بعد شن الأخيرة عمليتها العسكرية على أوكرانيا، في فبراير الماضي.
وبينما فرضت واشنطن عقوبات على الشركة الإيرانية، منذ ديسمبر 2013، توقعت الصحيفة الأمريكية أن تزيد الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على مسؤولي شركة صناعة الطائرات الإيرانية (HESA) ، التي تنتج الطائرة الانتحارية شاهد -136 والتي أعادت روسيا إطلاق اسم «جيران -2» عليها، بعدما ظهرت بشكل بارز في الحرب بأوكرانيا.
ومنذ سبتمبر الماضي، استخدمت روسيا طائرات «شاهد -136» من دون طيار الإيرانية، لشل البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا و«إرهاب» سكانها المدنيين.
لماذا فشلت العقوبات الأمريكية؟
فرضت الولايات المتحدة -منذ سنوات- عقوبات على المجمع الصناعي العسكري الإيراني وقاعدة التصنيع، وكيانات عسكرية إيرانية، ورغم ذلك، فإن قطاع الطيران الإيراني وصناعة الطائرات من دون طيار ازدهرا وتوسعا، فلم تتمكن العقوبات الغربية من منع إيران من أن تصبح لاعباً بارزاً في سوق الطائرات من دون طيار العسكرية وتقاسم تكنولوجيا هذا النوع من الطائرات مع الشركاء والوكلاء داخل الشرق الأوسط وخارجه.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن إيران صنعت وتشغيل طائرات بدون طيار منذ الحرب الإيرانية العراقية في منتصف الثمانينيات، بطرح أكثر من ثلاثة وثلاثين نموذجًا، بالاعتماد على أحد الركائز الأربع لاستراتيجيتها الأمنية وهيكل قوتها.
وأشارت إلى أن برنامج الطائرات من دون طيار قدَّم لإيران ميزة غير متكافئة، خاصة أنها غير قادرة على التنافس مع القوات الجوية الأكثر حداثة في المنطقة، حتى في الوقت الذي تحاول فيه الحصول على طائرات مقاتلة من طراز «سوخوي 35» من روسيا مقابل طائرات من دون طيار وصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الطائرات من دون طيار الإيرانية أرخص من نظيراتها الغربية، مشيرة إلى أنها أثبتت فعاليتها في ساحة المعركة، سواء ضد المتمردين المحليين والإقليميين أو الأصول الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
القوة العسكرية الهائلة التي منحتها الطائرات من دون طيار لم تكن وحدها من منحت ميزة إضافية لبرنامج إيران، بل مكّنت طهران -كذلك- من إبراز قوتها وأهلتها لأن تجني أرباحا جيدة، ما عزز مكانتها، ووطد علاقاتها ببعض الحلفاء، ومنحها تأثيرًا هائلًا على النزاعات في الشرق الأوسط وخارجه.
وتحقيقا لهذه الأهداف، سلَّمت إيران طائرات من دون طيار وتصميماتها ومكوناتها وتدريبها لشركائها ووكلائها في العراق ولبنان واليمن، وكذلك لحكومات أجنبية مثل إثيوبيا وروسيا والسودان وسوريا وفنزويلا، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران منذ أكتوبر 2020، سمح لإيران بهذه التعاملات.
ولم يقتصر انتهاء الحظر في مايو 2022 على ذلك، بل إن أحد أبرز القادة العسكريين في إيران، ويدعى اللواء محمد باقري، افتتح مصنعًا إيرانيًا جديدًا للطائرات من دون طيار في طاجيكستان، وهو أول منشأة بحرية لإنتاج هذا النوع من الطائرات.
وفي 18 أكتوبر الماضي، مع استمرار روسيا في استخدام «شاهد -136» ضد البنية التحتية الأوكرانية والمدنيين، ادعى أحد كبار المساعدين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أن 22 دولة تريد شراء تلك المسيرات الإيرانية.
ورغم ذلك، فإن إيران امتنعت -حتى اللحظة- عن تزويد روسيا بطائرات من دون طيار وصواريخ طويلة المدى وأكثر فتكًا، مثل الطائرة الانتحارية من دون طيار «أراش -2» وصاروخ فاتح 110 وصاروخ زولفاغار البالستي قصير المدى، في محاولة من طهران لتجنُّب التعرض لعقوبات سريعة، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 حتى انتهاء صلاحية بند رئيس به في أكتوبر 2023.
ورغم الهدنة الإيرانية التي منحتها لنفسها، فإن البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني تعاقدت مع شركة بناء السفن الإيرانية لبناء مجمع الصناعات البحرية في مدينة بندر عباس الساحلية، لتحويل سفينة حاويات شهيد مهدوي إلى حاملة طائرات من دون طيار.
ماذا تفعل أمريكا لمواجهة تلك التحركات؟
تقول «ذا ناشيونال إنترست»: إضافة إلى زيادة العقوبات ضد إيران، تعتزم واشنطن فرض ضوابط على الصادرات والضغط على الشركات الخاصة لتعطيل سلسلة التوريد التكنولوجية المرتبطة بصناعة الطائرات من دون طيار في طهران.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إعلان هذه الخطط جاء بعد تقارير تفيد بأن «شاهد -136» صُنعت بمكونات أمريكية وبريطانية، مشيرة إلى أن هذه المكونات لا تؤدي إلى تعقيد السردية الثورية للاستقلال والاكتفاء الذاتي لإيران فحسب، بل تُظهر قدرتها الخارقة على تجاوز العقوبات.
ورجحت الصحيفة الأمريكية، أن تفشل المزيد من ضوابط التصدير وضغط الشركات، في الحد بشكل كبير من وصول إيران إلى هذه المكونات، لأسباب عدة، أولها دمج المكونات الأجنبية في برنامج قوي للطائرات من دون طيار مع سلسلة إمداد راسخة، والآخر أنه يمكن للولايات المتحدة أن تعاقب الشركات التي تبيع تكنولوجيا مزدوجة أو متعددة الاستخدامات لإيران وغيرها من الدول المارقة المزعومة، إلا أنها لا تستطيع منع بائعي هذه التكنولوجيا مثل eBay أو Alibaba، من ذلك.
وأشارت إلى أنه إضافة إلى ذلك، فإن القيادة الإيرانية تتبنى نهجًا حكوميًا شاملاً وتستخدم الأدوات المتاحة، من نخب النظام الملتحقين بالجامعات في الخارج إلى التجسس الإلكتروني، للوصول إلى أحدث التقنيات، مؤكدة أنه بينما يمكن أن تواجه إيران صعوبة في الوصول إلى أو إنشاء تكنولوجيا اتصالات معقدة، لا يزال بإمكانها بسهولة شراء شريحة مستقبل إشارة إلكترونية من شركة Texas Instruments من النوع الذي اكتشفته القوات الأوكرانية داخل «شاهد -136» التي دمرتها، خاصة من سوق التكنولوجيا الصيني الكبير وغير المنظم.
ولم تكن إيران وحدها التي تحايلت على الحظر الأمريكي على مكونات الطائرات من دون طيار، بل إن تركيا -على سبيل المثال- نجحت في التحايل على حظر تصدير الولايات المتحدة لمكونات الطائرات من دون طيار من المحركات، والإلكترونيات الضوئية، ورفوف القنابل، عبر استيرادها من شركة بريطانية تابعة لشركة أمريكية.
وحفز حظر مماثل من الحكومة الكندية تركيا على تصنيع المزيد من المكونات محليًا على المدى الطويل، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه بصرف النظر عن الوصول إلى الأجهزة والمكونات، فإن رأس المال البشري المرتفع في إيران يمكن أن يسمح لها بتسريع الإنتاج المحلي لمكونات الطائرات من دون طيار، عبر علمائها وفنييها ومهندسيها وعلماء الرياضيات من الدرجة الأولى الذين أنتجتهم جامعة الشريف للتكنولوجيا وغيرها من المؤسسات التعليمية الإيرانية رفيعة المستوى.
استراتيجية جديدة؟
تقول «ذا ناشيونال إنترست»: بالنظر إلى صعوبة، إن لم يكن استحالة تعطيل برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني، من خلال العقوبات الاقتصادية وضوابط التصدير، فإن الولايات المتحدة ستسعى إلى تبني استراتيجية جديدة، عبر نهج مبتكر وشامل لكسر الحلقة اللانهائية لفرض العقوبات الأمريكية وتجنُّب العقوبات الإيرانية.
وبموجب هذه الاستراتيجية، ستكون الإجراءات الاقتصادية والمالية العقابية من أدوات سياسية أوسع، لتحقيق تأثير الدعم الشامل للحكومة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي حذرت من أن التعاون العسكري الإيراني الروسي سيكون بالقوة نفسها، لو ظلت واشنطن في خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأشارت إلى أن على أمريكا المزج الصحيح بين سياسة العصا والجزرة لتغيير سلوك إيران، مؤكدة أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى منع واشنطن وطهران وحلفائهما من الاستمرار في السير على الطريق المدمر الذي لا رجعة فيه، المتمثل في تكثيف الصراع وعدم الاستقرار.