الأزمة الأسوأ والأخطر.. مئات السودانيين يطالبون الجيش بالاستيلاء على السلطة
مع تفاقم الأزمة السياسية في السودان، خرج الآلاف في تظاهرات ظهر السبت، مطالبين المكوِّن العسكري بالاستيلاء على السلطة، بعد تصاعد الأزمة بين المدنيين والعسكريين

السياق
أزمة هي الأسوأ والأخطر في آن، التي تواجه السودان وتعصف بآمال مواطنيه، في الانتقال الديمقراطي، بل إنها تهدد البلد الإفريقي وتنذر بـ«شرٍ مُستطير».
ومع تفاقم الأزمة السياسية في السودان، خرج الآلاف في تظاهرات ظهر السبت، مطالبين المكوِّن العسكري بالاستيلاء على السلطة، بعد تصاعد الأزمة بين المدنيين والعسكريين.
تلك الأزمة تحدث عنها رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك، ملخصًا إياها، في تعذُّر الاتفاق على مشروع وطني بين قوى الثورة والتغيير، يحقق أهداف ثورة ديسمبر وآمال مواطنيه في الحرية والسلام والعدالة، عازيًا فشل التوافق إلى انقسامات عميقة بين المدنيين وأنفسهم والعسكريين وأنفسهم وبين المدنيين والعسكريين.
وفي خطاب لرئيس مجلس الوزراء، عشية تظاهرات خرجت لإقالته وحكومته، حدد حمدوك 10 خطوات، قال إنها خارطة طريق للخروج من الأزمة وتحويلها لفرصة، للوصول إلى الانتخابات التي يتبقى أمامها عامان.
وأوضح حمدوك، أن الخطوة الأولى في خارطة الطريق، تتضمن الوقف الفوري لكل أشكال التصعيد بين جميع الأطراف، والتأمين على أن المخرج الوحيد هو الحوار الجاد والمسؤول في القضايا التي تقسم قوى الانتقال، مشيرًا إلى ضرورة العودة للعمل بمؤسسات الانتقال، على أن توضع الخلافات في مواضعها الصحيحة، وأن تدار من مواقع أخرى.
صراع سياسي
وأكد حمدوك، ضرورة الاتفاق على أن قضايا، مثل الإرهاب والمهددات القومية الداخلية وعلى الحدود أو من خارج الحدود، يجب ألا تخضع لأي نوع من التكهنات أو المزايدات أو الشكوك في النوايا، مطالبًا بالابتعاد عن اتخاذ قرارات وخطوات أحادية، وعدم استغلال مؤسسات وأجهزة الدولة، التي هي ملك لجميع السودانيين، في الصراع السياسي.
وشدد رئيس الوزراء السوداني، على أن مرجعية التوافق بين مكونات السلطة الانتقالية هي الوثيقة الدستورية، مؤكدًا أن تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن التزام دستوري، لا بد منه لتفكيك قبضة النظام القديم على أجهزة الدولة وثرواتها.
وطالب حمدوك، بإنهاء الشقاق بين مكونات الحرية والتغيير كافة، لتوسيع قاعدة الانتقال، وكي تكون قادرة على استيعاب قوى الثورة والتغيير، مشيرًا إلى أن العدالة الانتقالية تظل الوسيلة الأمثل التي بموجبها تتحقق رغبات الضحايا وأسرهم.
وبينما أكد حمدوك، أن هذه الخطوات سيشرف على تنفيذها مع جميع الأطراف في وقت وجيز، أكد لمواطنيه، أنه متمسك باستكمال الانتقال المدني الديمقراطي، وتسليم البلاد لحكومة منتخبة، عبر انتخابات حرة ونزيهة، في ظل نظام ديمقراطي.
قاعدة المشاركة
وطالب بتوسيع قاعدة المشاركة، وأن تتوحد قوى الثورة خلف الأهداف المعلنة، وأن تكون بوصلتها شعارات وأهداف الثورة، مؤكدًا أنه يحترم المؤسسة العسكرية والقوات النظامية الأخرى، ويقدِّر دورها في حماية الوطن والمواطنين، ولا يحمِّلها أوزار المحاولات الانقلابية وأوهام المغامرين.
وأكد رئيس الوزراء السوداني، أنه يعمل مع «كل الشركاء ومؤسسات الانتقال، لضمان الوصول لجيش قومي موحد، بعقيدة عسكرية وطنية».
أهداف وصفتها قوى ثورية بأنها وطنية، إلا أن الحبر الذي كُتبت به لم يلبث أن يجف، حتى خرج الآلاف من السودانيين في تظاهرات عارمة، دعت لها قوى سياسية، أمام القصر الجمهوري، مطالبين بحل الحكومة، مرددين هتافات بينها «تسقط حكومة الجوع».
تنديد بالحكومة
ورفع المتظاهرون لافتات، ورددوا شعارات تدعو لاستكمال مؤسسات الحكم، وعودة نقابات العمال وإصلاح يشمل مؤسسات الدولة، واسترداد الثورة وتحسين أوضاع المعيشة.
وقالت وكالة الأنباء السودانية «سونا»، إن المتظاهرين تجمَّعوا في شوارع وسط العاصمة الخرطوم، مشيرة إلى أن أعداداً كبيرة من الحافلات، أحضرت المحتجين من أطراف العاصمة وبعض الولايات، بينما خلت شوارع منطقة وسط الخرطوم من الحواجز، التي كانت تضعها أجهزة الأمن والشرطة.
من جانبه، تمسك وزير المالية السودانية جبريل إبراهيم، بضرورة حل الحكومة الحالية، وتوسعة قاعدة المشاركة في السلطة، لضمان استقرار الأوضاع.
وانضم إبراهيم، الذي يرأس حركة العدل والمساواة، ويشغل حقيبة المالية في حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، إلى ائتلاف منشق عن الحاضنة السياسية الأم، ينادي بالإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة، من دون المساس بحصص اتفاق السلام.
ونظم أنصار التحالف الجديد، الذي يرفع لافتة الوفاق الوطني، مسيرة إلى مقر القصر الرئاسي بالخرطوم السبت، وهتف قادته مطالبين رئيس مجلس السيادة بإصدار بيان لتولي الحُكم، كما رددوا شعارات تدعو إلى حل حكومة حمدوك.
وقال إبراهيم، في تصريحات صحفية، إنه لا يوجد تناقض بين مشاركتهم في الحكومة والمطالبة في الوقت ذاته بحلها، مشيرًا إلى أن الأنسب تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة، تواجه التحديات السياسية والاقتصادية في السودان.
وحذَّر من ممارسة الإقصاء، الذي قال إنه كان سبب زوال النظام السابق، داعيًا رئيس الوزراء إلى عدم تفويت الفرصة التي أمامه واغتنامها، بامتصاص الاحتقان السياسي الحالي وحل الحكومة، وبدء مشاورات لتشكيل حكومة كفاءات، ذات قاعدة عريضة ترضي السودانيين، وتسعى لإجراء الانتخابات في موعدها.
تصعيد جديد
وفي حركة تصعيدية، أعلنت جماعة الوفاق الوطني بقوى الحرية والتغيير عزمها الاعتصام أمام القصر الرئاسي في العاصمة السودانية، للضغط في اتجاه حل الحكومة المدنية.
وتضم هذه المجموعة، حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، وحزب البعث السوداني وآخرين، بينما بث ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، رصدت مشاركة أطفال في الاحتجاجات، ما دعا مفوضية حقوق الإنسان لإصدار بيان، يحذر من استغلال الأطفال في المظاهرات، لأنه يخالف القوانين السودانية والمعاهدات الدولية.
من جانبها، قالت لجنة الأمن في ولاية الخرطوم، إن مجموعة ادعت الانتماء للحركات المسلحة، أزالت حواجز ومتاريس تم وضعها حول مواقع سيادية، داعية لاجتماع عاجل لمناقشة هذه التطورات.
بدوره، قال مبارك أردول، مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، الذي يدعم حزبه الائتلاف الوليد، إن سيارات حكومية تابعة لـ«محلية الخرطوم»، وضعت المتاريس في شارع الجامعة، لـ«إعاقة مسار موكب استرداد الثورة».
لا حل للحكومة
تلك الأحداث، دفعت تحالف الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم في السودان) إلى اتهام قيادات عسكرية ومدنية، بتأجيج الأوضاع في الساحة السياسية، مشيرًا إلى أن قرار حل الحكومة بيده فقط، بعيدًا عن أي ضغوط.
وقالت اللجنة القيادية المُفوّضة لقوى الحرية والتغيير، إن الأزمة الحالية تأتي في أعقاب فشل سابقاتها «من محاولاتٍ لتجويع وتركيع الشعب، وإحداث انفلات أمني، وإغلاق الموانئ والطرق».
وأعلنت اللجنة دعمها لحكومة ورئيس الوزراء وخطابه المُنحاز للتحول المدني الديمقراطي، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين، مشيرة إلى أن الأزمة الحالية ليست مرتبطة بحل الحكومة أو بقائها، إنما هي من صُنع جهات تريد الانقلاب على قوى الثورة والحرية والتغيير والتنصل عن التزامات الوثيقة الدستورية، وتمهيد الطريق لعودة فلول النظام السابق.
وأكدت أن «حل المعضلة يكمُن في الالتزام بالوثيقة الدستورية، وإصلاح القطاع الأمني والعسكري، وبناء قوات مسلحة واحدة مهنية، تقبل التنوع، من دون شريكٍ ولا منافس».