عن بُعد... داعش والتجنيد الإلكتروني
تطبيق تليجرام بات ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية بتشكيلاتها المختلفة، فبالنسبة لتنظيم داعش أشار مراقبون إلى أن أغلبية الاتصالات مع خلاياه النائمة وأنصاره في أوروبا إلكترونية، وباستخدام هذا التطبيق على وجه التحديد.

السياق
أحداث ومواقف محلية شهدتها مصر خلال الأسابيع الماضية، تسببت في جدال واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت مرآة كاشفة لتحولات في رؤية وإدراك قطاع ليس بالقليل من الشباب بالفضاء الإلكتروني، بدا أنه يقترب من أفكار التنظيمات الإرهابية، لاسيما داعش.
ويرى مراقبون أن هناك تمددًا داعشيًا عبر الفضاء الإلكتروني، جاء بديلًا للنمط التقليدي للتجنيد على الأرض، بعد أن باتت فرصه ضعيفة، مع توالي الضربات الأمنية التي تلت القضاء على دولته المزعومة.
ولعل أبرز ما يجسد هذا التحول، تلك التعليقات على حادث قتل الطالبة المصرية نيرة أشرف، ذبحًا على يد صديقها، التي شهدت حالة من التعاطف مع القاتل، رغم اعترافه بالتخطيط والتنفيذ للجريمة.
اختراق بالأفكار
يقول حسام حسن، الباحث في جامعة فيينا لـ"السياق"، إن قراءة تعليقات المستخدمين على منشورات مثل قتل نيرة أشرف أو حادث حريق كنيسة أبي سيفين، تكشف الأفكار المؤثرة في المجتمع.
وأوضح حسن أنه في السنوات القليلة الماضية، كان اللافت سيطرة مجموعة من الأفكار شديدة التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان واضحًا أن هناك يدًا تحرك هذه الأفكار، وتنشرها بشكل متعمد في كل حدث مهم، واللافت أكثر أن هناك معدل ترحيب واستيعاب متزايد لهذه الأفكار في أوساط المستخدمين.
وشدد الباحث في جامعة فيينا على أنه هذا الأمر لا يمكن الاستهانة به، فأفكار مثل عدم مصافحة المسيحي أو عدم جواز الترحم على من رحلوا في حريق كنيسة أبي سيفين، مجرد بداية لأفكار أشد تطرفًا وعنفًا، وتقود في النهاية إلى الرفض والقتل، مثل ما حدث بواقعة قتل مسيحي في مرسى مطروح.
"حصان طروادة"
ويلفت حسن إلى أن التنظيمات الإرهابية انتقلت من فكرة التجنيد إلى فكرة التأثير، والأخيرة أوسع لكنها تحدث أثرها على مدى أطول.
وأشار إلى أن فكرة التأثير باستخدام الفضاء الإلكتروني، واستغلال الوضع الاجتماعي والتعليمي المتردي، في جعل الأفكار المتطرفة سائدة في المجتمع، أشد خطرًا من التجنيد لارتكاب أعمال عنف.
ويستند الباحث في جامعة فيينا في تحليله إلى أن التأثير في المجتمع يحدث أثرًا يشبه "حصان طروادة" في المجتمعات، ويحيل قطاعات منها إلى التطرف في مسار زمني طويل، ويفرز ما يمكن وصفه بـ"إرهاب المواطن العادي" غير المتصل تنظيميًا بأي تنظيم، لكنه يتحرك من وحي الأفكار التي تلقفها على مدى سنوات.
وفي ما يتعلق بمواجهة هذه الظاهرة، شدد حسن على أنه يجب ألا يكون أمنيًا فقط، ولفت إلى أنها تحتاج مواجهة مركبة تشمل الأمن ولا تقتصر عليه، وتضم إلى جانبه التعليم والثقافة والدين والاقتصاد، لأن معالجة جذور الظاهرة المخرج الآمن.
"تليجرام"... الملاذ الآمن
مراقبون أكدوا أن تطبيق تليجرام بات ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية بتشكيلاتها المختلفة، فبالنسبة لتنظيم داعش أشار مراقبون إلى أن أغلبية الاتصالات مع خلاياه النائمة وأنصاره في أوروبا إلكترونية، وباستخدام هذا التطبيق على وجه التحديد.
بدأ نشاط داعش على تطبيق الرسائل المشفرة عام 2014، وأنشأ العديد من القنوات والمنصات التي تروِّج لأفكاره والمقاطع المصورة التي استخدمها في الدعاية والحرب النفسية، التي لقيت رواجًا كبيرًا، خصوصًا بين قطاع الشباب.
ويعتمد داعش على تطبيق تليجرام، لما يوفره من ميزات أبرزها صعوبة تعقبه لتعدد وتغير الخوادم التي يعمل بها، وما يوفره من خاصية التدمير الذاتي للرسائل، بجانب التزام التطبيق بحماية بيانات المستخدمين، وهي النقطة التي تم تجاوزها عام 2018.
الإخوان أيضًا
ولم يقتصر الأمر على تنظيم داعش، بل تحركت جماعة الإخوان، لبناء شبكة من المنصات الإعلامية على "تليجرام"، لتجنيد جيل جديد من ناحية، وضمان الانتشار من دون القيود التي تفرضها قواعد القانون والعلاقات بين الدول، على القنوات الفضائية.
وأشارت مصادر مقربة من المكتب الإداري للإخوان في اسطنبول لـ"السياق"، إلى أن جماعة الإخوان هربت إلى "تليجرام" لتخفيف معاناة قطاع الشباب، نتيجة تجفيف مصادر تمويل منصاتهم الإعلامية، مع تصاعد الصراع بين جناحي إبراهيم منير ومحمود حسين.
وأوضحت المصادر أن هناك مشروعات إعلامية إخوانية بدأت تجد لها تمويلًا من إخوان الكويت، منها ما هو صدر بالفعل: موقع الاستقلال ومجلة المجتمع الكويتية، وهناك أيضًا مشروعات يتم التجهيز لها، بإصدار منصتين عبر الإنترنت يديرها شباب الإخوان داخل تركيا، وجميعها على تطبيق تليجرام.
تحرك أوروبي
بدأت أوروبا في مواجهة التحركات الإلكترونية للجماعات الإرهابية، ونقل المواجهة -خصوصا الأمنية- إلى هذا الفضاء، ضمن استراتيجية "الضربات الاستباقية".
وأوقفت السلطات غربي ألمانيا قبل شهر، رجلًا في رومربيرغ، يدعى "عليم. ن" بتهمة الاشتباه في تحضيره لأعمال عنف، والانتماء إلى جماعة إرهابية في الخارج، عبر ترجمة النصوص ومقاطع الفيديو والرسائل الصوتية للتنظيم الإرهابي إلى الألمانية، ونشرها في تطبيق تليجرام.
ولفتت مصادر مقربة من دوائر أمنية في أوروبا –طلبت عدم كشف هويتها - لـ"السياق" إلى أن معظم الاتصالات بين داعش وخلاياه النائمة وأنصاره في أوروبا، تتم باستخدام تليجرام على وجه التحديد، ما دفع الحكومات الأوروبية إلى تجاز بعض القيود القانونية التي تحظر الرقابة على الإنترنت، لتتبع رسائل الجماعات الإرهابية.
يقول عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية لـ"السياق"، إن ما يعقد المواجهة الأمنية في الفضاء الإلكتروني أوروبيًا، أن انتشار التيارات الأصولية متشابك مع الأجهزة الاستخباراتية الغربية، لاسيما البريطانية والأمريكية، التي أسهمت في تشكيل دوائر فكرية متطرفة، لاستخدامها أداة ضغط على بعض الأنظمة السياسية الغربية، وتحويل الكثير منهم لجواسيس بشكل غير مباشر، فضلًا عن التحكم في الجاليات العربية والإسلامية بالداخل الأوروبي.
وأكد فاروق أن هذه الدوائر المتطرفة، استغلت تمركزها في أوروبا، وعملت على تأسيس كيانات وحواضن فكرية تحت غطاء الحرية الدينية، طورتها بعد ذلك في الفضاء الإلكتروني.
هذه الحواضن الفكرية -بحسب فاروق- أسهمت في نشر الأفكار الإرهابية ضمن تكتيك الاستقطاب المجتمعي، والتغلغل في مؤسسات ودوائر صنع القرار الغربي، والسعي لاستمالتها إلى مشروع "الإسلام السياسي".