السودان... هل ينجح الإخوان في العودة عبر الحوار السياسي؟
أوضحت أسماء الحسيني أن أمر عودة الإسلاميين للمشهد السياسي تتحكم فيها عوامل عدة، رغم أنهم الأكثر تنظيمًا وموارد وسيطرة على مفاصل الدولة، بسبب بقائهم في السلطة التي استمرت 30 عامًا، واتباعهم سياسة التمكين في مؤسسات وهياكل وأجهزة الدولة السودانية.

السياق
مع تجدد الجهود الدولية والإقليمية لإحياء الحوار السياسي بالسودان، بدأ تنظيم الإخوان -المحلول- يستعد للعودة للمشهد السياسي من خلال المشاركة في الحوار، عبر تحالفات غير معلنة أو تنسيق مع أطراف المشهد أو بلافتات جديدة، أو من خلال كيانات قبلية أو صوفية أو حزبية أو منظمات مدنية.
ومع تحرك "الآلية الثلاثية" -التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و"إيجاد"- للتمهيد لاستئناف الحوار السياسي، عرض تنظيم الإخوان نفسه كمؤيد للمكون العسكري، في محاولة للمشاركة بمبادرته "المائدة المستديرة".
هذا التحرك، بدا واضحًا في تصريحات أحد قادته وهو علي الكرتي، الذي أعلن دعم إصلاحات المكون العسكري ومبادرته للحوار، ما أثار العديد من التساؤلات عن فرص نجاح إخوان السودان في العودة للمشهد السياسي عبر اختراق الحوار السياسي، وهل يمكن أن تتكيف الجماعة مع الأوضاع الحالية، استنادًا إلى أنصارها في الشارع؟ وهل تسهم السيولة السياسية الراهنة في السودان بالدخول في تحالفات معها لإنقاذ البلاد من الانهيار السياسي والاقتصادي؟
عوامل عدة
بدورها، تقول أسماء الحسيني مديرة تحرير صحيفة الأهرام المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية لـ"السياق"، إن الإخوان في السودان من أنصار نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، يحاولون بشكل مستميت وبكل الطرق العودة إلى المشهد السياسي.
ولفتت إلى أن أبرز محاولاتهم تأتي عبر اختراق الحوار الوطني الحالي، الذي يستهدف الوصول إلى توافق يؤدي لتشكيل حكومة تقود الفترة الانتقالية، وتمهد الطريق لانتخابات وتحول ديمقراطي، وأيضاً من خلال وسائل أخرى مع المكونين العسكري والمدني.
وأشارت إلى أن الإخوان في السودان وحلفاءهم لا يريدون القبول بنتائج الثورة السودانية، التي أطاحت رأس النظام البشير وحكومته في 19 أبريل 2019.
وأوضحت أسماء الحسيني أن أمر عودة الإسلاميين للمشهد السياسي تتحكم فيها عوامل عدة، رغم أنهم الأكثر تنظيمًا وموارد وسيطرة على مفاصل الدولة، بسبب بقائهم في السلطة التي استمرت 30 عامًا، واتباعهم سياسة التمكين في مؤسسات وهياكل وأجهزة الدولة السودانية.
لكنها شددت على أن تكيُّف الإسلاميين مع الأوضاع الحالية يتعارض مع رغبة قطاعات واسعة من الشعب السوداني، عانت الإقصاء والتهميش والتنكيل خلال حكم الإسلاميين، الذين استأثروا خلال حكمهم بالسلطة والثروة، وفي مقدمة من يعترضون على تكيُّف الإسلاميين مع الأوضاع الحالية قوى الثورة، خاصة الشباب.
رهان الفوضى
وفي ما يتعلق بحالة السيولة في السودان، أشارت أسماء إلى أنها واقع ملموس، الأمر الذي يراهن عليه الإخوان في ظل حالة انقسام واستقطاب واسعة، بين الأطراف السودانية العسكرية والمدنية.
ونوهت إلى أن أغلبية القوى في المشهد السياسي السوداني ترفض عودة حزب البشير المنحل، أو التحالف معه، ما يجعل الإسلاميين يسعون إلى العودة عبر تحالفات غير معلنة أو تنسيق مع أطراف المشهد أو بلافتات جديدة، أو من خلال كيانات قبلية أو صوفية أو حزبية أو منظمات مدنية.
وأشارت في الوقت نفسه، إلى أنه في السودان ليس هناك ما يمكن إخفاؤه أو خداع الناس به طويلًا، لاسيما بعد تجارب طويلة مريرة عاشها السودانيون، في ظل حكم الإخوان أو الإسلاميين، الذين وصلوا إلى الحكم بخدعة، عبَّـر عنها عرابهم الدكتور حسن الترابي بقوله: "قلت للبشير إذهب إلى القصر رئيسًا وأذهب أنا إلى السجن حبيسًا"، في تمويه لخداع الشعب السوداني والعالم ونفي صلة انقلاب البشير عام 1989 بالإسلاميين.
وفي النهاية، ترى أسماء أن إخوان السودان أو الإسلاميين في السودان مطالبون بمراجعات عميقة لتجربة حكمهم، وتقديم نقد ذاتي صادق وأمين لثلاثة عقود من حكمهم، لاشك أنها ما زالت تلقي بظلال قاتمة على حاضر السودان ومستقبله، قبل أن يقدموا على التخطيط لأي عودة جديدة للمشهد السوداني.
فرص ضئيلة
من جانبه، يرى الدكتور إياد المجالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مؤتة ومدير المركز الديمقراطي العربي لـ"السياق"، أن فرص عودة الإخوان للمشهد السياسي في السودان ضئيلة.
وأشار إلى أن التغيرات السياسية العميقة، التي طالت النظام السياسي في السودان، تفرض معوقات كبيرة لعودتهم.
ولم ينفِ المجالي أن هذه التغيرات التي أطاحت نظام البشير، وأدخلت البلاد في أزمة فوضي، نتيجة الصراع بين المكونين العسكري والمدني، عدَّها الإخوان فرصة للعودة إلى الساحة السياسية، رغم عِلمهم بالتحديات والقيود التي يفرضها عليه النظام الراهن في البلاد.
ومرد هذه الرؤية -بحسب مدير المركز الديمقراطي العربي- أن الإخوان في السودان يتصورون أنهم يمتلكون القدرة على التكيُّف مع إجراءات الإدارة العسكرية وتحالفاتها الجديدة.
بيد أن المجالي يشير إلى أن المكون العسكري السوداني يرفض التعامل مع الإخوان، لرفض الأخير التعامل مع "مجلس القيادة العليا" في الكثير من الملفات، الأمر الذي يفرض عدم وجود فرص لنجاح الإخوان في السودان، ومحاولة إعادة الهيمنة على صنع القرار أو المشاركة فيه، من خلال الحوار الوطني.
وفي ما يتعلق بالقدرة على الحشد والتعبئة في الشارع، يرى مدير المركز الديمقراطي العربي، أن إخوان السودان فقدوا قدرتهم على الحشد، لاسيما أن أنصارهم في الغالب، يؤيدونهم بسبب المنفعة والمصلحة الشخصية، وبذلك ليس لديهم ما يقدمونه لهم من أجل الحصول على ولائهم ودعمهم في الشارع.
أما حالة الفوضى السياسية الراهنة بالسودان، فيرى المجالي أنها تدعم أيضاً فرضية عدم تحرك الإخوان في الشارع، إذ يسيطر على الأخير أنصار القوى المدنية الرافضة للتنظيم، لذلك تعد عامل منع وليست فرصة مناسبة للإخوان حاليًا.
في النهاية، يرى مدير المركز العربي الديمقراطي، أن عودة الإخوان للمشهد السياسي في السودان غير موضوعية، وغير قابلة للتنفيذ في ضوء المتغيرات المتوقعة للمخاض السياسي الذي يعيشه السودان.
وأشار إلى أن المبررات الموضوعية لعدم قبول هذا الاختراق مرتبطة بأن الإخوان في السودان فقدوا شرعيتهم، بعد أن رفعوا شعارات دينية ثلاثين عامًا من دون نتائج ملموسة، ما أدى إلى انحسارها.
وشدد على أن تجربة الإخوان في السودان تواجه تحديات كبيرة وعميقة، وهم في موقف لا يمكنهم أو يتيح لهم الحصول على أي شكل من أشكال التحالف مع تيارات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني داخل السودان في المرحلة المقبلة، حتى لو كان الدافع حماية البلاد من الانهيار، فلم يكن محركًا للحراك السياسي القائم في السودان.