هدم الأسوار.. هل يعود داعش إلى الواجهة في سوريا والعراق؟
البداية كانت الخميس الماضي، عندما نفَّذ التنظيم الإرهابي هجومًا داميًا بتفجير سيارة مفخخة، استهدفت سجن غويران بالحسكة شمالي سوريا، لتهريب مسلحي التنظيم.

السياق
هجمات دامية في العراق وإفريقيا، ومحاولات هروب جماعية لمن في سجن غويران بالحسكة شمالي سوريا، تدق ناقوس الخطر بشأن عودة تنظيم داعش الإرهابي.
البداية كانت الخميس الماضي، عندما نفَّذ التنظيم الإرهابي هجومًا داميًا بتفجير سيارة مفخخة، استهدفت سجن غويران بالحسكة شمالي سوريا، لتهريب مسلحي التنظيم.
الهجوم الذي يعد الأعنف، أسفر عن هروب عشرات السجناء، ما أشعل اشتباكات استمرت 4 أيام، وأوقعت أكثر من 200 قتيل معظمهم من داعش، والباقي من قوات سوريا الديمقراطية.
بعد ذلك بساعات، نفَّذ التنظيم الإرهابي هجومًا على مقر أمني بمحافظة ديالى العراقية، أسفر عن مقتل 11 عسكريًا.
تلا ذلك تحذير وزارة الداخلية الليبية، من هجمات إرهابية محتملة لداعش، بعد رصد عودة التنظيم الإرهابي في مدينة صبراتة، عقب طردهم عام 2017.
ولم تمضِ ساعات حتى أوقع التنظيم الإرهابي قتيلين في الجيش النيجيري، بجانب اختطاف 20 طفلًا، في عملية إرهابية متزامنة مع الأحداث، لتعطي العديد من المؤشرات بشأن مصير داعش في الفترة المقبلة.
عام العودة
بدوره، حذر الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء بالعالم في تصريح لـ"السياق"، من أن تحركات داعش الأخيرة، تنذر بعودة التنظيم بقوة على مسرح الإرهاب العالمي هذا العام.
ولم يستبعد نجم، استئناف التنظيم الإرهابي استراتيجيته المتمثلة في "هدم الأسوار" أولًا ثم احتلال المدن.
وأكد نجم، أن استراتيجية "هدم الأسوار وتحطيم الجدران" أعلنها أمير تنظيم القاعدة في العراق أبو بكر البغدادي عام 2021، في خطاب له عبر الإنترنت، قال إن الهدف منها "إعادة التزود بالوقود" لعملياته.
وحدد البغدادي هدفين لتلك الاستراتيجية، أولهما الإفراج عن السجناء وثانيهما استعادة السيطرة على الأراضي المفقودة في العراق.
وتابع أن استراتيجية التنظيم تلك استمرت 12 شهرًا، وشهدت عشرين موجة من الهجمات بسيارات مفخخة على ارتكازات عسكرية، والهجوم على ثمانية سجون كبيرة في العراق، وصولًا إلى اقتحام التنظيم سجني أبو غريب والتاجي في يوليو 2013، وتهريب قيادات التنظيم التي شكلت النواة الرئيسة لتنظيم داعش الإرهابي.
وأوضح الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن تلك الصحوة من التنظيم الإرهابي في آسيا خاصة بالعراق وسوريا، تصاحبها صحوة مماثلة في إفريقيا جنوبي وغربي ليبيا وشمالي موزمبيق، حيث يعمل التنظيم الإرهابي على زيادة عملياته الإرهابية ضد الجيش والشرطة والمؤسسات العامة والاقتصادية.
تمدد وانتشار
المحلل السياسي العراقي، المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية علي الكاتب، يرى أن تنظيم داعش فقد قدراته التي مكنته من السيطرة على العديد من المدن، مشيرًا إلى أن داعش مختلف كثيرًا عما كان عليه قبل سنوات، وما يحدث من هجمات رغم قسوة ما يقع منها، لا يتعدى حجم الخروق الأمنية التي يسعى من ورائها لإثارة الفعل الدعائي وتصوير نفسه على أنه مازال قادرًا على بسط نفوذه.
ولفت المحلل العراقي، إلى أن وجود بُعد ثانٍ بشأن عودة التنظيم الإرهابي، يتمثل في ضعف تأمين المناطق النائية ذات التضاريس المعقدة، التي يعتمدها داعش بيئة لتحضير هجماته.
ويرى أيضًا أن الغطاء الاستخباري الجوي، الذي كان التحالف الدولي يقدِّمه في رصد الإرهابيين، في الصحارى والمساحات المفتوحة، كان له دور كبير في تراجع تلك العمليات، وهو ما حذر منه مسؤولون ومتخصصون أمنيون، مشيرين إلى أن قرار أمريكا الانسحاب من العراق، سيسبب فراغًا لا يمكن شغله تقنيًا من قبل القوات العراقية.
الأزمات الداخلية
ويرجع الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية المصري، العودة القوية للتنظيم الإرهابي، إلى الخلافات والأزمات الداخلية في بعض البلدان، أو التدخلات الخارجية.
وشدد نجم على أنها "تؤثر بالسلب في جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش"، مستشهدًا بالحالة العراقية.
ففي العراق، ومنذ مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب هيئة الحشد الشعبي العراقية، انشغلت قوات الحشد بالصراع مع القوات الأمريكية ومهاجمتها، وانخرطت في الصراع السياسي الداخلي، ما أثَّر في جهود مكافحة داعش بشكل كبير، بحسب نجم.
وتابع: "كذلك في سوريا مثل الصراع السياسي الكردي، وإعلان بعض الدول سحب قواتها من التحالف الدولي، طوق نجاه لتنظيم داعش الإرهابي، عبر حصوله على دفعة معنوية، خاصة في ظل الأزمات السياسية التي تشهدها البلاد".
كان مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء، قد أصدر دراسة بعنوان "مسارات الإرهاب في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين 2011 – 2020" أوضح فيها تكتيكات التنظيمات الإرهابية وبينها داعش، في الانتشار وإعادة التموضع، خلال العقد الثالث من الألفية الثالثة، تأسيسًا على نمط العمليات التي اتبعها التنظيم في العقد الثاني.
وتوصل المرصد إلى أن تنظيم داعش الإرهابي، رغم تراجع نشاطه، فإن "عدد فروعه خارج معاقله الأساسية، في العراق وسوريا، مستمرة في زيادة عملياتها، إضافة إلى تمدد نفوذ التنظيم جنوبي آسيا عبر فرع ولاية خراسان، واستمرار توغله شمالي وغربي إفريقيا عبر فرع ما تسمى "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى".
كما توصلت الدراسة إلى رسم خريطة لمستقبل النشاط الإرهابي خلال عام 2021، وأكدت أن "نشاط الجماعات الإرهابية سوف يتنامى في مناطق إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، حيث سيستمر عدم الاستقرار في تلك المناطق، التي تشهد تدخلات خارجية تؤجج الصراعات، الأمر الذي يعطى التنظيمات الإرهابية مساحة للحركة، ما يُضفي على مستقبل التهديد الإرهابي تعقيدات جمة".
هدم الأسوار
ويحذر الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في حديثه لـ"السياق"، من هجمات للتنظيم على السجون العراقية والسورية وتهريب سجناء التنظيم شديدي الخطورة، كما حدث في الموصل عام يوليو 2013 قبل اجتياح التنظيم الإرهابي للعراق.
وشدد على أنه في ظل عودة التنظيم لأساليبه القديمة وتفعيل استراتيجية هدم الأسوار، فإن المواجهة الفعالة لمثل تلك الأساليب تتطلب ضرورة توحيد الصف الوطني، في البلدان التي تشهد صراعات سياسية، وتكثيف العمليات المعلوماتية للتخلص من الخلايا النائمة، التي تعد الركيزة الأساسية في استراتيجية "غزوات الاستنزاف" التي يعتمد عليها التنظيم.
وأضاف: "لا تزال الخلايا النائمة منتشرة في دول عدة، كان التنظيم قد ضربها، ومن الواضح أنه سيعتمد عليها في شن عملياته الإرهابية، وهو ما يمكن قراءته من خطاب البغدادي الأخير قبل قتله، الذي تزايدت بعده عمليات استهداف الجيوش وأماكن العبادة ضمن استراتيجيات عدة، أهمها: استنزاف الجيوش، وخلايا التماسيح، وسياسة الأرض المحروقة".