مع إغلاق شبكة الكهرباء... العراق يغلي في حرارة غير مسبوقة
لمواجهة هذا الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، لجأت الدولة لمنح المزيد من العطلات الرسمية

ترجمات - السياق
تسببت درجات الحرارة الشديدة في إصابة العراق بالشلل، ما أدى إلى إغلاق شبكة كهرباء محملة فوق طاقتها، مع تمديد السلطات للعطلات الرسمية، لحماية الموظفين من درجات حرارة تصل إلى 125 فهرنهايت.
وحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يحتل العراق المرتبة الخامسة في قائمة البلدان الأكثر تعرضًا لتأثيرات تغيُّر المناخ، حيث يزداد الاحترار بوتيرة أسرع من معظم الدول، مشيرة إلى أنه بعد ما يقرب من 20 عامًا على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، فإن البلاد غير مُجهزة للتعامل مع هذا التوتر المناخي.
وفي محافظات البصرة وذي قار وميسان الجنوبية، أوضحت السلطات، أن شبكة الكهرباء انقطعت تمامًا لليوم الثاني على التوالي، ما أدى إلى إغراق ملايين المنازل في الظلام خلال الليل شديد الحرارة، إضافة الى فساد الطعام في الثلاجات، بينما لجأ الآباء لفكرة مبتكرة، حيث وضعوا أطفالهم في السيارة أكبر وقت ممكن لاستغلال تكييف الهواء في عمليات التبريد، كوسيلة وحيدة لذلك، في ظل انقطاع الكهرباء ساعات طويلة داخل المنازل.
عُطلات رسمية
لمواجهة هذا الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، لجأت الدولة لمنح المزيد من العطلات الرسمية، وأعلن محافظ ذي قار -أحد أفقر المناطق في العراق- تمديد العطلة الرسمية لموظفي الدولة يومين إضافيين، بسبب الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه بعد نحو عشرة أشهر من فوز رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، يخوض السياسيون من الكتل الشيعية والسُّنية والكردية في البلاد قتالًا مريرًا على شكل الحكومة الجديدة، ونتيجة لذلك، لم يتم إقرار أي ميزانية حتى الآن، مع تعليق قرارات الإنفاق الرئيسة.
لكن -حسب الصحيفة- كما أشارت التوقعات إلى احتمال أن تشهد معظم المحافظات العراقية حرارة تقارب 51.6 درجة مئوية أو أعلى هذا الأسبوع، فإن شبكة الكهرباء ليست الخدمة العامة الوحيدة المتعثرة.
فقد تضررت الزراعة وصيد الأسماك، وهما ركيزتان أساسيتان، في محاولات الدولة للابتعاد عن الاعتماد على عائدات النفط، نتيجة الجفاف.
ونقلت الصحيفة، عن أطباء قولهم: إن المستشفيات المنهكة تعالج الإصابات بضربة الشمس أو صعوبات التنفس، التي ربما تفاقمت بسبب الأبخرة السامة المحتبسة في الهواء.
وفي شوارع بغداد، كان الأولاد الصغار يوزعون الماء من صناديق الثلج، متجنبين تعرض وجوههم لأشعة الشمس بأوشحة مبللة، بينما قالت شرطة المرور، إن عملهم يزداد صعوبة، جراء الوقوف تحت الشمس الحارقة ساعات طويلة.
ونقلت الصحيفة عن شرطي مرور يدعى فلاح نوري، 37 سنة، وهو يستريح على رصيف متهدم على ضفاف نهر دجلة: "أعمل هنا منذ نحو 16 عامًا، ومن ثم فإن الشمس ليست وحدها سبب ارتفاع درجات الحرارة، وإنما الاعتماد على الأبنية الخرسانية يزيد حدة الشعور بالسخونة، وكأنها تلتهب تحت أقدامنا".
وقال غاضبًا، إن نعله قد احترق، ونتيجة لذلك كان يرتدي حذاءً أوصى به طبيبه، مضيفًا: "الطبيب يريدني أن آخذ إجازة، لكن كيف أحصل على إجازة من عملي هذا"؟
عمال اليومية
وعن مدى تأثير ارتفاع درجات الحرارة في عمال اليومية، أوضحت "واشنطن بوست" أنه مع انتصاف النهار في العديد من الأحياء بالعاصمة بغداد، كان يُسمع ضجيج صوت العمال المعتاد، مشيرة إلى أنه رغم الحرارة الشديدة، فإن العمال كانوا يواصلون عملهم المعتاد، بينما كان أحدهم (يتأرجح كالسكران) وهو يستلقي على شجرة جافة، حيث لم يكن هناك ظل يلوح في الأفق.
ووفقًا للصحيفة، فإنه مع تعثر أنظمة الطاقة الحكومية في جميع أنحاء العراق، تعتمد المواقع التي تتراوح من وزارات الدولة إلى منازل العائلات، على مولدات احتياطية يديرها القطاع الخاص وجيش من المشغلين، الذين يعملون في مقطورات ساخنة ومظلمة على مدار الساعة، لإبقائها قيد التشغيل.
لكن هذه المولدات تشكل مخاطر عدة، إذ يقول خبراء إنها تعمل بوقود الديزل، وتطلق أبخرة سامة في الهواء، بخلاف اضطرار العملاء إلى دفع أسعار باهظة للكهرباء لرجال الأعمال غير المسؤولين والفاسدين في كثير من الأحيان، الذين يمتلكون هذه الآلات.
وفي حي الزعفرانية جنوبي شرق بغداد، بالكاد يمكن للحبيب عبدالخادم، 49 عامًا، أن يسمع صوته فوق هدير مولده قائلًا: "أنا و 40 مليون عراقي آخر نذوب تحت حرارة الشمس".
وحسب الصحيفة، كانت الحرارة لا تحتمل داخل مكتبه الصغير، لدرجة أن الأبخرة كادت أن تتسبب في فقده للرؤية.
كانت المنطقة من حوله تعاني، وعلى جدار مكتبه، نمت قوائم العائلات المثقلة بالديون بسبب إمدادها بالكهرباء.
ومن بين من كان يعاني بشدة، حفيده المولود حديثًا -آدم- الذي يكافح كثيرًا من أجل التنفس، وسط رطوبة وحرارة غير مسبوقة.
وقال عبدالخادم، الذي بدا عليه الإجهاد الواضح: "كل عام نعتقد أنه لا يمكن أن يزداد الأمر سوءًا، لكن الصيف يفاجئنا بعد ذلك بدرجات حرارة غير اعتيادية".
انحسار الحرارة
وبينت "واشنطن بوست" أنه في أشهر الصيف، تنحسر حرارة بغداد فقط عندما تهب عاصفة ترابية تغمر المدينة بجزيئات الرمل، التي تخففها الرياح مع جفاف الحزام الأخضر.
وحسب الصحيفة، دخل آلاف الأشخاص المستشفى بسبب مشكلات في الجهاز التنفسي نتيجة لهذا الجو السيئ، لكن مقابل ذلك لا يوجد الكثير من الأطباء، الذين يمكنهم تقديم خدماتهم لهؤلاء المرضى.
يقول طبيب يدعى (سيف علي): "نمنح هؤلاء المرضى، الهيدروكورتيزون، وبعض الوقت داخل المستشفى بعيدًا عن العاصفة"، مشيرًا إلى أن الأسرّة في غرفة الطوارئ لا تزال تحمل بقايا الرمل من أقدام مرضاه، مشددًا على أن الأمر يزداد سوءًا كل عام.
وأجبرت هذه الظروف الصعبة، العائلات على النزوح من أراضيها الزراعية إلى المدن، حيث تتزايد التوترات مع السكان منذ فترة طويلة وسط تضاؤل الموارد.
وفي مدينة البصرة، حيث يستعد السكان لقضاء ليلة أخرى بلا كهرباء، أدى التلوث والنفايات السامة إلى تلويث إمدادات المياه في المدينة عام 2018، ما أدى إلى إصابة أكثر من 100 ألف شخص بآلام في البطن وقيء وإسهال.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه في جميع أنحاء العراق تجرى مظاهرات صغيرة أسبوعيًا تندد بالخدمات السيئة في مواجهة الحر الشديد.
وفي عدد من المدن العراقية، رُفعت لافتة للمتظاهرين -الشهر الماضي- تعبِّـر عن البؤس، جاء فيها: «إذا سألتني عن حال العراقيين، فسأخبرك بأنهم أصابهم الجفاف والفقر والهجرة القسرية والعنف".