فورين أفيرز: بعد اتفاقات التطبيع... هل حان الوقت لبداية فلسطينية جديدة؟
الفلسطينيين في حاجة ماسة إلى أدوات جديدة لتمثيلهم، فضلًا عن اتخاذ إجراءات سياسية تعكس الحقائق الحالية والآفاق المستقبلية

ترجمات - السياق
"الحساب الفلسطيني... حان الوقت لبداية جديدة"... تحت هذا العنوان، رأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن النزاع العربي الإسرائيلي انتهى، مشيرة إلى أن اتفاقيات التطبيع العربية الأخيرة مع إسرائيل، من البحرين والإمارات إلى السودان والمغرب، تؤكد أن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
وتوقعت المجلة، أن تسلك سلطنة عُمان المسار نفسه، فضلًا عن اتخاذ المملكة العربية السعودية خطوات غير مسبوقة في ذلك الاتجاه أيضًا، بينما تحتفظ حكومات عربية أخرى بعلاقات مهمة، وإن كانت سرية، مع إسرائيل.
ورأت أن تحقيق مزيد من التقدم، نحو التطبيع مع إسرائيل، يبدو أنه مسألة وقت فحسب، مشيرة إلى أن مصر والأردن كانتا قد وقعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ عقود.
وحسب المجلة، فقد مهدت دعوات التطبيع العربية -التي سبق أن وُجهت نحو تكوين جبهة موحدة ضد إسرائيل، تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي- الطريق لإفساح المجال لإقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل عبر المساحة نفسها.
وقد قوَّضت وتيرة هذا التحول الموقف العربي المشترك -الذي انعكس في مبادرة السلام العربية لعام 2002- إذ إنه بدلًا من إصرار العرب على مبدأ "الأرض مقابل السلام" وعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967، منحت الحكومات العربية الأولوية للمصالح الذاتية.
وأوضحت المجلة أنه إذا كان الصراع بين تلك الدول العربية وإسرائيل انتهى، فإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم ينتهِ، كما أن إعادة تعريف مفهوم السلام، ليتوافق مع احتياجات الحكومات العربية، لا يؤدي إلى التخلص من الفلسطينيين ولا حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ ينتشر 13 مليون فلسطيني في الأراضي المقدسة وفي الدول الأجنبية، ويقيم ما يقرب من 7 ملايين فلسطيني في الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ولا يذهبون إلى أي مكان.
باب السلام
ورأت "فورين أفيرز" أن التاريخ لا يؤيد الادعاء القائل إن السلام الإسرائيلي مع العرب سيؤدي حتمًا إلى تمهيد الطريق للسلام مع الفلسطينيين، وإجبارهم على الإذعان للشروط التي تفرضها إسرائيل تحت ضغط الواقع الجديد.
وأشارت إلى أن الحركة الوطنية الفلسطينية الحالية ظهرت على وجه التحديد جراء الشعور بالهزيمة والوحدة وتخلي الحكومات العربية عن القضية الفلسطينية في أعقاب حرب 1948، لافتة إلى أنه رغم الأوضاع السيئة التي يتعرض لها الفلسطينيون، فإنه ليست هناك دلائل تشير إلى استسلامهم.
تضيف المجلة: "لكن هناك مشهدًا جديدًا في طور التكوين، يتشكل من خلال التعامل العربي غير المسبوق مع إسرائيل، ما أثار مشاعر الإحباط والغضب لدى الفلسطينيين واندفاع الإسرائيليين نحو أحزاب اليمين في إسرائيل، وكل ذلك من شأنه أن يجلب -نهاية المطاف- دينامية جديدة للوضع الذي يبدو أنه متجمد.
ونتيجة لذلك، ترى المجلة الأمريكية، أنه بما أن الفلسطينيين لا يتمتعون بالعمق العربي الاستراتيجي الفعال، أي استعداد الدول العربية لتقديم الدعم للقضية الفلسطينية، فعليهم أن يفكروا بإمعان في إعادة ترتيب كفاحهم، وسُبل معالجة الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الحال، وكيفية تغيير تلك الأوضاع.
وتقول: "هناك مجموعة من الفلسطينيين ظلت تشعر بالاضطراب إلى ما يقرب من 10 سنوات بعد حرب النكبة عام 1948، بسبب خيبة الأمل إزاء عدم جدية الدول العربية في تقديم العون لحل قضيتهم، إلى أن قرروا تولي الأمور بأنفسهم، ومن ثم نشأت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، التي تولى قيادتها ياسر عرفات عام 1969".
وحسب المجلة، فقد ساعدت العمليات المسلحة التي تُجرى متفرقة في بادئ الأمر، في تشكيل الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة، ونجحت منظمة التحرير الفلسطينية في توحيد الفلسطينيين وتأكيد هوية سياسية فلسطينية مستقلة، وفرض إدراج قضيتها ضمن قائمة الاهتمامات الدولية، وإعادة بعض الأراضي الفلسطينية إلى الحكم الذاتي، بيد أنها لم تنجح في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، ولا تطوير حكم جيد للفلسطينيين، إلا أنه "يبدو أن الوقت قد حان لبداية جديدة".
فشل الدبلوماسية الفلسطينية
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه عقب اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها بعض الدول العربية مع إسرائيل، جاء رد القيادة الفلسطينية في البداية غاضبًا ومستنكرًا، لكن هذه الانتقادات الأولية خفت حدتها، وكان من الصعب استمرارها، إذ إن منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها المُمثل الرئيس للشعب الفلسطيني، اعترفت بإسرائيل عام 1988 وشرعت في "عملية سلام" معها قبل ثلاثة عقود، كما حافظت القيادة الفلسطينية على التنسيق الأمني مع إسرائيل، ما قلل من قدرتها على الاعتراض إذا أقام آخرون علاقات أمنية خاصة بهم مع إسرائيل.
أيضًا -تضيف المجلة- "لا يمكن للفلسطينيين التأكيد في الوقت نفسه أن مأزقهم يظل مركزيًا للقضية العربية، ويتمتعون بالحق في معالجته كما يرون، فمن خلال تأكيد مصالحهم الوطنية و(الإرادة المستقلة) التي عادة ما وردت في بياناتهم السياسية، لم يترك الفلسطينيون مساحة للدفاع عن أنفسهم ضد من يزعمون أن لهم الحق في الاستجابة لسيادتهم ورسم مسارهم المستقل".
باختصار -حسب المجلة الأمريكية- فشلت الدبلوماسية الفلسطينية بشكل ذريع، إذ إن هذا الأمر يتطلب مواهب استثنائية لتحويل توافق شبه كامل في الآراء بين العرب والمسلمين، بشأن مستقبل فلسطين والقدس، إلى مجرد مسألة أخرى ضمن الأجندة العربية المزدحمة بالقضايا الأخرى.
وكنتيجة جزئية لذلك، خسرت منظمة التحرير الفلسطينية مصداقيتها، بوصفها الهيئة المنوطة باتخاذ القرارت، أو بوصفها الهيئة المُمثلة للشعب الفلسطيني، إذ إن مبادئها التأسيسية وميثاقها لعام 1968، عفا عليها الزمن، وقد تم انتهاكها وتداولها، من خلال الممارسات الرسمية للفلسطينيين.
وأشارت إلى أن البرنامج السياسي للمنظمة، الذي يقوم على حل الدولتين، يستند إلى دعائم الوثيقة التأسيسية التي ترفض مبدأ التقسيم، لافتة إلى أنه لم تتم مراجعة ميثاق المنظمة ولا تحديثه منذ عام 1996.
أنُشئت المنظمة لكي تكون مظلة ممثلة لكل الفصائل الفلسطينية، لكن هذه الفصائل لم تعد تعكس المجتمع الفلسطيني، كما أن نظام الحصص الذي يمنح كل فصيل حصة بناءً على حجمه، نظام بائد ولا يمكن أن يخدم كأداة للتشارك في السلطة، إذ إن هناك فصائل عدة، خاصة التي كانت تموِّلها الأنظمة العربية، انتهت لكنها لا تزال تحتفظ بمقاعدها.
أما حركة حماس -الحاكم الفِعلي لغزة- والفصائل الإسلامية الأخرى فهي غير مُمثلة في المنظمة، ومن ثمّ ربما تسعى منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاستجابة لتحقيق الوحدة من خلال رغبة شعبية قوية، لكن لغتها وسلوكها وتوجيهها تأثرت إلى حد كبير بالماضي، فالبداية الفلسطينية الجديدة، لا يمكن أن تبدأ بالوجوه والمعتقدات والآليات نفسها، التي أدت إلى ذلك الطريق المسدود اليوم.
حافز ضئيل
بالنسبة لإسرائيل -حسب "فورين أفيرز"- فإن موجة التطبيع تعني أن هناك حافزًا ضئيلًا لصُنع السلام مع الفلسطينيين، بينما كانت الميزة الوحيدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنها منحت الفلسطينيين فرصة للتعبير عن أنفسهم، ووفرت منتدى لإجراء نقاش وطني.
وأشارت المجلة، إلى أنه مع نمو مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، أُدرجت تقسيماتها تحت عنوان وطني رمزي، وتغاضت الفصائل عن خلافاتها للاتفاق على أهداف أوسع نطاقًا، لافتة إلى أنه كثيرًا ما تعرضت قيادة المنظمة لانتقادات، إلا أنه لم يُشكك أحد في شرعيتها أو يطعن فيها على الإطلاق.
ومع ذلك، لم تعدل منظمة التحرير الفلسطينية شكلها ولا مهمتها لتحقيق هدفها المتمثل في إقامة الدولة، بل باتت أبعد ما تكون عن إمكانية إجراء إصلاحات في بنيتها وأهدافها.
وترى المجلة الأمريكية، أن الفلسطينيين في حاجة ماسة إلى أدوات جديدة لتمثيلهم، فضلًا عن اتخاذ إجراءات سياسية تعكس الحقائق الحالية والآفاق المستقبلية، مشيرة إلى أن ذلك قد يتطلب جمعية تأسيسية جديدة، لديها مهمة وميثاق وبرنامج سياسي يخاطب الفلسطينيين، ويعمل على تجنُّب اللغة الواهنة التي اتّسمت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يكون خطابًا مُشبعًا بروح القرن الحادي والعشرين، وليس بروح منتصف القرن العشرين.
وبينت المجلة أنه منذ أن تأسست السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو عام 1993 التي عُقدت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لإقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، أصبحت السلطة الفلسطينية مركز الثقل السياسي، مع احتفاظ منظمة التحرير الفلسطينية بالشكل التقليدي لها -بوصفها الهيئة العليا لاتخاذ القرارت نظريًا- غير أنها مهمشة في الممارسة العملية.
وأوضحت أن ما سمته "طمس الخط الفاصل بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والسماح للسلطة الفلسطينية بتولي معظم مهام منظمة التحرير الفلسطينية، لم يكن سوى خطوة أضعفت كلتيهما، ومن ثمّ يجب تنزيل رتبة السلطة الفلسطينية لتتولى دورًا إداريًا بحتًا، وأن تتحرر من قيود السياسات العليا، حتى تتمكن من إدارة حياة الفلسطينيين وحمايتهم وأمنهم، كما ينبغي أن تكون المنظمة التي ستخلف منظمة التحرير الفلسطينية، هيئة تمثيلية وسياسية للفلسطينيين، وأن تكون بمنأى عن المهام المدنية، وأن تكلف بالتعبير عن أحوال الفلسطينيين وتمثيلهم في كل مكان".
وأشارت إلى أن هذا هو النموذج المشار إليه في بنود اتفاقية أوسلو لكنه لم يطبق، متوقعة حدوث توتر بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية الجديدتين، بيد أن المكاسب الناجمة عن المسؤوليات الواضحة لكل منها تبرر ذلك التحدي بينهما.
فلسطينيو المهجر
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه من نقاط الضعف الأخرى التي تضمنتها اتفاقية أوسلو، أنها أدت إلى تهميش الفلسطينيين الذين يعيشون في المهجر، كما أن الاحتمال المستبعد لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، بالنسبة لهم، لا يمنحهم إنصافًا، حيث إنه لا يتناول أمنهم ولا رفاهيتهم في الوقت الحالي، ولا حتى تطلعاتهم المستقبلية.
أمام ذلك -ترى المجلة- أنه لا يمكن أن تقوم البداية الفلسطينية الجديدة على الرؤية القاصرة لنظرة العالم المتمركزة حول رام الله وحدها، كما يجب أن يوفر البرنامج السياسي مساحة واضحة وإمكانية التعبير عمن هم خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال ضمان تمثيلهم العادل في المؤسسات الفلسطينية، وصياغة أجندة وطنية جديدة، تعترف بالمأزق الذي يعيشون فيه، وتعكس احتياجاتهم، مشيرة إلى أنه إذا كانت الجهود المبذولة لإنهاء هذا الصراع جادة، فإنها ينبغي أن تشمل الجزء الأكبر من الفلسطينيين.
وطالبت المجلة بضرورة أن يبدأ ما سمته "استقلال الإرادة" بتبني موقف واضح بشأن ما يمكن تحقيقه وما هو مأمول، ويجب أن تتجاوز عملية المراجعة للأولويات والأهداف الفلسطينية الشعارات القديمة، مشيرة إلى أنه للمضي قدمًا في هذا الشأن، لابد من إعادة تقييم آمال الفلسطينيين.
وأضافت المجلة: "حلم تقرير المصير عن طريق إقامة الدولة الفلسطينية، التي من شأنها أن تُخفف آلام المنفى والشتات وويلات الاحتلال، يبدو بعيد المنال"، مشيرة إلى أنه من غير الممكن أن يظل الفلسطينيون أسرى غياب الدولة، ويعيشون في حالة من الإهمال والنسيان، في انتظار الخلاص الذي يتضاءل بوضوح مع مرور الوقت وربما لا يحصلون عليه.
وفي ختام التقرير، ألمحت المجلة الأمريكية، إلى أن الانقسام بين الضفة الغربية وغزة عقبة أخرى أمام طموحات الفلسطينيين، إذ أدى هذا الانقسام إلى ظهور جزيرتين منعزلتين متنافستين، في شكل غزة التي تسيطر عليها حماس، ورام الله التي تحكمها السلطة الفلسطينية، لافتة إلى أن المحاولات الفاشلة للمصالحة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية عززت الانقسام الذي أصبح إشكاليًا تمامًا مثل الانقسام الإسرائيلي الفلسطيني.
وإثر ذلك، من الواضح أن الفلسطينيين بحاجة إلى مقاربة جديدة، ونهج يقوم على رؤية استراتيجية، ويجب أن تأخذ الطريقة المستقبلية الجديدة في الاعتبار إنشاء جمعية تأسيسية جديدة، تمثل المزيد من الفلسطينيين وتشركهم في الأمر، وتفسح المجال لسماع صوت أولئك الذين تعرضوا للتجاهل أو التهميش، وتمنح الأولوية لرفاهية الفلسطينيين وأمنهم.
واشترطت المجلة، أن تتضمن المقاربة الجديدة، إعادة ترتيب العلاقات بين السلطة الفلسطينية الجديدة ومنظمة التحرير الفلسطينية الجديدة، وحل الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، وأن تطور أفكارًا جديدة للحقوق الفردية والجماعية، وتشجع النقاش والحوار الداخلي وتبني ثقافة التسامح، وأن تدرك أيضًا أن الخلاص يأتي من الداخل، بينما تعيد النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتعمل على الاستفادة من اتفاقيات التطبيع العربية لصالح الفلسطينيين، وتشرك مصر والأردن في أي محادثات جديدة، وعليها أيضًا أن تعيد تعريف مفهوم السيادة الفلسطينية، وتراجع المفهوم الفلسطيني للأمن، والتوقف عن التنصُّل من مسؤولياتها، أو الانغماس في تهديدات لا تتمتع بأي مصداقية.