87% منهم تعرضوا للعنف.. لماذا تزايدت أعداد الأطباء العراقيين الراغبين في الهجرة؟
اعتقدت أنني سأموت. كنت في حالة صدمة. لقد لعنت اليوم الذي أصبحت فيه طبيبة

ترجمات - السياق
أزمة سياسية، خلفت فوضى أمنية، أثرت في كل الجوانب الحياتية للبلد الآسيوي، وكشفت غياب المحاسبة لحالات عنف ترتكب بحق بعض المهن في العراق.
إحدى تلك المهن التي تعرض قرابة 87% من أعضائها لحالات عنف، كانت مهنة الطب في العراق، بحسب صحيفة الغارديان، التي قالت إن استطلاعًا حديثًا أجرته، كشف أن الأشهر الستة السابقة، شهدت أعمال عنف بحق ذوي الرداء الأبيض.
وقالت الصحيفة البريطانية، في تقرير ترجمته «السياق»، إن أغلبية الذين استطلعت آراءهم أكدوا أن حالات العنف التي ترتكب بحق الأطباء في الأشهر الستة السابقة، ازدادت منذ بداية جائحة كورونا قبل عامين، وأن ثلاثة أرباع الهجمات ارتكبها المرضى وأسرهم.
مريم علي إحدى الطبيبات اللاتي تعرضن للاعتداء وأعمال عنف في مقر عملها، تقول إنها كانت قد دخلت غرفة جراحة الأعصاب بعد ورود حالة تستدعي ذلك، إلا أن رجلًا أمسكها ودفعها أرضًا ووضع سكينًا في ظهرها.
وبينما أغلق حراس أمن المستشفى المنشأة واعتقلوا الرجل، تقول مريم: «اعتقدت أنني سأموت. كنت في حالة صدمة. لقد لعنت اليوم الذي أصبحت فيه طبيبة».
كانت مريم البالغة من العمر 27 عامًا في السنة الثانية من إقامتها الطبية بعد التخرج في مستشفى غازي الحريري ببغداد، عندما وقع الهجوم في يناير من العام الماضي، بحسب «الغارديان»، التي قالت إنه رغم القبض على مهاجمها وسجنه، فإن الطبيبة مريم علي فكرت منذ ذلك الحين شأنها شأن العديد من الأطباء العراقيين، في مغادرة البلاد.
قلقون ومسلحون
تقول صحيفة «الغارديان»، إن الرجل الذي هاجم مريم كان لصًا كثيرًا ما يسرق من المستشفى، إلا أن الحالة تكشف انعدام الأمن الذي يتسبب في معاناة الأطباء العراقيين من مستويات عالية من العنف في العمل، مشيرة إلى أن الطبيبة مريم اشتكت وزميلاتها من كسر قفل غرفة الاتصال في مناسبات عدة، لكن لم يصلحه أحد.
في العراق، من المعتاد أن يتلقى المريض الدعم من الأصدقاء والعائلة، الذين قد يصل عددهم إلى 15 شخصًا، عندما يأتون إلى المستشفيات، بحسب «الغارديان»، التي تقول إنه عندما لا يتمكن الطبيب من علاج مريض يحتضر أو يُعتقد أنه ارتكب خطأ، يمكن أن تنتقل التوترات إلى أعمال عنف.
رياض لفتة أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية ببغداد، يقول في تصريحات للصحيفة البريطانية: «عندما يذهب المرضى إلى المستشفى وهم أصلاً متوترون وقلقون، يواجه الأطباء صعوبة في التعامل معهم. يغضب المرضى ويهاجمون».
ويعني التراخي الأمني أن هذه الهجمات يمكن أن تشمل أسلحة، حيث يمتلك قرابة 20% من المدنيين في العراق سلاحًا ناريًا، بحسب «الغارديان»، التي نقلت عن أستاذ علم الأوبئة قوله: «الناس قلقون ومسلحون، وهناك مشكلات في نظام الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تسهم في تصعيد العنف».
ويذكر الطبيب لفتة حادثين قتل فيهما أطباء، الأول عام 2005 حيث قُتل مجموعة من 10 أطباء في محافظة كربلاء جنوبي بغداد، مشيرًا إلى أن العشائر التي تعمل في ظل النظام القبلي العراقي طورت طريقة جديدة للابتزاز، فهم يهددون الأطباء وعائلاتهم، بارتكاب أخطاء، حقيقية أو ملفقة، ويطالبون بـ«عقوبة عشائرية»، تصل إلى 145 مليون دينار عراقي (82 ألف جنيه استرليني)، بينما يزعم أطباء آخرون أنهم شاهدوا عقوبات تصل إلى 300 مليون (168 ألف جنيه استرليني).
ويقول لفتة: «لسوء الحظ في العراق، يعرف معظم الناس أنه يمكنهم الإفلات من العقاب. عندما لا يكون هناك عقاب، يمكنك فعل أي شيء تريده».
ويقول جراح القلب عثمان قتيبة إن هذه المشكلات دفعت الأطباء إلى الانغماس في «الأعمال التجارية» -القيام بأعمال طبية غير مجدية على المرضى- لمجرد إرضاء أفراد الأسرة.
ويضيف قتيبة، 28 عاماً: «عندما ترى جثة ويقف بجانبك 10 أشخاص، فإنهم سيقتلونك إذا قلت إنه مات. لذا، فإنك تعطيه صدمة DC بجهاز إزالة رجفان القلب. ربما مرتين، ثلاثا، أربع مرات أو 10 مرات (..) نعلم أنه خطأ، لكن ماذا يجب أن تقول؟».
جراح القلب قتيبة يقول إن زملاءه يفعلون ذلك يوميًا، مشيرًا إلى أنهم يتخذون إجراءات احترازية، حيث يستدعون حراس الأمن عندما يتوقعون وفاة مريض. وأضاف أن العنف دفع الأطباء إلى مغادرة البلاد بأعداد كبيرة.
ووجدت دراسة أجريت عام 2017 أن 77% من الأطباء المبتدئين يفكرون في الهجرة، وعام 2019، قال متحدث باسم وزارة الصحة العراقية إن 20 ألفًا فعلوا ذلك، بسبب العنف.
رياض لفتة أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية في بغداد يقول: «ليس فقط (الطبيب) الذي يتعرض للعنف، لكن أيضًا زملاؤه أو عائلته أو أصدقاؤه أو أقاربه»، مضيفًا: «في السابق، كانت لدينا مشكلة مع هجرة الأدمغة، كانت بعض البلدان تستقبل المتخصصين الطبيين لدينا. الآن تغيرت الظاهرة إلى دفع الدماغ. نحن ندفع عقولنا خارج العراق بسبب العنف».
وتدفع العقوبات والتهديدات القبلية الأطباء أيضًا إلى تجنُّب العمليات الجراحية المعقدة، بينما يتجنب خريجو الطب الجدد المسارات المهنية عالية الخطورة مثل جراحة الأعصاب وطب الطوارئ.
ويمكن للخريجين الراغبين في متابعة تخصصات عالية المخاطر الآن، سلوك المسار السريع من خلال تناوب الدراسات العليا لمدة عامين، حيث تسعى الحكومة إلى معالجة النقص، بحسب جراح القلب قتيبة.
وبعد الخضوع لعملية جراحية في القلب، يبدأ قتيبة دفع مبالغ شهرية أعلى لعشيرته لدعمه في حالة هجومه أو محاولة ابتزاز المال منه.
قانون حماية الأطباء
وحاولت الحكومة العراقية حل المشكلة، من خلال إصدار قانون حماية الأطباء عام 2010، الذي سمح للأطباء بحمل المسدسات إلى العمل، إلا أن لافتة يعد هذا سخيفًا لأنه يعتقد أن السماح بامتلاك السلاح الناري سبب العنف.
ويضيف: «عندما يذهب المهاجمون إلى المستشفى، يكون لديهم بنادق آلية وهناك أربعة أو خمسة. لا يمكن للطبيب أن يحمي نفسه بسلاح ناري صغير. لا يمكن أن يكون بسرعة تلك العصابات»، مشيرًا إلى أن الأمن الشامل فقط هو الذي سيساعد، فعندما يحترم الناس القانون ويخافون منه، أعتقد أن هذا العنف سوف يتلاشى».
زهرة اسودان، طالبة الطب في المستنصرية، تريد تغيير الوضع الراهن، قائلة: «أريد مساعدة الناس. أريد أن أغير شيئاً ما في العراق. أريده من قلبي».
من ناحية أخرى، فقدت الطبيبة مريم الثقة بالنظام بعد أن زارت عشيرة مهاجمها منزلها ليلاً للضغط عليها لسحب قضيتها، ورغم أنها عادت إلى العمل فإنها تفكر في الهجرة: «أنا قريبة جدًا من عائلتي، ولا أعتقد أن الأمر يستحق العيش بمفردهم. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمنعني».