ناشيونال إنترست.. لهذه الأسباب ساعدت باكستان أمريكا في اغتيال الظواهري
هناك عددًا من الأسباب التي تجعل من شبه المؤكد تقديم باكستان المساعدة

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن إمكانية أن يكون لباكستان دور في العملية التي نفذتها المخابرات الأمريكية، نهاية يوليو المنصرم، لاغتيال أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، بأحد أحياء العاصمة الأفغانية كابل، مشيرة إلى أن إسلام أباد برزت مؤخرًا كأهم شريك لدى الغرب في مكافحة الإرهاب، بين جيران أفغانستان المباشرين.
وبينت المجلة أنه نظرًا لافتقارها إلى جنود على الأرض في أفغانستان، ربما يكون اعتماد واشنطن على إسلام أباد الآن أكبر من أي وقت مضى.
وأشارت إلى أنه عند إعلان الضربة الجوية الأمريكية التي قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل، أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بما سماهم "حلفاء وشركاء أمريكا"، من دون أن يذكر أسماء، لكن من الطبيعي الافتراض أن أحدهم كان باكستان، كـ"شريك أساسي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في أفغانستان منذ سنوات".
الدور الباكستاني
وبينت "ناشيونال إنترست" أنه رغم نفي إسلام آباد لعب أي دور في العملية، فإنها عادةً ما كانت تنفي تورطها في ضربات الطائرات المسيرة –من دون طيار- التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، رغم إظهار الأدلة بوضوح نوعًا من الموافقة والتعاون السريين، موضحة أن "هناك عددًا من الأسباب التي تجعل من شبه المؤكد تقديم باكستان المساعدة في هذه الحالة أيضًا".
أما السبب الأول -حسب المجلة الأمريكية- فهو الدعم المخابراتي، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت لها ذات يوم بصمة استخباراتية كبيرة في أفغانستان، لكنها فقدت الكثير من تغطيتها عندما انسحبت القوات الأمريكية العام الماضي، وهو ما يعني أن وكالة المخابرات المركزية والوكالات الأخرى مضطرة إلى الاعتماد -بشكل أكبر- على الشركاء المحليين لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومن ثمّ فإن أبرز هؤلاء الشركاء جهاز الاستخبارات الباكستاني القوي
وأوضحت أن علاقات المخابرات الباكستانية بحركة طالبان قديمة وعميقة، واستشهدت بما كتبه الروائي الأمريكي ستيف كول بقوله: "لم تكد القوات الغربية تغادر أفغانستان العام الماضي حتى انطلق قادة المخابرات البريطانية والأمريكية إلى إسلام آباد، مشيرين إلى دور باكستاني أكبر في التعاون الاستخباراتي الإقليمي".
ولتوضيح وجهة نظرها بشأن تعاون استخباراتي باكستاني أمريكي، أشارت المجلة إلى أن مدير وكالة الاستخبارات الباكستانية كان قد زار واشنطن في مايو الماضي، للقاء نظيره الأمريكي، علاوة على ذلك، تحدث قائد الجيش الباكستاني قمر باجوا إلى قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا، قبل غارة الظواهري مباشرة، ودعا نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان للمساعدة في الوصول إلى أموال الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، ما أثار الشكوك في وجود مقايضة.
السبب الثاني لمشاركة باكستان المحتملة في هذه العملية -حسب المجلة الأمريكية- يتعلق بالجغرافيا، ذلك أن الولايات المتحدة تمتلك بنية تحتية كبيرة للطائرات المسيرة –من دون طيار- في الشرق الأوسط، وأسرع طريق لهذه الطائرات للوصول إلى أفغانستان عبر باكستان، مشيرة إلى أن هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على الرحلات الجوية فوق كابل، القريبة للغاية من الحدود الباكستانية.
وتضيف المجلة: "من المسلم به أن هذه رحلة طويلة، ما يقلل من الوقت الذي يتعين على الطائرات من دون طيار التحليق بها فوق أهدافها، لكن ورد أن الولايات المتحدة تستخدم مسار الطيران هذا لعملياتها في الأشهر الأخيرة، ففي أكتوبر الماضي، بعد فترة وجيزة من الانسحاب من أفغانستان، كانت واشنطن تحاول على ما يبدو التفاوض على اتفاق رسمي مع إسلام أباد لاستخدام مجالها الجوي".
نقطة انطلاق
ورأت "ناشيونال إنترست" أنه لتنفيذ عملية اغتيال الظواهري، سيكون الأمر أسهل بالنسبة للولايات المتحدة، إذا كان لديها ترتيب قاعدة دائم مع باكستان، إذ ورد أن قائد القيادة المركزية الأمريكية السابق الجنرال فرانك ماكنزي، كان قد أخبر الكونغرس -العام الماضي- بأن الولايات المتحدة لديها "نقاط انطلاق" في دولة مجاورة لأفغانستان، ما قد يشير إلى استخدام القواعد الباكستانية.
ففي الماضي -حسب المجلة- ربما كانت إيران طريقًا بديلًا، إذ إنه عام 2001، دعمت طهران الغزو الأمريكي الأولي لأفغانستان باستهداف المخابرات، لكن توترت العلاقات بين البلدين في وقت لاحق، ما يجعل أي تعاون اليوم غير مرجح للغاية، لا سيما مع المستقبل المجهول للاتفاق النووي الذي تريد واشنطن استعادته، بينما تماطل طهران حياله.
الاحتمال الأخير -الذي تراه المجلة لتنفيذ عملية اغتيال الظواهري- هو الطيران عبر آسيا الوسطى، لكن الظروف السياسية تجعل هذا خيارًا غير مرغوب فيه للولايات المتحدة، حيث تخضع دول آسيا الوسطى لنفوذ روسي كبير، ما يقلل من احتمال التعاون مع واشنطن، لا سيما بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا.
كانت الحكومة الروسية صرحت بوضوح بأنها لن تقبل وجود قواعد أمريكية في آسيا الوسطى، ومن ثمّ لم يناقش القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية حتى مسألة التمركز خلال جولة أخيرة في المنطقة، بينما رفضت الحكومة الأوزبكية وجود القوات الأمريكية، بينما تستضيف طاجيكستان وقيرغيزستان منشآت عسكرية روسية.
من جانبها، حاولت صحيفة داون -التى تعد أقدم وأكثر الصحف الباكستانية- تجاوز المسؤولية بالإعلان، من دون دليل، أن الطائرة من دون طيار التي قتلت الظواهري أقلعت من قاعدة غانجي الجوية في قيرغيزستان.
ويبدو أن الصحيفة استشهدت، في إعلانها، بأن الولايات المتحدة أدارت منشأة هناك في الماضي، لكنها أُغلقت لاحقًا بأمر من موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وليس هناك ما يشير إلى إعادة فتح القاعدة.
ليست الأولى
ورأت "ناشيونال إنترست" أنه مع احتمال أن تكون باكستان الشريك الوحيدة للقوى الغربية في المنطقة، فإنها لن تكون هذه المرة الأولى التي تساعد فيها إسلام آباد الولايات المتحدة في ملاحقة أعضاء القاعدة، مشيرة إلى أنها لم تدعم غزو أفغانستان عام 2001 فحسب، بل اعتقلت شخصيات إرهابية بارزة مثل خالد شيخ محمد، رغم أن أسامة بن لادن -زعيم التنظيم- نفسه قُتل من دون مساعدة الحكومة الباكستانية.
أما السبب الثالث، الذي تراه يقف وراء مساعدة باكستان في استهداف الظواهري، فهو تحسن العلاقات الأمريكية الباكستانية خلال الأشهر الأخيرة، ما زاد من احتمال التعاون في مكافحة الإرهاب.
وأشارت إلى أنه تم تعيين السفير الأمريكي الجديد، دونالد بلوم، في إسلام أباد هذا الصيف، وكانت هناك زيارات ودية من قِبل العديد من المسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك الممثل الخاص ديلاوار سيد، الذي قام غرَّد بحماسة عن رحلته.
أمام ذلك، بدا من الواضح -حسب المجلة- أن البلدين يحاولان تنويع علاقتهما بعيدًا عن التركيز السابق على الأمن، ليشمل التجارة والرعاية الصحية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، مشددة على أنه رغم خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، فإن باكستان ستظل شريكًا مهمًا، وإن كان صعبًا، في مكافحة الإرهاب.
علاوة على ذلك -حسب المجلة- يعمل الجيش الباكستاني على إصلاح العلاقات مع واشنطن، بعد اتهام رئيس الوزراء السابق عمران خان إدارة بايدن بمحاولة "تغيير النظام" لإقالته، من خلال تنظيم تصويت بحجب الثقة وفرض "حكومة مستوردة".
ومع كل هذه الأدلة، ترى "ناشيونال إنترست" أن عدم اعتراف باكستان بدورها في اغتيال الظواهري متوقع، مشيرة إلى أن إثبات التواطؤ مع الولايات المتحدة، من شأنه أن يقوي شوكة عمران خان، الذي غالبًا ما ينتقد مشاركة باكستان في العمليات العسكرية الأمريكية.
وبالفعل، فقد أعربت شيرين مزاري -المقربة من خان- عن مخاوفها من احتمال استخدام طائرات أمريكية من دون طيار في المجال الجوي للبلاد.
ومن ثمّ، فقد يؤدي تأكيد تورط باكستان إلى تأجيج التحريض على العنف من قِبل الجماعات الإرهابية مثل "ولاية خراسان"، وتنظيم حركة طالبان باكستان، الذين ينظرون إلى الحكومة الباكستانية على أنها مجرد "تابع لأمريكا"، كما سيؤدي إلى تفاقم التوترات مع حركة طالبان الأفغانية.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه بينما أعرب كثيرون من الأمريكيين عن إحباطهم من دور باكستان في الصراع الأفغاني، الذي دام عشرين عامًا -ولابد أنهم كانوا يأملون أن تتمكن الولايات المتحدة من إنهاء هذه العلاقة عند انتهاء الحرب- إلا أن إسلام آباد تبرز الآن كأقرب شريك للغرب في مكافحة الإرهاب، بين جيران أفغانستان المباشرين.