هل الفوضى في إسرائيل عرَض أم هدف؟ 

هل نمط الحكم في حكومات نتنياهو يرتكز على عقيدة الفوضى؟ وهل الفوضى العَرَض أم الهدف؟

هل الفوضى في إسرائيل عرَض أم هدف؟ 

ترجمات – السياق

منذ عودة نتنياهو إلى السلطة، تعيش إسرائيل غليانًا شعبيًا في جميع الاتجاهات، وأزمة بين الحكومة والمعارضة بسبب الإصلاح القضائي الذي تعتزم الحكومة إقراره، ما دفع إلى التحذير من "حرب أهلية".

وبينما ترتفع حدة الخلافات في تل أبيب، كان هناك مزيد من إطلاق النار في الضفة الغربية، ومخاوف من هجمات انتقامية من المستوطنين بعد أحداث حوارة.

ورأت صحيفة جيروزاليم بوست، أن ما تشهده إسرائيل نوع من الفوضى، لكن بالمقابل تستمر الحياة كالمعتاد في أجزاء كثيرة من البلاد، إذ دفع ارتفاع درجات الحرارة أعدادًا كبيرة من الإسرائيليين إلى الشاطئ.

وبينما يعتقد فريق أن إسرائيل قد تواجه انتفاضة جديدة وصراعًا أهليًا في الوقت نفسه، فإن الوضع الراهن مستمر في عديد من القطاعات.

لكن هناك غيومًا تلوح في الأفق، مثل المخاوف في قطاع الاقتصاد والتكنولوجيا بشأن الإصلاحات القضائية، كل هذا يحدث في الوقت الذي يولي فيه النظام الإيراني اهتمامًا وثيقًا بالتطورات في إسرائيل، إذ يعتقد أن الدولة منقسمة بشدة، الأمر الذي قد يغير حسابات طهران.

 

ما يحدث في الواقع

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليس جديدًا على السياسة، لقد شهد الولايات المتحدة وهي تعرب عن مخاوفها بشأن المتطرفين في السياسة الإسرائيلية، وأفعال الإسرائيليين في الماضي، كما عاش خلافات تشتعل وتخمد مع الفلسطينيين.

وتساءلت الصحيفة الإسرائيلية: بالنظر إلى الفوضى التي اندلعت، بعد أن شكل نتنياهو حكومة جديدة أواخر العام الماضي، هل من المعقول أن نستنتج أن كل هذا يحدث صدفة؟ وهل من الممكن أن يكون انحدار إسرائيل المستمر نحو الفوضى جزءًا من "عقيدة" أوسع؟

وذكرت أن نتنياهو يشتهر بأنه طالب في مدرسة التاريخ، إذ يقدم التاريخ بعض الأفكار عن طريقة الحكم، التي تلعب فيها الفوضى دورًا بارًزا، حيث اقترح عديد من المنظرين، مثل نيكولو مكيافيلي طرقًا للحكم، كما أوضح في "الأمير"، حيث رأى مكيافيلي الفوضى في كل مكان حول إيطاليا في عصره، كما كتب مفكرون مثل صن تزو أيضًا أعمالًا مؤثرة في الاستراتيجية العسكرية.

ويقول اقتباس منسوب إلى صن تزو أنه "في خضم الفوضى، هناك فرصة أيضًا"، في ما يُعرف جورج دانتون، أحد رموز الثورة الفرنسية، باقتباسة "Il nous faut de l'audace، encore de l'audace، toujours de l'audace"، وترجمتها هي "نحتاج الى الجرأة والجرأة ومزيد من الجرأة".

 

فوضى لا تغيير

 على مدى العقد الأخير من حكم نتنياهو، الذي توقف فقط خلال عام وصلت فيه المعارضة إلى السلطة، كان هناك اتجاه نحو إبقاء الوضع الراهن والفوضى، ما يعني أن الوضع العام لا يزال قائماً، مثل نظام حكم فلسطيني منقسم، وعدم وجود مخططات كبيرة من الحكومة، وعدم تدخل إسرائيل في الحرب الأهلية السورية، والمواجهة البطيئة مع إيران، ولكن من دون صراع كبير.

وفي خضم الوضع الراهن، كانت هناك أزمات مختلفة، إذ اندلعت حروب في غزة أعوام 2012، 2014، 2021، وانتفاضة الطعن، وكذلك أزمة أجهزة الكشف عن المعادن والحرم القدسي. 

وحتى أزمات الضم. إنه دائمًا شيء ما: سواء كان الخان الأحمر، أو مسافر يطا، أو الشيخ جراح، أو سوسيا، أو أي مكان آخر، المحكمة الجنائية الدولية أو الاتحاد الأوروبي أو اليونسكو أو بعض الجدل.

 ومع ذلك، عندما ينظر المرء إلى الوراء، ما الذي يتغير حقًا؟ نتذكر جميعًا مخطط "الضم" عندما كان من المفترض أن تضم إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية خلال عهد ترامب، ثم فجأة لم يكن هناك ضم. 

يبدو الأمر كما لو أن كل ذلك كان نوعًا من السيرك، لإلهاء جزء من الجمهور عن نوع من الجدل، ثم إزالة الجدل بهدوء من على الطاولة. 

على سبيل المثال، كل مرة يُفترض فيها إعادة توطين الخان الأحمر، المجتمع البدوي على الطريق من القدس إلى البحر الميت، لا يحدث شيء.

في الحقيقة، لا شيء يحدث في إسرائيل بالنسبة للمخططات الكبيرة، فبينما تستمر في بناء طرق سريعة وخطوط سكك حديدية جديدة، وترتفع أبراج جديدة في تل أبيب والمناطق المحيطة بها، فإن الأسئلة الكبيرة، لم يتغير فيها شيء. 

ويبدو الإصلاح القضائي من تلك الخطوط الحمراء التي لن يؤيدها البعض، وربما ينتهي به الأمر مثل قانون الدولة القومية.

 

عقيدة الفوضى

هل نمط الحكم في حكومات نتنياهو يرتكز على عقيدة الفوضى؟ وهل الفوضى العَرَض أم الهدف؟

 ليست هذه هي الحكومة الوحيدة، التي يبدو أنها تمارس هذه العقيدة، إذ كانت إدارة ترامب مدعومة أيضًا بفوضى لا نهاية لها على ما يبدو. 

لقد كان حكم نظام أردوغان في تركيا، الذي امتد عقودًا من الزمن -في الأساس- يعتمد على الفوضى، حيث يختلق أزمة كل بضعة أشهر، لإلهاء الناس وتشتيت انتباههم فترة كافية للوصول إلى الأزمة التالية، والانتخابات التالية، و"العملية العسكرية التالية"، أو"التهديد الإرهابي" الذي يحتاج إلى التغلب عليه.

وبالعودة إلى عام 2008، قبل عودة نتنياهو إلى السلطة، نشر موقع يدعوت الاخباري مقالاً عن نتنياهو، أشار إلى القصة التالية: "كان حنبعل قائدًا عسكريا قبل أكثر من 2000 عام، وهزم الرومان في معارك عدة"، قال بنيامين نتنياهو في كافيتيريا الكنيست الأسبوع الماضي: لمئات السنين، كانت الأمهات في روما يستخدمن اسمه لتخويف الأطفال الذين لا يأكلون، كانوا يقولون لهم: "إذا لم تأكل، سيأتي هانيبال من أجلك"... الآن، عاد هانيبال... أنا هانيبال".

إنها ليست المقالة الوحيدة التي أشارت إلى اهتمام نتنياهو بالجنرال القرطاجي، حيث أصبح حنبعل قائدًا في سن مبكرة، نحو 26 عامًا، وقضى السنوات من 202 إلى 221 قبل الميلاد في حالة حرب مع روما، حيث سار عبر ما يعرف الآن بالدول الحديثة، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتونس، ثم أمضى حنبعل سنوات رجل دولة وأمضى وقتًا في المنفى، وغالبًا ما كان متورطًا في مؤامرات.

 

إسرائيل ليست في حالة تدهور

النقطة الأساسية في قصة حنبعل، أن معظم فترة حكمه سادت الفوضى، وليس السلام، وهنا يمكننا النظر بتمعن  للوقت الذي  قضاه نتنياهو في السلطة، بشكل عام تميز بازدهار اقتصادي وسلام نسبي في إسرائيل، هذه هي المفارقة في عقيدة الفوضى، إذا وجدت مثل هذه العقيدة: أن الفوضى تتيح نوعًا من الوضع الراهن، الذي يتيح الازدهار.

على سبيل المثال، في الاتجاهات الكبيرة، لا تعد إسرائيل قوة متراجعة، إذ لا تعاني المشكلات الديموغرافية، التي تواجهها الصين وكوريا الجنوبية واليابان حاليًا، حيث تنخفض معدلات المواليد، لدرجة أن عديد العائلات لديها طفل واحد فقط. 

لم تواجه إسرائيل أزمة هجرة، ولا ارتفاع معدلات الجريمة مثل بعض الدول.

 ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق، من أن البلاد تنحدر نحو الاستبداد وتستغل بشكل متزايد أو السيطرة عليها من قبل المتعصبين الدينيين، فإن عقيدة الفوضى تنتهي بالفعل بدولة تتغير بشكل لا رجعة فيه، عما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، هذه هي الحالة نفسها التي تجد المعارضة في تركيا نفسها فيها، بعد عقود من حكم حزب العدالة والتنمية.

 

إيران وفلسطين

بالنسبة لخصم إسرائيل الرئيسي اليوم، النظام الإيراني، يبدو أن الفوضى داخل إسرائيل تشجع النظام، لكن نحو أي هدف؟ 

النظام يخصب اليورانيوم، لكن التخصيب يؤدي إلى مستقبل غير واضح، إذ لا يزال على إيران تسليح برنامجها النووي.

 بالنسبة للفلسطينيين، لم تؤدِ الفوضى في إسرائيل إلى أي نوع من النجاح في غزة أو الضفة الغربية، لقد عايشوا قيادة فلسطينية مسنة قوتها تتآكل، ولم تجلب حماس لغزة أي شيء سوى العزلة والفشل.

كما أن عقيدة نتنياهو في الفوضى والوضع الراهن، جلبت ظاهريًا لإسرائيل علاقات أفضل مع معظم المنطقة، هذه هي رؤيته للسلام من خلال القوة. 

ومع ذلك، فإن هذه العقيدة -بشكل عام- لم تحقق علاقات ودية مع إسرائيل، مثلًا في عهد لبيد-بينيت، عقدت إسرائيل عددًا غير مسبوق من الاجتماعات مع دول في المنطقة، بما في ذلك تطوير مفاهيم مثل منتدى النقب.

وختمت الصحيفة الإسرائيلية، بأن الفوضى الطويلة في إسرائيل والوضع الراهن، يجب أن يؤديا إلى نتائج أفضل، إذا كان لعقيدة الفوضى أن تزدهر.